المنبرالحر

أيام دامية وسنين غائمة والمواطن يدفع الثمن / مصطفى محمد غريب

منذ زمن بعيدٍ وسنين طويلة لم ينقطع نزيف الدم عن شوارع وأزقة العراق وكأن هولاكو ورموز الخيانة مازالوا يعيشون بين ظهرانينا، فإذا انقطع نزيف الدم فترة نجده يعود ثانية بصورةٍ أكثر بشاعة وأوسع خارطة وكأنه غاضب عن فترة الانقطاع ، لا نبغي الحديث عن الماضي البعيد أو الأنظمة السياسية التي توالت على العراق منذ تأسيس الدولة العراقية، ولا عن التاريخ الأسود الذي قام منذ انقلاب ( 8 شباط 1963 ) وصولاً لانقلاب ( 17 تموز 1968) فذلك مُسطر ومكتوب في العشرات من الكتب والمجلدات، وكنا دائماً في زمن الطاغوث الذي امتد ( 35 ) عاماً، نفكر ونسأل ـــ متى ينتهي كابوس حكم حزب البعث في العراق؟ وهل سنرى صدام حسين وبطانيته يحاكمون للجرائم التي ارتكبت بحق ملايين من الشعب العراقي وبحق الوطن؟، وعندما حل ذلك اليوم وسقط النظام واحتلت البلاد قلنا مقهورين لعلها فترة زمنية قليلة في عمر الزمن وينتهي الأمر بشكل يعيد العراق إلى عافيته الوطنية، على الرغم من رفضنا القاطع للقوى الخارجية ولطريقة وأسلوب الاحتلال البغيض، لأننا ما كنا يوما نؤمن بالاستعمار ولا أعوانه، وما كنا نفضل أن تُحتل البلاد من قوى لا تؤمن أساساً بتحرير الشعوب، لكي يأتي البعض ممن لا تهمهم سوى مصالحهم الطائفية والحزبية إضافة للشخصية ويفتقرون للحس الوطني الذي كان من المفروض أن يكون الأساس الأول في عمل المسؤولين في الدولة والحكومة ومراعاةً لمصالح شعبهم الذي ينزف الدم في كل لحظة ودقيقة، وعلى مدار الأيام والشهور والسنين منذ 2003 استمر قدماً نزيف الدم وتستمر المجازر البشرية بشكل اكبر وأوسع حتى شملت الكثير من مرافق البلاد، ولكن العاصمة بغداد ومواطنيها هم الأكثر نزفاً وتضرراً وهذا لا يعني أن الباقي من الأجزاء قد سلمت من الأذى والقتل والتدمير، وحسب إحصائيات نشرت منذ البداية وليس النهاية على الملأ أن عدد ضحايا أيار من عام 2013 بلغت أكثر بكثير عن ما كان في أيار في 2012 وهذه الأرقام قد ازدادت وبلغت حسبما ذكرته الأمم المتحدة عن مقتل وإصابة ( 3442 ) مواطناً عراقياً، وأشارت بعد ذلك بعثة الأمم المتحدة في العراق في بيان يوم السبت 1/6/2013 عن مقتل ( 1045 ) مواطناً وإصابة ( 2397 ) من خلال ( 560 ) حادثاً امنياً في العديد من مناطق البلاد كما أنها أكدت أن شهر أيار الأكثر دموية وإن " عدد المدنيين الذين قتلوا هو 963 بضمنهم 181 من عناصر الشرطة المحلية، فيما أصيب 2191 ضمنهم 359 من عناصر الشرطة المحلية".
كما أن عدد التفجيرات أل ( 13 ) في بغداد تصاعد عددها ولم تنقطع إضافة إلى العبوات الناسفة المستمرة بدون أي توقف أو تراجع، وإذا ما كانت هدنة صغيرة فخلالها الاغتيال والخطف والتهديدات والتجاوزات على المواطنين، هذه التفجيرات طالت مناطق في العاصمة هي البياع والحبيبية والصدرية والشعب وشارع السعدون والكاظمية وبغداد الجديدة ومناطق متعددة أخرى كما شملت التفجيرات والاغتيالات المحافظات والاقضية والقصبات وحتى النواحي، الضحايا بالمئات من كل أطياف الشعب، أما التدمير فليس له حدود وكأنه عقاب للجميع بدون استثناء وبدون تمييز، عقاب حكومي، وإرهابي ، وميليشياوي، والقوى السياسية المتنفذة.
ـــ حكومي: فالحكومة تبدو شبه عاجزة تتحرك ببطء كالسلحفاة، وكلما تحدث مجزرة تتلوها مجزرة أو اغتيال تلو اغتيال والبيانات والتصريحات الحكومية تقول الإرهاب التكفيري والقاعدة وازلام النظام السابق من البعثيين هم من يقوم بكل هذه المجازر، ولا تشير لا من بعيد ولا من قريب إلى الميليشيات السرية المسلحة ولا تعتبرها فوق القانون ولا نعرف ما السبب؟! فمن يقول أنها تابعة لجهات صاحبة قرار في الحكومة وعلى رأسها رئيس الوزراء نوري المالكي، والبعض يقول لمسؤولين مشاركين في العملية السياسية وحتى الحكومة، وهناك رأي واسع يؤكد أنها تابعة لإيران وغيرها...الخ، والأجهزة الأمنية تتوعد وتهدد والقتل مستمر والتفجير لا يبعد إلا مسافات قليل عن المنطقة الخضراء ومقرات الحكومة والدولة فضلاً عن التوأم الشقيق الفساد المالي والادراي.
ـــ إرهابي: أما الإرهاب وأحزابه ومنظماته فهم يتحركون وفق خطط مرسومة ويقررون أين ومتى والكمية الممكن أن تقتل وتذبح وتدمر، ونادراً ما نسمع عن توقفه لأسباب أمنية أي بواسطة الأجهزة الأمنية الحكومية وفي كل مجزرة يقال انه يعاني من نزعات الموت الأخيرة لكنه يعود فيحصد الأرواح بشكل متزايد، يعود أكثر زخماً وتكتيكاً ومهارةً حيث يستنتج بأنه استطاع أن يخرق البعض من الأجهزة الأمنية.
ـــ ميليشياوي: ، أما الميليشيات المسلحة السرية فذلك ظاهرة غريبة ومنظورة وان يقال عنها " سرية!!" فهي بين فترة وأخرى تقوم باستعراضات عسكرية علنية ( عينك عينك يا تاجر ) وكأنها تابعة للأجهزة الأمنية أو الجيش والشرطة أو لرئيس الوزراء كما يشاع، ويتوعد ويهدد زعماؤها علنا بقتل الآلاف من النسيج الآخر وجعل الجحيم يطول من يعتقدون انه يجب أن يعاقب عقاباً طائفياً، ويقومون بوضع السيطرات الوهمية غير القانونية لاعتقال من يريدون اعتقاله والحبل على الجرار.
ـــ والقوى السياسية المتنفذة: أما القوى السياسية المتنفذة فهي تكاد أن تكون غير مبالية بما يحدث وهي دائما تتحدث وتلوم بالدكتاتورية وبالطائفية وتهاجم رئيس الوزراء نوري المالكي واستئثاره واستبداده وهيمنة حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون إلا أنها لا تتفاعل ولا تشير عن الأسباب الحقيقية كاملة بل أنها تذكر نصف الحقيقة ولا تضع اللوم أو حتى نصفه على نفسها لأنها تشارك في الحكومة والعملية السياسية،
هذه اللوحة التي أكدنا عليها أكثر من مرة بأنها تقود للانزلاق نحو الحرب الأهلية الطائفية الدموية بعدما يتحقق الهدف التي تسعى إليه القوى المضادة للعملية السياسية باتجاه عدم عودة الاستقرار والهدوء للبلاد وتُحقق مساعيها بتفجير الوضع السياسي باعتباره النقطة النهائية لوصول الصراع إلى درجة الاقتتال الدموي المسلح، لطالما طالبنا بضرورة التخلص من السياسة المتشدّدة التي تعتمد على الاستئثار والتفرد والانفتاح على القوى التي تشاركه في العملية السياسية والحكومة وفق مبدأ الحوار للانتقال إلى تنفيذ المطالب السياسية المشروعة وتحقيق توازن حقيقي في قيادة الدولة والحكومة، ففي كل مرة ومع تزايد الخلافات تنجح القوى الإرهابية والميليشيات المسلحة والمافيا في توسيع عمليات القتل والتدمير لا بل تتفنن بالطرق والأساليب التي تتخذها لتطوير ماكنة القتل وما الخبر الذي نشر حول القبض على مجموعة إرهابية كانت تسعى لامتلاك أسلحة كمياوية لاستعمالها عن طريق طائرات صغيرة تعد لهذه المهمة أو إرسالها إلى دولة مجاورة إلا تأكيداً على صحة ما نقوله.
إن القتل والتدمير بالتفجيرات والعبوات الناسفة وكاتم الصوت والخطف والاعتداءات والتجاوزات على حريات المواطنين إضافة إلى الفساد أصبحت صناعة رائجة ومحترفة بيد القوى الشريرة الظلامية وتحتاج إلى عقلية وطنية متنورة مسؤولة للحد منها ثم التخلص منها لراحة المواطنين وأمنهم ولتعود الطمأنينة لهم بدلاً من الخوف والقلق والتوجس، لأن المواطن لا يعرف كيف سيكون مصيره ومصير عائلته في البيت أو إذا خرج لقضاء حاجة أو للعمل.
إذن لا بد أن تتحدد المسؤوليات وأولياتها وعندما نقول ونخاطب رئيس الوزراء لا لأن اسمه نور المالكي أو لنا مواقف شخصية منه ومن حزبه أو ائتلافه السياسي، بل كونه المسؤول الأول والقائد العام للقوات المسلحة وعلى عاتقه تقع المسؤولية الرئيسية وهي بالتتابع فكل مسؤول معه يجب أن يتحمل هذه المسؤولية وإذا لم يستطع وليس لديه إمكانيات فعليه التصرف بحكمة وترك المسؤولية لآخرين قد يكونون أجدر وأفضل منه، لقد وصلت الأمور إلى حدود غير طبيعية فالضحايا كما قلنا بالمئات والنزيف مستمر وسوف يستمر والخراب والدمار شاملين إلا إقليم كردستان العراق والإنقاذ له حل واحد هو طاولة المفاوضات والحوار بروح المسؤولية وبوطنية خالصة ولعل البعض ما قاله رئيس المجلس الإسلامي الأعلى عمار الحكيم وهو احد أطراف الحكومة والعملية السياسية دليل على ما وصلت إليه أمور القوى السياسية المتنفذة وفي مقدمتها ائتلاف دولة القانون، لكن التمنيات التي أطلقت هي تمنيات يجب أن تترجم إلى الواقع وتتفاعل معه بدون تأخير أو تباطؤ، فلا طريق إلا الحوار الايجابي والشعور بالمسؤولية الوطنية والابتعاد عن الطائفية والحزبية الضيقة.
ملاحظة طارئة: فقد انفجرت حسبما أشارت المصادر الرسمية خلال الأيام العشرة الأخيرة من مايو / أيار نحو خمسين سيارة أودت بحياة المئات من المواطنين والبعض من منتسبين في القوات المسلحة
خمسون سيارة فقط لا غير وبالامكان تقدير الضحايا من المواطنين الأبرياء!!