مجتمع مدني

هل تنجو المحكمة الاتحادية من المحاصصة الطائفية والسياسية؟ / علي الجاف

منذ ان ركنه البرلمان على الرف، وأغلق ادراج المكاتب على مسودته، لم يعد احد يتطرق الى قانون المحكمة الاتحادية، حتى انتهت الدورة البرلمانية الثانية، من دون اي تقدم في النقاشات بشأنه.
وبمطالبات عدة، بعد ان ألتئم البرلمان الحالي، اعيد القانون لطاولة النقاش عبر القراءة الثانية، وبذات نقاط الخلاف الاساسية، وهي ان تضاف الى هيئة المحكمة الاتحادية خبراء الشريعة الاسلامية بمعدل النصف.
وما سلط الاضواء على "الاتحادية"، انها المحكمة ذات المهام الاكثر خطورة، وبحسب ما نص عليه الدستور، فهي تتحكم وتراقب مفاصل مهمة في الدولة وتفصل بين نزاعات محتملة بين حكومة الاتحاد والحكومات المحلية، وهي معنية بقضية تشكيل الحكومة.
فيما بعد، دخلت المحكمة موضع جدل سياسي قانوني، حتى تصورت بعض الكتل انها انساقت مع رغبة السلطة التنفيذية في العام 2010، جراء تفسيرها "الكتلة البرلمانية الاكبر".
ويقول الخبير القانوني زهير ضياء الدين ان "احد اكبر مشاكل مسودة القانون الحالي، انه يعين خبراء في الشريعة الاسلامية من المذاهب بصفة قضاة ويمنحهم حق النقض "الفيتو" على كل مقررات المحكمة".
وأضاف ضياء الدين في حديث الى "طريق الشعب"، يوم أمس، ان"مهمة فقهاء الشريعة، بحسب القانون هي المحافظة على اتساق القوانين مع الشريعة الاسلامية"، مشيراً الى انهم "من يحددون مدى توافقها مع احكام الاسلام من عدمه بحسب خبراتهم الاسلامية وهذه احد نقاط الضعف الرئيسية في القانون".
وأكد ان "اقحام فقهاء الشريعة ضمن بنية المحكمة الاتحادية، مثلبة، نحن نريد دولة مدنية يحكمها القانون، علينا ان نسن قوانين تتناسب مع حاجات الناس وطموحاتهم".
وبشأن مقبولية القانون لدى الكتل السياسية ذكر ان "هذه نقطة حاسمة في القانون، ولهذا ليس من السهل ان يمرر، فلم يعاد النظر بأغلب الفقرات موضع الخلاف ولم تزاد جرعات النقاش والحوار بشأنها".
وبحسب ما نصت عليه مسودات القانون امام البرلمان، فان اختصاصات المحكمة "الرقابة على دستورية القوانين والانظمة التشريعية وتفسير نصوص الدستور والفصل في القضايا التي تنشأ عن تنفيذ القوانين والقرارات والانظمة والتعليمات".
كما تفصل ايضاً، في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء والمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات التشريعية والنظر بالطعن في صحة عضوية مجلس النواب.
ولكي تصبح سلطة المحكمة "سلطة عليا"، فان رئيسها ونائبه واعضاءها غير قابلين للعزل، الا اذا حكم على احدهم بجريمة مخلة بالشرف، ويتم التعامل بحسب المسودة مع رئيس المحكمة كرئيس للوزراء او البرلمان فيما تتم معاملة الأعضاء معاملة الوزراء.
بدوره، يشير الباحث والكاتب في الشؤون القانونية والقضائية القاضي سالم روضان الموسوي الى وجود ثغرات في النص الدستوري لتشكيل المحكمة الاتحادية، فهو بحسب روضان "لم يحدد عدد أعضاء المحكمة، كما لم يحدد مستوى كفاءة الخبراء والقضاة".
ورأى روضان في دراسة اطلعت عليها "طريق الشعب"، ان "هناك نقصاً شاب الدستور بشان المحكمة لكي لا يفسح المجال إلى القوى المهيمنة على مجلس النواب من تغيير القانون متى شاءت وعلى وفق أهوائها ومزاجها السياسي".
وبشان إضافة خبراء الفقة الاسلامي ذكر ان وجودهم "لا حكمة فيه"، مشيراً الى ان" تعليل وجودهم، لخلق توازن بسبب المادتين الدستوريتين (م2/أولا/أ) (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام) والبند (أولا/ ب) من نفس المادة(لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية) هو تعليل غير موفق، لان المحكمة لا تنظر في الأمور العقائدية".
وأضافت الدراسة القانونية ان"المحكمة الاتحادي هيئة الفصل في نزاع يتعلق بين شرعية القانون وعدم شرعيته على وفق أحكام الدستور، مما يعني إنها محكمة ، ولا يمكن أن نتصور وجود أشخاص من غير القضاة يشغلون المناصب القضائية".
وأوردت الدراسة اشكالات في تحديد الخبير الفقه الاسلامي، منها ان"الاسلام ذا خمسة مذاهب تتفرع منها جماعات وفرق وملل، فعلى اية مذاهب سيتم اختيار الخبراء، إضافة الى اعتماد بعض المذاهب التقليد لأكثر من مرجع اعلى".
وواصل الموسوي تساؤله "كيف نعول على التحصيل العلمي للخبير في الفقه الاسلامي، بسنوات الخدمة، في مجال الشهادة الاكاديمية العليا، ام بحوثه التي أصدرها في مجال الفقه الإسلامي، أم نعتمد على الفقيه الحوزوي أو الذي يفتي بين الناس في المساجد والحسينيات ؟ ".
وما يؤكد انزعاج السلطة القضائية من تغيير قوانينها، بحسب اهواء الكتل السياسية في البرلمان، وعدم اقتناعها بالمسودات الحالية، هو تأكيد مصادر خاصة ان"السلطات القضائية لم تنتظر مجلس النواب للنظر في إقرار قوانين تتعلق بها".
وأضافت المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها لـ"طريق الشعب"، يوم أمس، ان "مجلس القضاء الاعلى كلف لجنة من كبار القضاة، لكتابة قوانين سميت "المدونة القانونية" وهي حزمة قوانين قضائية، لتحويلها الى رئاسة الجمهورية، وبدورها الى البرلمان بغية التشريع".
وتابعت المصادر ان "المدونة القانونية، تضم قانون المحكمة الاتحادية، قانون مجلس القضاء الاعلى، قانون محكمة التمييز، قانون الادعاء العام، قانون هيأة الاشراف القضائي وقانون ادارة السلطة القضائية".