المنبرالحر

التقانة والاقتصاد في البلاد / محمد شريف أبو ميسم

من بين أهم المعوقات التي واجهت خدمات ثورة المعلومات في المجالات التطبيقية، هي اشكالية الفجوة بين سرعة تطور التقانة وتخلف التشريعات، حيث تتطور الأولى (أي التقانة) بسرعة هائلة بمعزل عن الثانية.
وهذه الاشكالية ما زالت قائمة في عموم الدول (ما دامت التكنلوجيا في تطور يومي) الا انها تختلف في تأثيراتها بحسب موقع تلك الدول على سلم التطور التكنولوجي والحضاري، تعلوها الدول المحتكرة لاقتصاد المعرفة (وهو اقتصاد صفري يستند على المعلومات بوصفها عوامل للانتاج ولبيئته ولمخرجاته ، ولا ينتج سوى المعرفة ، ودورته من الألف الى الياء تدور في المعرفة فقط ، احتكرته الدول الصناعية الكبرى ، وتركت نتاجه المعرفي للاقتصادات الصاعدة القائمة على المعرفة).
أما الدول التي ما زالت تعاني مما يسمى (الفجوة الرقمية) فهذه انخرطت فيما بعد بالمنظومة التجارية والاقتصادية العالمية وظلت تعاني من اشكالية تخلف التشريعات ازاء تكنولوجيا اكتسحت أسواقها واقتصاداتها ودخلت في بعض جوانب التعاملات والتداولات التجارية والمالية فأربكت المشرّع وعناصر السوق المحلية، اذ جاء نتاج اقتصاد المعرفة بالتقانة ، ومنحها لعموم الأعمال والتداولات التجارية والمالية ، فهو مثلا جاء بالصكوك الالكترونية في التداولات المصرفية ، وهذه الصكوك أضحت بديلا عن الصكوك العادية ، التي عرفت قانونا على انها «شهادة ائتمانية ورقية تثبت حق ملكية في أصل معين وتحمل توقيعاً لمحرر الصك ولحاملة على أصل الصك» ولا تعتمد النسخ المصورة منه في نظام المقاصة ، وهذا المفهوم لا ينطبق على الصك الالكتروني، لأن هذا الأخير يتم تداوله في المقاصة الالكترونية عبر شبكة الانترنت ، أي انه لا يعدو أن يكون نسخة مصورة عن النسخة الأصلية ، وهذه النسخة المصورة تعد باطلة أمام القوانين النافذة.
بالتالي كان على المشرّع في بلدنا أن يستدرك هذا الأمر بتشريع قانون يعالج هذه الاشكالية وغيرها من الثغرات القانونية التي خلفتها التداولات والتعاملات الالكترونية، فجاء قانون التوقيع الالكتروني والمعاملات الالكترونية رقم 78 لسنة 2012 متأخرا، والذي أجاز أن تكون الصورة المنسوخة عن المستند الالكتروني حائزة على صفة النسخة الأصلية إذا توافرت فيها شروط حددها القانون ذاته في المادة 14 منه ، الا ان دخول التقانة في عالم التجارة محليا أضاف الكثير من الاشكاليات للمتداولين (تجار ومستهلكين) على الرغم من الاقبال الكبير على هذه القنوات التجارية التي تختزل الوقت والجهد والمال في آن واحد ، مما يتطلب حزمة من التشريعات لضبط هذا النمط من التبادلات حماية للمستهلك، خاصة مع انتشار المواقع التجارية الوهمية بجانب المواقع التي يتفشى في تداولاتها الغش التجاري .
ان دخول التقانة في التبادلات والتعاملات المالية والتجارية أصبح أمرا واقعا ، وعلى الجهات ذات العلاقة أن تطالب وتضغط باتجاه تشريع القوانين التي تكفل التنافس الفعلي وتحاسب المستغلين وتضع حدا لنمط جديد من السرقات والتحايل حماية للمستهلك.. وعلى الوزارات ذات الصلة بالتعاملات التجارية أن تضغط بهذا الاتجاه ، فمن المعيب أن تعمل مثل هكذا وزارات (يعول عليها أن تحمي البلاد وهي تسير على عجالة باتجاه مؤسسات العولمة الاقتصادية ) بقوانين قديمة عفا عليها الزمن، ما يؤشر لخلل ما !!.