المنبرالحر

هواء في شبك / تحت موس الحلاق / عبد الله السكوتي

في بداية سبعينيات القرن المنصرم عرض تلفزيون بغداد مسلسلا تحت عنوان تحت موس الحلاق، من بطولة الفنان سليم البصري والفنان حمودي الحارثي، يشاركهما الكثير من الفنانين، وفي احدى حلقات ذلك المسلسل، كان حمودي الحارثي( عبوسي) قد اصيب بمرض عضال، فاصطحبه استاده الحلاق سليم البصري( حجي راضي) الى العراف، وبعد معاينة طويلة ودقيقة اكتشف العراف ان عبوسي قد تلبسه الجن، واخبر العراف حجي راضي بهذا، فرد حجي راضي: وماهو العلاج شيخنا، فرد العراف يجب ان نضرب الجني بشدة كي يخرج، وفعلا بدأ الضرب على جسد المسكين عبوسي، وهو يستغيث بلا فائدة، وحين وصل الامر الى مداه، انتبه حجي راضي وامسك بيد العراف وقال له:( يمعود يا جنّي مو موتته للولد)، فرد العراف وملء كلماته الثقة: ( يابه تره الجنّي مالته كلش قوي، وينرادله كتل اهوايه)، وبما ان المتدينين قد سيطروا على الامر في العراق بعد عام 2003 ، فقد تكهنوا ان الشعب العراقي قد تلبسه الجن ولذا يستوجب القتل لاخراج الجن ليس الا،وهم في هذا غير ملومين، واي واحد متابع للمشهد يستطيع ملاحظة البراءة والتقى والعفاف على وجوه الشيوخ والسادة، فحين يموت المريض فلاشيء يستدعي القلق، لان الجني الذي بداخله قد مات وهذا ربح وليس خسارة.
اننا نحمل موتانا يوميا وبوجوه اعتادت على سماع الانباء السيئة، وقلوب عامرة بالايمان، هكذا هم يقولون: زف الشعب كوكبة جديدة من الشهداء مقطوعي الايدي والارجل والرؤوس الى مثواهم الاخير وسيزف غيرهم وغيرهم وغيرهم، هكذا هو الامر وسيستمر ولن ينتهي، هذه اناشيدهم واهازيجهم :نموت نموت ويحيا الوطن، وليس نحيا ونحيا ليحيا الوطن؛ انها مفارقة كبيرة ان يكون الجني الذي تلبس العراقيين بهذه القسوة، ربما هو جن تكفيري، او استشهادي لايخرج الا بخروج ارواح العراقيين جميعا؛ والمفارقة الاكبر ان الاثنين سيلتقيان في الجنة ، التكفيري الذي يفجر او القاتل الذي يقتل في سبيل الله، والشهيد الذي استشهد في سبيل الله، والاثنان مغسولي الادمغة، القاتل مبرمج ولايعرف الحق من الباطل لانه انسان مريض قد تربى على منهج القتل والقتال والخوف والتوجس ولاتجد له منهجا سواه، والمقتول الذي لم يكن يحلم بميتة كهذه ولايعشقها، ولو خيروه اتغادر الوطن ام تموت فيه ميتة كهذه لاختار المغادرة.
ان مشكلتنا لاتتعلق بالارض او النزاعات الحدودية كما يحدث بين الدول المتحاربة، انما تتعلق بمنهج عمره اكثر من 1400 سنة اعتاد الناس خلاله على عمليات القتل والتصفية والاتهامات، منذ ذلك الحين وحتى الان ليس لنا عمل سوى ان فلان قتل فلان وفلان كفر فلان وهذه الفرقة كذا وتلك الفرقة كيت، ونحن بين هذا الكم الهائل من التراكمات لانملك سوى الاستسلام لسكين الجزار فربما جزارنا خرج لنا من معاطفنا، ربما الطائفة التي تنتمي اليها تقوم بقتلك، بعد ان تتيقن انك لست ممن يعتنق الافكار التي تدعو الى قتل الآخر، هذه هي محنتنا كبيرة وتتسع يوما بعد يوم، لان العراف يرى انها يجب ان تتسع ليقتل اكبر عدد ممكن من ابناء الجن ، ليبقى عبوسي تحت هراوة العراف، حتى يصل الى نهاية اللعبة ، فيقول انتهيت ارفعوا جثث موتاكم فهم من اهل الجنة، وليفوز اليتامى والمساكين بجنازة اخرى يشبعون فيها لطما وصراخا، وصدقوني لن تنتهي المشكلة الا بنهاية الحلقات، عندها سيقف المخرج ويعلن ان العراف قد مات وان الجن قد خرج ولم يعد هناك امر يستحق الموت.