المنبرالحر

ضياع الوقت..ضياع الوطن / ئاشتي

تحيط بعينيك هالة من الحزن حين يمضي الزمن عليك بمركبه، وأنت نائم تنتظر شمس الله تشرق كي تتدفأ بها قدماك، لاسيما والبرد أنزل راحلته عند بيوت الفقراء، وأنعش مكامن الارتجاف في اوصال أطفالهم الحفاة منهم خاصة، وللبرد وهؤلاء الأطفال أكثر من حكاية لأنهم في لغة الشعراء عصافير ترتجف وفي لغة الباعة المتجولين عبارة عن حشرات تستحق الدوس عليها، وفي لغة الحكومة هم ابناء بررة لم تتوفر لهم فرصة الحياة بشكلها الواسع، وهكذا تضيع كل بديهيات حياة الناس مثلما تضيع كل بديهيات الوطن حين تمحى من ذاكرة حكامه ابجدية الزمن، حيث لا يمكن الحديث عن بناء وطن دون الحديث عن استغلال كل لحظة من زمن الوطن، واستغلال كل لحظة في حقيقتها هي اكتشاف جديد في حياة وطن جديد،فأين نضع وطننا ضمن هذه الخارطة، ونعني بها خارطة استغلال الزمن؟ الاوطان والشعوب تتطور على اساس محور التسابق مع الزمن، لهذا نرى التعامل مع الزمن وصل إلى تجزئة اللحظة، والقياسات أضحت ضمن أجزاء الثانية الواحدة، وربما في المستقبل القريب تصل الشعوب إلى قياسات أكثر صغرا من أجزاء الثانية، أما في عراق اليوم فأن حكامنا يسعون جادين من أجل أن تضيع أيام وأسابيع ليس لشئ ما بل لعدم احترامهم للزمن،لأنهم خارج أطار خارطته، أو لأنهم في الحقيقة يدركون من أن الاستغلال الأمثل للزمن يعني رميهم خارج إطاره، وعند ذاك يفقدون القدرة على التمسك بكرسي الحكم.
تحيط بعينيك هالة من الحزن حين يمضي الزمن عليك بمركبه، وأنت ترى وطنك يضيع بوصلة الابحار بفضل حكامه الذين يهدرون زمنه متناسين أو غافلين ما قيل قديما ( الوقت كالسيف أن لم تقطعه قطعك)، وضياع الوقت هو في حقيقته ضياع للوطن وما أكثر الوقت الذي ضاع ويضيع من عمر وطننا وشعبنا بفضل الحكام، لا أدري بماذا سيجيب التاريخ عن اسئلة الاجيال العراقية والتي تأتي بعد مائة عام؟ من المسؤول عن 150 يوما عطلة في السنة الواحدة؟ وبعملية حسابية افتراضية أن الطالب الذي ينتهي من تعليمه الجامعي بستة عشر عاما، يكون قد استخدم نصف هذه الاعوام في الدراسة، فكيف يُخلق جيل على مستوى عال من التعليم ونصف عمره الدراسي بعيدا عن مقاعد الدراسة؟
تحيط بروحك كل هذه الاسئلة وليس هناك من مجيب، ليس لك غير ان تقف كالمجنون وتصرخ بملء شدقيك مثلما يصرخ الشاعر العراقي ياسين طه حافظ:
( « ليل المآسي طال»
والبطل أنكسر
ثقيلة كانت على أكتافه المعاني
القى على الطريق
حمولةً قاتلة ً، وعاد
يبحث عن ضماد
لجرحه
صامتة بغداد)