المنبرالحر

قانون التقاعد الموحد مع التحيات/ زهير كاظم عبود

لم يحظ قانون أو مشروع قانون بوجهات النظر والاختلافات مثلما حظي به قانون التقاعد الموحد ، باعتباره أنه من القوانين التي ستنصف شريحة كبيرة من شرائح العراقيين المظلومة وما أكثرها ، ولعل التعمق والدراسة والاجتماعات التي قام بها مجلس النواب واللجان التي تفرعت منه لدراسة هذا القانون ما تكفي لإصدار عشرة قوانين مهمة من قوانين العراق التي لم يتسن الوقت الكافي لنوابنا الأشاوس لإصدارها بالنظر للعطل البرلمانية التي تخللت مناقشة تلك القوانين .
وقانون التقاعد الموحد اصبح الشماعة التي تعلق عليها اعمال السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وصار المقياس الحقيقي للغيرة الوطنية والموقف الحقيقي من مصالح الفقراء والمحتاجين ، وبقي مشروع القانون يدور في فلك المناورات السياسية والتفاوض بين الكتل ، وبقي حبرا على الورق لم يجد طريقا للإقرار والنفاذ بالرغم من الحاجة الملحة والضرورية لإصداره لتعلقه بحياة ومعيشة عدد كبير ممن قدم سنوات من عمره وجهده لخدمة الدولة .
وصار مشروع قانون التقاعد المدني الموحد منفذا لتمرير رغبات وتمنيات احزاب ورجال سياسة وسلطة ، وصار مشروع القانون الورقة التي تساوم عليها كتل سياسية وورقة يتم استخدامها في الترويج للانتخابات القادمة ، غير أن المشروع حين تمت مناقشته في مجلس النواب ، تم كشف العورات والخلل الذي تم حشره ضمن فقرات ومواده من قبل المتقاعدين انفسهم قبل المختصين ، فتعالت اصواتهم وشهروا اقلامهم لتصويبه وتصحيح المعوج منه وتبيان الخلل والخطأ في مساراته ، وانطلقت المظاهرات الشعبية التي عالجتها السلطة بالقوة والمنع والقسوة تعبيرا عن رغبتها في تمرير القانون مع ما يحمله من عورات وخلل ، وعلى أثر ذلك قامت الحكومة بمعاقبة تلك الشريحة مرة أخرى بأن عادت للبحث والدراسة لقانون أكل من عمر العراق اكثر من خمس سنوات ، تعادل عمر بناء دول من الحضيض الى المجد .
أن القانون يعني مجموعة القواعد القانونية العامة التي تنظم علاقات الأفراد فيما بينهم ومع الدولة وتضمن الحقوق والمصالح العامة ، وهذه القواعد عامة تشمل الجميع ، لذا فأن تأسيس قانون التقاعد المدني الموحد ينبغي أن يكون ضامنا لحقوق كل المتقاعدين الذين خدموا الدولة العراقية في أي مرفق من مرافقها مدة محددة وبأعمار محددة ووفقا لشروط وضوابط تنظيمية محددة وواضحة وعامة ، وهذه القواعد خالية من الغموض والتأويل حتى تكون واضحة الفهم والتفسير .
ومن اللافت للنظر ان جميع المسؤولين في الحكومة يساندون ويؤيدون اصدار قانون التقاعد المدني الموحد ، الا ان اي احدا منهم لم يكن له موقف يثبت حقيقة ذلك ، حيث بقيت المساومات لتمرير صفقات واتفاقيات لحشر اصناف وصفات لشمولهم بالرواتب التقاعدية ممن لايستحقون التقاعد المدني أو ممن لم يقدم خدمة للوظيفة العامة وللخدمة المدنية .
ولكون المحكمة الاتحادية العليا اصدرت حكما يكشف الخلل والخطأ في نصوص القانون فقد تمت اعادته الى الحكومة ومجلس النواب لينسجم مع المنطق ومع قرارات المحكمة الالزامية .
أن الأسباب الموجبة التي غابت عن بال المشرع في مجلس النواب ولجانه المختصة وعن بال المسؤولين في الحكومة العراقية هو أن القانون جاء إنصافا لشريحة كبيرة من شرائح العراقيين وقد آن الأوان لأنصافها وتقويم الخلل في القانون السابق ، وأن هذا القانون ليس هو المكان المناسب لتصفية الحسابات السياسية والمساومات ، وبعد كل هذا فأن اعادة هذا القانون الى نفس الحال والدورة التي مر بها وبهذا الشكل وبالبطء الذي عرف به مجلس النواب يشكل احباطا جديدا ومضافا الى احباطات العراقيين التي تكاثرت فوق كاهلهم .
ان الاسس التي ينبغي ان يستند عليها قانون التقاعد المدني الموحد هي الانصاف والعدالة ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، والقانون لمن لا يعلم ليس منه من الحكومة ولاهبة من اعضاء مجلس النواب ولا ترضية من الكتل السياسية ، إنما هو استحقاق فعلي وعملي ، فالرواتب التقاعدية هي عبارة عن الاستحقاقات المالية التي كانت الحكومات تستقطعها من رواتب الموظفين والعمال ، وإنها تعيدها لهم بعد بلوغهم السن القانونية وبعد خدمة متفاوته يقضيها المتقاعد في الخدمة .
وبالشكل الذي صدر به مشروع القانون يعتبر مناورة سياسية على حساب الشعب ، ويفتقد الى المصداقية في الأنصاف ويبتعد عن تحقيق العدالة ، كما ان عامل الزمن وهو يطحن المتقاعد بمطحنة الغلاء والظروف الصعبة والحرجة التي تمر بها عوائل المتقاعدين يؤكد بما لايقبل الشك من أن النواب والحكومة في واد غير واد الشعب العراقي ، فمجلس النواب يريد تحقيق فوائد مالية وشخصية للنائب البرلماني على حساب الخدمة المدنية وحقوق العراقيين ، والحكومة تريد تمرير ضمان حقوق لشريحة هي من تقرر استحقاقها للتقاعد ووفقا لمزاجيتها ومصالحها ، وان مشروع القانون بهذا الشكل يشكل مناورة للالتفاف على المطالب الشعبية التي كثرت في الفترة الأخيرة وظهرت للشارع العراقي على شكل مظاهرات واحتجاجات واعتصامات ومطالبات ومقالات وكل اشكال التعبير الأخرى .
ولهذا اعيدت مسودة القانون من مجلس النواب الى السلطة التنفيذية وفقا للنقض الحاصل بقرار المحكمة الاتحادية لإعادة صياغته وبما يحفظ للجميع حقوقهم ولا يصيب أحداً بالغبن والظلم والتمييز بعيداً عن لعبة تصفية الحسابات بين الحكومة وبين السلطة التشريعية و محاولات الكسب الانتخابي المبكر ، بعد أن حاولت السلطة مخالفة حتى الدستور الذي يؤكد على مبدأ فصل السلطات واستقلالية السلطة القضائية بزج القضاة وأساتذة الجامعات كموظفين بإلغاء قوانينهم الخاصة واعتبارهم موظفين عموميين مثلما كان الطاغية يعتبرهم .
ويقينا أن قانون التقاعد المدني الموحد سينام مرة أخرى في ادراج الحكومة ، بعد ان اعيد لها لعدم امكانية تمريره من مجلس النواب ، وستبقى حقوق العراقيين موقوفة ومعلقة على رغبة السياسيين والمسؤولين في الحكومة كدليل دامغ على عدم جدية اهتمامهم بمصالح هذه الشريحة، وأن الحكومة جادة في تشريع قوانين تضمن مصالحها ووفقا لمقاساتها وليس للشعب أية مصلحة فيها .