مجتمع مدني

نظم التعليم الجامعي : نظام المقررات (قسم اللغة العربية إنموذجاً) / د. شجاع العاني

لقد قيض لي ان اعايش اكثر من نظام من نظم التعليم الجامعي في البلاد هما النظام السنوي ونظام المقررات، ووجدت ان بين النظامين اختلافاً شديداً وفروقاً عديدة، وان لنظام المقررات (الكورسات) مزايا عديدة لا تتوفر في النظامين السنوي والفصلي.
ففي هذين النظامين تعد المواد او الموضوعات كلها اجبارية، في حين يوجد في نظام المقررات ما هو اختياري الى جانب الاجباري، ففي حين يقوم النظام على عدد من الدروس الاجبارية التي تتكون في قسم اللغة العربية مثلا من علوم اللغة والنحو والأدب في عصوره المختلفة والنقد قديمة وحديثة، يحق للطلبة ان يختاروا مواد أخرى هي ذات مساس بالاختصاص ولكنها تكسر قيود الاجبار عن طريق الاختيار ويمكن للطالب ان يدرس مثلا فن القصة والرواية والمسرحية او اي من المذاهب الأدبية المعروفة او الفلسفة الاغريقية او الحديثة، او المسرحية اليونانية، او العربية او الاساطير الاغريقية او الشرق اوسطية، وهكذا فأن هذه الدروس الاختيارية تتوقف في عددها ونوعها على التخصصات التدريسية المتوفرة في القسم، هكذا يمكن القول ان قيود التخصص الدقيق تكسر في هذا النظام الصالح تخصص اكثر سعة وتنوعاً ثقافياً ومعرفياً.
ان تقسيم العمل والتخصص الدقيق ضروري لزيادة وتحسين الانتاج، ولكنه يفقر الروح ويجدبها، ولا يمكن ان نتصور عالما فيزياوياً مثلا لا يعرف شيئا عن الأدب او الشعر، ويمكن القول بثقة ان ما يميز نظام المقررات عن النظم الأخرى انه يوفر للطلبة حرية نسبية في اختيار ما يقارب نصف الموضوعات التي يدرسها الطالب، كما انه يوفر حرية اختيار الطالب للتدريس الذي يدرس المقررات ومن شأنه ان ينشئ علاقة علمية وانسانية من نمط رفيع بين الطالب والاستاذ. كما ان من شأنه ان يكون اذن شحذاً وتثقيفاً لمعرفة الاستاذ نفسه واغنائها باستمرار اذ يتوجب عليه ان يطرح موضوعات او مقررات جديدة في كل فصل، وعليه ان يعد نفسه لهذا القديم قبل الاقدام عليه، واثناء تدريسه للطلبة.
ولكي نقف على اسس النظام علينا ان نعرف ما المقرر وما الوحدة وما انواع المقررات واقسامها؟
والمقرر هو موضوع دراسي يشمل مجموعة من المفردات التي تقرها لجان مختصة في القسم العلمي وتوافق عليه الكلية ثم الجامعة ووزارة التعليم العالي، ويعطي رقماً يدل على المرحلة فاذا اعطي الرقم مائة للمرحلة الأولى كان الرقم مائتان للمرحلة الثانية وهكذا حتى نصل الاربعمائة في المرحلة الرابعة.
وتنقسم المقررات الى ثلاثة انواع هي: ما يدعى باجباري القسم وهي بالضبط ما يدرس في النظام السنوي والفصلي الذي تم ذكره قبل قليل كاللغة والنحو والأدب العربي في عصوره المختلفة والنقد الأدبي القديم والحديث. اما النوع الثاني فتسمى دروس او مقررات مساعدة وهي (اجبارية / اختيارية) اذ تعد مشتركاً بين كل الاقسام ولذا تسمى اجباري كلية إلا ان عددها يكفي لكي يختار الطالب بعضا منها فقط، وهي عموما دروس عمومية كاللغة العربية او اللغات الاجنبية او التاريخ الاسلامي العام. أما النوع الثالث فهي المقررات الاختيارية، وهي المقررات الاكثر حداثة والقابلة للتجدد والاضافة بحسب الظرف والقدرات العلمية في القسم العلمي.
ولكي يتخرج الطالب عليه ان يجمع (65 وحدة اجباري) وثلاثين وحدة مساعدة، وثلاثين وحدة اختيارية، في زمن لا يزيد على اثني عشر فصلا ولا يقل عن ثمانية فصول، ونعني بالوحدة ساعة نظرية وثلاث ساعات مختبرية اما الفصل فيتكون من خمسة عشر اسبوعاً.
وبموجب النظام يسجل الطالب في كل فصل على ما لا يقل عن خمس عشرة وحدة ولا يزيد عن احدى وعشرين بين اجبارية واختيارية، وهو على عكس نظام السنوي يختار من بين ماهو مطروح من مقررات في كل فصل الحد الادنى او الاعلى، ولان هذه المقررات يدرسها اساتذة مختلفون، فهو يمتلك حرية اختيار المقرر والاستاذ معاً، فاذا ما تصورنا ان اثنين من الاساتذة يطرحان في فصل معين موضوعة اجناس ادبية مختلفة واختيارية، كأنه يطرح احداهما في الرواية مثلا والاخر تراجيديا اغريقية على سبيل المثال فانه بوسع الطالب اختيار احد المقررين واحد التدريسيين.
لقد كان نظام المقررات سائداً في السبعينيات في كليتي الآداب والعلوم في جامعة البصرة على سبيل التجريب، وحين سئلنا في الثمانينيات عن رأينا في النظام اجمعنا على اختيار نظام المقررات، إلا ان وزارة التعليم العالي الغت النظام او طلبت توحيد النظام في كل الجامعات العراقية، ولما كان النظام السنوي او الفصلي هما من الانظمة المالوفة في هذه الجامعات فقد تم اختيار النظام الفصلي. وسميّ بالفصلي لان درجة الطالب تتكون من فصلين هما الفصل الاول والثاني تفصل بينهما عطلة نصف السنة، وليس هناك درجة او امتحان منتصف السنة كما في النظام السنوي.
لقد كان الغاء هذا النظام او توحيد النظم الدراسية قراراً سياسياً غبياً املته نظرية سياسية هي نظرية الحزب الواحد، مع انه من المفروض ان يترك لكل قسم علمي في الجامعات العراقية حرية اختيار ما يتناسب معه من نظم دراسية، ويترك لهذه النظم ان تفاضل بنيتها، إلا ان الرؤية المجزوأة التي لا ترى الاشياء إلا بعين واحدة، ولا تحتمل التعددية ابداً، هي التي كانت وراء الغاء التعددية في نظم التعليم وتوحيدها في نظام واحد.
واللافت للنظر اننا الغينا نظام المقررات عام 1983 ووصلنا في حينه نبأ مفاده ان دولة مجاورة هي الكويت بدأت بتطبيق النظام في المدارس الثانوية.
علما ان وزارة التعليم العالي، عادت في حدود ما سمعته- في عهد وزير آخر الى تجريب هذا النظام في كلية الطب بجامعة بغداد ولا ادري ما المصير الذي انتهى اليه هذا النظام.