مجتمع مدني

وردة لتانيا / ابراهيم الحريري

كيف التقينا انا و تانيا , مرة ثانية ,بعد 24عاما من لقائنا الاول. لكن تحت لا فتة تدعو الى انقاذ الابزبدبين من الابادة ؟ بل كيف كان يمكن ان لا نلتقي في مثل هذه المناسبة او في اية مناسبة مشابهة ؟
*****
حدث ذلك قبل 24 عاما. كان نظام صدام حسين يشرع في حرب ابادة جديدة ضد الشعب الكوردي و كان عشرات الوف الاكراد , رجالا ونساء واطفالا يتسلقون الجبال في ظروف الشتاء القاسية في هجرة تشبه تماما هجرة ألاف الايزيدين الى جبل سنجار و محاصرتهم هناك من قبل قطعان داعش الهمجية.
تداعى في تورونتو \ كندا لفيف من الاكراد , نساءا ورجالا , الى الاعتصام مضربين عن الطعام امام برلمان مقاطعة اونتاريو ( عاصمتها تورونتو ). كنت انهيت توا اضرابا عن الطعام طال حوالي الشهر في كنيسة احتجاجا على الحرب الاميركية ضد العراق بدعوى اخراج القوات التي زج بها صدام في مغامرة مجنونة دفع الشعب و الجيش العراقي ثمنها غاليا.
التحقت بالاضراب الكردي , اعترض الصديق طلعت كَلي و عائلته الذين نظموا الاضراب على ذلك قائلين : كاكا انته اشباقي بيك ؟ ضحكت. كانت جذوة التضامن التي سعرّتها فينا تربيتنا الاممية \ الشيوعية ما تزال تتقد.
و هكذا انضممت الى الاضراب الكردي. كانت اربعة ايام رائعة , في ايام تورونتو الجليدية , نلتحف فيها ما تيسر. غنيت لهم اناشيد نضالية كردية تعلمتها في السجن بينها " امروجي " و " اي رقيب " فدهشوا ! لكنها مدرستنا الاممية / الشيوعية التي لم تستطع السجون ولا التعذيب ان تخرسها فظلت تبرعم رغم كل شئ.
على غير مبعدة كان شاب كردي يتحدث منفعلا و هو يشير اليّ. تكررت كلمة " عربه " او "عربجه " ,لا اتذكر , فهمت انه يعترض على وجودي بينهم.
لعلي قلت انه لم يكن قد ولد بعد عندما كان الحزب الشيوعي العراقي يقود مظاهرات" السلم في كردستان و الديمقراطية للعراق" , و غير ذلك مما يحفل به التاريخ الاممي التضامني للشيوعيين العراقيين. فرحت حقا عندما اثار اعتراضه استنكار اكثر الحاضرين. لكن اكثر ما اثار اهتمامي واعجابي خلال تلك الايام الجميلة فتاة ربعة يتورد خداها و هي تتحدث , متقدة حماسة , الى الصحفيين و قنوات التلفزيو ن , تنظم صفوف المضربين , تسهر و ابوها طلعت حتى وقت متأخر من الليل على راحة المضربين و امنهم.
قلت لامها ( ام آرام ) : ستصبح تانيا قائدة.
*****
خلال السنوات ال24 التي مضت منذ اول لقاء لي بها , تدرجت تانيا , حضرت المؤتمرات الحزبية. انتخبت الى الهيئات القيادية في الاتحاد الوطني الكردستاني , نائبة عن كركوك ,و انضمت الى كتلة التحالف الكردستاني في البرلمان العراقي
*****
بعد 24 عاما كنت امسك احد شعارات التضامن مع الايزيديين في الحملة العالمية التي نظمتها هيئة الدفاع عن اتباع الديانات و المذاهب في العراق, امام برلمان كوردستان , و كانت تانيا تمسك الطرف الاخر.
كانت كردية و كنت عربيا ( اختلطت في عروقه دماء مختلفة ,اليونانية و التركية و الشيشانية و العربية بحيث لم يعد يعرف كيف، اثنيا , يصنف نفسه. لكنه لم يكن يجد اية صعوبة في تصنيف انتمائه الى الاممية / الشيوعية ).
كانت ما تزال في عنفوان تفتحها و كنت اطل على غروبي.
تعبت. انثنيت الى بارك مجاور.
فغمني عطر الورود الزاهية , قطفت وردة حمراء لتانيا , و عندما عدت كانت قد غادرت....
*****
تانيا !
سنتلقي -لا ريب - في مناسبات اخرى للتضامن. سأظل احمل لك الورد.
حتى لو غبت , فستظل ربى كوردستان , وديانها, هضابها وجبالها , تزهو بالورود...
اربيل - 10 \12 \2014