مجتمع مدني

عمالة الأطفال في بلادنا.. إلى أين ؟ وهل من حلول ؟ / لميس الربيعي

تنتشر عمالة الأطفال في محافظات العراق كافة وتنقسم ضمن مجالات وأشكال مختلفة ومنها "مقالع" أو مكبات النفايات التي يتواجد فيها الكثير من الأطفال" أطفال القمامة" بحثا عن القطع المستهلكة بهدف إعادة صنعها مثل علب المشروبات الغازية " قناني البيبسي " ومواد النحاس "الصفر" والألمنيوم وجميع ما يشكل منفعة اقتصادية أو ربحا ماديا، إضافة إلى وجودهم في المعامل الأهلية الصناعية التي تفتقد الدور الرقابي من قبل وزارات الدولة المعنية بظاهرة عمل الأطفال، وكذلك يتواجدون كباعة جوالة في الأسواق لبيع أكياس النايلون، فضلا عن تواجدهم في معامل صناعة الطابوق في منطقة النهروان في محافظة بغداد وغيرها، اضافة الى تواجدهم في إشارات المرور لبيع " قناني الماء " و" المناديل الورقية ".
تقول منظمة يونيسيف في تقرير لها: إن نسبة العمالة بين الأطفال في العراق تزيد عن 11 بالمئة من الأيدي العاملة، في حين تشير إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء وجود مليون ونصف المليون طفل يتيم في العراق.
أن عمالة الأطفال تهدد مستقبل المجتمع العراقي بكامله، «لأنها تخرج اطفالا اميين ليس لديهم القدرة على التعلم في المستقبل.اضافة إلى فقدانهم قدرات التواصل مع العصر في المستقبل، في ظل حياة تتحول شيئا فشيئا إلى حياة رقمية تعتمد على العلم والدراسة».
وبحسب الدراسات، فان اغلب البالغين الذين قضوا طفولتهم في العمل مصابون بأمراض نفسية وتنتابهم عدائية شديدة ورغبة في الانتقام من مجتمع لم يتح لهم التعلم وتذكر طفولة سعيدة. وتؤكد الدراسات: أن الطفولة السعيدة وقضاء الطفل فترتها الزمنية في المدرسة هو الاسلوب المثالي للتربية، لكن الحياة العصرية تغيرت، ففي السابق كان الاباء يدعون ابناءهم الصغار يعملون لأن الحياة كانت تعتمد على الاعمال والمهن العضلية والخشنة، اما اليوم فأغلب الاعمال تعتمد على التفكير والعقل.
وأقر الدستور العراقي في العام 2005 حقوق الأطفال، وجاء في المادة 29 منه: «يحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال كافة وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم» إلا إن نسبة عمالة الأطفال ما زالت مرتفعة، وفي اتساع متواصل ليس بسبب عدم تطبيق قوانين الضمان الاقتصادي والصحي للعاطلين عن العمل أو عدم مساعدة الأسر الفقيرة اقتصاديا فحسب، بل بسبب عدم وجود إستراتيجيات مستقبلية، تخطط وترسم ملامح وصورا ايجابية فيما يخص عوامل التنمية في قطاعات واسعة كالاقتصاد والصحة والتربية والتعليم.. الخ.
وان الحقيقة المرة التي تواجهنا تقول ان الدولة ليس لديها الوقت اللازم للاهتمام بتطبيق هذه المادة الدستورية وان حالها حال معظم الدول النامية لا تتذكر الاطفال الا في المناسبات الخاصة بالطفولة وتركت الحديث عن حقوق الطفل الى منظمات دولية تهتم بهذه المسائل
والتي لديها العديد من المبادرات التي تهتم بمسألة عمالة الاطفال لأن ظاهرة تشغيل الأطفال تترك أثارا سلبية تنعكس على المجتمع بشكل عام وعلى الأطفال بشكل خاص.
لقد أخذ هذا الاستغلال أشكالا عديدة أهمها تشغيل الأطفال وتسخيرهم في أعمال غير مؤهلين جسدياً ونفسياً للقيام بها، علما أن العديد من الاتفاقيات الدولية قد جرمت بدورها الاستغلال الاقتصادي للأطفال ومنها (تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح ان يكون مضراً أو ان يمثل إعاقة ليتعلم الطفل أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي)
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت في عام 1989 اتفاقية حقوق الطفل التي عرفت الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره وأكدت على ضرورة السعي لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطرا أو يمثل إعاقة لتعليمه أو ضررا بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي، وأوجبت على الدول الأطراف فيها اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل هذه الحماية، وبشكل خاص وضع حد أدنى لسن الالتحاق بالعمل ونظام ملائم لساعات العمل وظروفه وفرض عقوبات مناسبة لضمان فعالية تطبيق هذه النصوص، وقد صادق الأردن على هذه الاتفاقية في أيار من عام 1991 إضافة إلى معظم الدول العربية والعديد من دول العالم.
وكانت الجمعية العامة قد أقرت في نفس العام الإعلان العالمي لحقوق الطفل الذي كان قد تم إعداد مسودته في عام 1957، حيث نص الإعلان على «وجوب كفالة وقاية الطفل من ضروب الإهمال والقسوة والاستغلال، وان لا يتعرض للاتجار به بأي وسيلة من الوسائل، وان لا يتم استخدامه قبل بلوغ سن مناسب، وان لا يسمح له بتولي حرفة أو عمل يضر بصحته أو يعرقل تعليمه أو يضر بنموه البدني أو العقلي أو الأخلاقي».
ويتضمن موضوع عمل الأطفال في المواثيق والمعايير الدولية التفاصيل المبينة تاليا أدناه وخاصة اتفاقيات العمل الدولية المتعلقة بالحد الأدنى لسن العمل وأسوأ أشكال عمل الأطفال واتفاقية حقوق الطفل وإعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل.
ان معالجة ظاهرة عمالة الأطفال في بلادنا لا تتم إلا من خلال تحقيق مجموعة أهداف من بينها، العمل على تشريع قوانين جديدة تحمي الطفولة في العراق من الاستغلال والعمالة، تتضمن الدعم المادي للأسر الفقيرة ذات الدخل المحدود من حيث وجود الضمانات الاقتصادية والصحية والاجتماعية والثقافية.