المنبرالحر

وزير الثقافة والمثقفون والاخوان في مصر / محمد سلماوي

سألني مندوب جريدة "البيان" في أبو ظبي، حيث أحضر اجتماعات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب عن ذلك الذي يحدث للثقافة في مصر، حيث يعتصم الآن المثقفون في مقر الوزارة ليحولوا دون دخول الوزير إلى مكتبه، فقلت تلك سابقة لم نشهدها من قبل، وهى تعبر بشكل قاطع عن رفض المثقفين محاولة إخضاع الثقافة لجماعة الإخوان وتعاليمهم.
ولقد شاهدنا خلال المرحلة الانتقالية التي تلت الثورة اعتصامات مماثلة منعت رئيس الوزراء عصام شرف من دخول مجلس الوزراء، كما حدث نفس الشيء مع الدكتور كمال الجنزوري، لكن هذه هي المرة الأولى التي يمنع فيها وزير الثقافة من دخول مكتبه، والمرة الأولى التي يقوم فيها المثقفون أنفسهم بمثل هذا العمل الذي دأب عليه شباب الثورة، أما حين تكون الأسماء الأدبية والفنية المشاركة في الاعتصام بمثل هذه القامات البارزة فلذلك دلالته التي لا ينبغي أن تغيب عن كل ذي عينين.
إن المواجهة بين الإخوان والشعب قد وصلت بالخطوة الأخيرة التي اتخذها المثقفون إلى مرحلة جديدة غاية في الخطورة، فالمسألة لم تعد من الممكن أن تصور على أنها جزء من الاضطرابات الناجمة عن حماس الشباب المتعجل لتحقيق نتائج الثورة، وإنما هي صدام صريح مع عقل هذا الشعب وبصيرته النافذة، وصراع عنيف ضد وجدان هذه الأمة وضميرها الحي الذي يأبى حبس حريته في التعبير والإبداع داخل سجن السمع والطاعة.
هذه هي دلالات دخول المثقفين إلى وزارة الثقافة والتي تتعدى عملية الاعتصام ذاتها، وهى تشير بوضوح إلى أن معركة الإخوان مع الشعب المصري قد وصلت إلى نهايتها، حيث قرر الإخوان بغباء سياسي مستحكم الاصطدام بممثلي ضمير الأمة وصائغي وجدانها، وهو ما لم يقدم عليه أي نظام استبدادي سابق ولم يمارسه الاحتلال الأجنبي قط.
لقد كان المثقفون دائما في طليعة حركات المقاومة ضد الاحتلال وضد كبت الحريات، وكان الطرف المستبد كثيراً ما ينكل بهم بالفصل أو الاعتقال أو النفي أو التهميش، وكانت تلك الإجراءات القمعية موجهة دائماً ضد المثقفين من كتاب ومفكرين وفنانين، لكن أحداً لم يجرؤ من قبل على محاولة هدم المؤسسات الثقافية ذاتها، كما يفعل الإخوان الآن.
إن ما يحدث لدار الأوبرا المصرية التي اكتسبت سمعة ومكانة عالمية على مدى السنوات منذ افتتاحها عام 1988، كانت له أصداء عالمية واسعة، وهو مثال لما يجرى لبقية مؤسساتنا الثقافية، التي تصاحب خطوات هدمها، والسيطرة عليها، حملة شرسة للحط من شأنها، مثل القول بأن الباليه الذي يعتبر أحد أرقى الفنون الإنسانية يحض على الفحش والدعارة.
إنها محاولة لطمس هوية هذا الشعب لصالح هوية أخرى غريبة، لا مكان فيها للثقافة ولا الفن ولا الفكر ولا الوطن.
ـــــــــــــــــــــــــ
"المصري اليوم"
7 / 6 / 2013