مجتمع مدني

خيمة نازح في يوم ممطر / حكمت عبوش

لم يكن العم صادق يفكر في يوم ما انه سيهاجر من داره مثل هذه الهجرة المهينة ويغادر بلدته وما فيها وما تعنيه رغما عنه ؟ والا فأنه سيلقى ما لا يرضاه – ليس هو وعائلته فقط – بل كل ابناء بلدته ومعظم بلدات نينوى وسهلها ومحافظات الانبار وصلاح الدين وديالى وبلداتها وقراها المختلفة –
وكان موضوع الهجرة عندما يطرح للنقاش . يجيب بسؤال : ولماذا نهاجر ؟ هل نحن نرجع الى الوراء ؟ بعكس شعوب العالم وتصبح شريعة الغاب هي السائدة بيننا وكأننا في القرون الوسطى ؟ ولكن الواقع المر هو الذي فرض نفسه -- وفي ليلة وضحاها اصبح العم صادق احد المهجرين الذين وصلت اعدادهم ما يقارب المليوني عراقي حسب الاحصاءات الرسمية وغدت الخيمة هي خياره الوحيد الممكن للسكن وخيار الاف العوائل الاخرى واقام فيها وعائلته مع عائلة اخرى شريكة منذ العاشر من شهر اب والمعيشة في الخيمة ليست كلاما فقط بل هي معاناة مستمرة من ازمات مياه الشرب والاستحمام والغسيل وتحمل حرارة اب العالية والنوم على( دواشك) مفروشة على الارض واستخدام الحمام والمرافق الصحية الخ.
من المضايقات اليومية التي لابد منها وفي اطار هذه المزعجات انتهى شهر اب وتلاه ايلول ثم جاء تشرين الاول وتغير المناخ وتلبدت السماء في بالغيوم لكن مكان الاقامة لم يتغير بينما كان المهاجرون يتوقون تغيره حسب وعود المسؤولين بانشاء ( كرفانات ) تصلح لمعيشة البشر في الحد الادنى ولكن شيء من هذا لم يحصل وبقيت الخيم هي ملاذ اغلبية النازحين وتحولت الغيوم الى امطار غزيرة ولم يكن في سقوطها بشائر خير كما كان يرى فلاحو بلادنا بل تحولت الى اضرار بالغة للنازحين وتحولت اراضي خيمهم ومناطقها الى مستنقع مليء بالمياه المتساقطة من شقوق وفتحات الخيم لتصل الى مفردات المواد الغذائية التي حصل عليها النازحون من الجمعيات الخيرية الدولية والخيرية عبر الكنائس والمنظمات مثل الطحين والرز والسكر والشاي وغيرها ليصبح استعمالها متعذرا، وبذلك احيلت الاقامة والمعيشة الى وضع صعب جدا وتنفيذ الاعمال اليومية كتناول الطعام شيء متعذر وكأنه مقطع من افلام اللامعقول. وفي اطار هذه المعاناة اللاطبيعية اصبح التفتيش عن مكان آمن مطلبا ملحا للجميع، ولكن اين هو هذا المكان فالقاعات المتوفرة تشهد ازدحاما كثيفا لأنها مليئة بالعوائل النازحة ولا موطئ قدم فيها، والمدارس التي كانت مليئة بالنازحين يجب ان تفرغ منهم لحاجة التلاميذ الماسة لها بسبب حلول الدوام الرسمي الذي لابد منه . وبدأ العم صادق يفكر من جديد بآلاف العوائل النازحة والخيم التي تحوي اطفالها ونساءها وشيوخها ومرضاها في هذا الجحيم الدنيوي .. وبدأ يسأل اين يذهب هؤلاء ؟؟ وغالبيتهم من متوسطي الحال وفقراء ومنهم دون مستوى الفقر وهم لم يمتلكوا يوما قصورا او بيوتا فخمة، ولكن نسبة مقبولة منهم انشأوا دورا متوسطة بقروض من الدولة ولكن الاخرين على العموم كانوا يسكنون في بيوت تمنعهم من التشرد وتحافظ عليهم من النزول الى هذا المستوى البائس من الحياة الذي يعيشونه رغما عنهم وبالعند من ارادتهم واستحقاقهم ثم سار الفكر بالعم صادق مرة اخرى الى الممتلكات والحلول البديلة ومنها ( الكرفانات ) التي تحدثوا عنها كثيرا ولكن في الواقع لم يجلب الا النذر اليسير امام اعداد النازحين الغفيرة الذين معظمهم يسأل ؟؟ أيقبل المسؤول او الشخصية الكبيرة ان ينام افراد عائلته تحت المطر كما يحدث الان لنا ؟.