مجتمع مدني

تسرب الطلبة في المرحلة الابتدائية وتأثيره على العملية التربوية

تحقيق: سلام السوداني/ خلدون السوداني
لم يعد هدف التعليم في المرحلة الابتدائية القضاء على الامية والتهيئة لمرحلة التعليم الثانوي وحسب، وانما يهدف الى تمكين الطالب من المساهمة في الحياة الاقتصادية ومعايشة الآخرين في واقع اجتماعي يسوده الوئام والمحبة والنظام، فضلا عن ممارسة النشاطات المفيدة في وقت الفراغ والاستمتاع بالصحة البدنية والعقلية. كما يهدف التعليم الابتدائي إلى مساعدة الطالب على الوصول إلى نمو متكامل من جميع النواحي الجسمية والعقلية والمعرفية، لان المدرسة الابتدائية تختص بالاحداث الذين لم يصلوا سن البلوغ، وهي توفر للمتعلمين فيها وسائل التعلم الذاتي وتنمية الدافعية والارادة.
ويؤدي تسرب الطلبة من المدارس ومغادرتهم الدراسة، إلى افتقادهم الاستعداد الكافي لمواجهة الحياة، وإلى عدم اكتمال نموهم العقلي والمعرفي، لذلك ان اتمام الطالب مرحلة الدراسة الابتدائية، يعدّ امراً ضرورياً لاكتساب معلومات ومهارات تمكنه من مواجهة الحياة.
ان التسرب كما عرفته منظمة اليونسيف هو "عدم التحاق الأطفال الذين هم بعمر التعليم، بالمدرسة، او تركها دون اكمال المرحلة التعليمية بنجاح، سواء كان برغبتهم ام نتيجة لعوامل أخرى".
وللوقوف على هذه الظاهرة ومسبباتها، كان لصفحة "تربية وتعليم" جولة في عدد من المدارس، لاستطلاع آراء المعلمين والمدرسين بشأنها.
خلدون عبد الرسول جابر/ معلم
- تؤدي الاسرة دورا مهماً في تربية الابناء وتنشئتهم بالشكل الصحيح، وهذا يعني انها مسؤولة بصورة مباشرة عن أبنائها، وليس المدرسة فقط. وهناك عوامل عدة تؤثر على انتظام الابناء في المدارس ومواصلتهم الدراسة، أهمها تخلي بعض الاسر عن التزاماتها ومسؤولياتها تجاه ابنائها، وحالات الطلاق وتفكك العلاقات الاسرية او القسوة الزائدة في معاملة الابناء، والتدخل المستمر في امور حياتهم دون دراية، الى جانب كثرة عدد الاولاد والبنات وضيق السكن وسوء التغذية وتدني المستوى المعيشي الذي يفرض على الاولاد العمل خارج المنزل، فضلا عن غياب أحد الوالدين أو كليهما.
غازي عبد الواحد غالب/ معلم
- يسبب انخفاض المستوى المعيشي للاسرة ضعفا في اقبال الطلبة على مواصلة الدراسة، إذ ان التدني الاقتصادي وحاجة المجتمع الى الايدي العاملة وحاجة الأسرة الى زيادة دخلها، كل هذه الأمور تدفع بالابناء للانخراط في العمل، وهم في سن مبكرة، وترغمهم على ترك المدرسة. ويأتي ذلك أيضا بسبب عدم قدرة العائلة على تحمل النفقات الدراسية وما يتبعها من ملابس ومستلزمات، فضلا عن تغيير محل السكن بحثا عن مصدر العيش، الذي يعد أحد الاسباب التي تدفع بالتلاميذ إلى التسرب من المدارس.
حيدر شكيب/ معلم
- تلعب الكثير من العادات والتقاليد دورا كبيرا في حرمان الطفل من مواصلة الدراسة. فهناك آباء لا يمتلكون وعيا اجتماعيا وثقافيا يبادرون إلى منع أبنائهم من مواصلة الدراسة، لا سيما الاناث. فهم يتصورون ان مهمة الانثى هي تربية الأبناء وإدارة الواجبات البيتية، ما يدفعهم إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة.
غسان مالك سهر/ معاون مدرسة
- تعد المدرسة الابتدائية مؤسسة مهمة لها دور كبير في التعامل والتفاعل مع الواقع الاجتماعي، وذلك لما لها من تأثير في بناء شخصية التلميذ. فالاساليب القسرية وما يتخللها من عنف وعقاب بدني، تؤدي بالكثير من الطلبة إلى مغادرة مقاعدهم الدراسية. كذلك ان غياب التعامل الناجع مع المشكلات التربوية والتعليمية، وتكرار الرسوب، وازدحام الصفوف بالطلبة والغياب المتكرر وكثرة العطل، وقلة العناية الطبية وتشتت العلاقة بين المدرسة والمجتمع، وضعف اعداد المعلم مهنياً وتربوياً ، وانعدام دور منظمات المجتمع المدني في متابعة ومساندة العملية التربوية، وضعف الارشاد التربوي في المدارس الابتدائية، فضلا عن عدم ملائمة البناية المدرسية للدراسة، حيث لا مرسم ولا مختبرات، ولا مرافق صحية ولا حانوت جيد، كل هذه الأمور تؤدي بالطلبة الى التسرب من المدرسة.
علي سعيد/ معاون مدرسة
- هناك اسباب نفسية تؤدي بالطلبة إلى التسرب من مدارسهم، منها الاصابة بعدم القدرة على التركيز وضعف الذاكرة، وصعوبة حفظ المواد الدراسية، وسهولة التشتت والشرود الفكري والنسيان. وهناك أسباب أخرى خارجية تغري الطلبة بمغادرة المدارس، وهي عدم وجود رقابة على المقاهي ومحالات الكوفي شوب التي تستقبلهم وتقدم لهم الاركيلة.
محمد سعد كاظم/ مدرس متقاعد
- ان لتدهور الجانب الأمني، وتفاقم موجات الارهاب، دورا كبيرا في تسرب الطلبة من المدارس. وقد عانى الكثير من الطلبة الذين لم يستطيعوا مواصلة الدراسة بصورة مستمرة بسبب الأوضاع الأمنية السيئة، من عدم قدرتهم على مواكبة المواد الدراسية، ما اضطرهم إلى التغيب ومن ثم إلى التسرب.
ختاما، لا بد من العمل وفق قانون التعليم الإلزامي، من خلال تكليف الجهات المسؤولة بمتابعة الأسر وأطفالها البالغين سن الدراسة، ولا بد أيضا من تعاون المؤسسات التربوية مع منظمات المجتمع المدني لعقد ندوات توعية لكوادر العملية التربوية والاهالي، لا سيما في المناطق التي تعاني مدارسها من نسب تسرب عالية جداً. كذلك لا بد من التوسع في انشاء وبناء المدارس الابتدائية لتخفيف العبء عن المدارس المزدحمة، وضرورة متابعة حالات التغيب والرسوب لدى الطلبة من قبل إدارات المدارس، التي يجب أيضا أن تتواصل مع أولياء الأمور بصورة مباشرة، وتعرفهم بمستوى أبنائهم وبالمشكلات التي يعانون منها، للعمل على تذليلها. كما يجب تفعيل دور مجالس الآباء والمعلمين بحيث لا تكون شكلية، إلى جانب فتح دورات تقوية لتقليل ظاهرة التدريس الخصوصي، ومكافأة المعلمين الذين يقدمون دروسا اضافية، وايلاء الاهتمام بدروس التربية الرياضية والفنية لكي تساعد في التخفيف من عبء الدراسة. ونشير أيضا إلى اهمية احتضان الطلبة النازحين، وتقديم التسهيلات اللازمة لهم، ومساعدتهم على مواكبة اقرانهم، ومنحهم الدعم المادي والمعنوي للتخفيف من معاناتهم، فضلا عن محاسبة ادارات المدارس التي تظهر فيها نسب تسرب كبيرة، واخيراً ضرورة حث ادارات المدارس على دعم التلاميذ الفقراء ماديا ومعنويا، والعمل على تذليل العقبات التي يواجهونها للحد من تسربهم.