مجتمع مدني

صرخات استغاثة نازحات من اجل تخفيف معاناتهن في مخيمات اللجوء / ماجدة الجبوري

توجهت اليوم وضمن وفد من منظمة هيئة الدفاع عن إتباع الديانات والمذاهب في العراق لزيارة بعض العائلات النازحة في مناطق مختلفة من أربيل، وصادف تساقط المطر بغزارة، الذي دفعني ان افكر بمعاناة النازحين التي تزداد عند انهمار هذه النعمة، وفعلا شاهدت الاطفال حفاة وملابسهم رثة لا تقيهم برودة الطقس القاسي في تلك المناطق من اربيل، نساءً تقرأ في وجوههن الف سؤال وسؤال، ماهو مصير عوائلنا، هل سنرجع يوما لديارنا المنهوبة، بعدما كانت تزهو بالعائلة وذكريات لا تنسى، وكلام الاحبة ممن رحلوا عنا؟
ضم طاقم العمل اعضاء من هيئة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب في العراق بالاضافة الى شباب يعملون من خلال برنامج "تقوية وتطوير الشباب الناشئين"، كانت تقلنا اربع سيارات محملة، بالملابس وبعض الأغطية.
أولى زيارتنا كانت لبيت تسكنه ثلاث عوائل، تتكون من ثلاث زوجات لرجل واحد ، الزوج قتل في عام 2006 في الموصل أبان الاقتتال الطائفي، وترك خلفه ثلاث ارامل، وحشد من الايتام، عددهم عشرة، اكبرهم يبلغ من العمر 17 سنة.
قالت الزوجة الكبيرة واسمها "خولة" وهي أم لخمسة اولاد وبنات: لقد كانت كل واحدة منا تسكن في بيت خاص بها، لكن زوجنا قتل وترك خلفه اطفالا صغارا، حينها دمرت حياتنا. واضافت بحزن واضح: اليوم يعمل أولادي في النجارة الا ان عملهم صعبٌ وبعيد حيث يذهبون الى النجف وسط خوف ومخاطر الطريق من اربيل الى بغداد ومن ثم الى النجف. وتتابع قولها اصيب ولدي " كرار" بالروماتيزم في يديه، وفي هذه الحالة سأرسل ولدي احمد ليعمل مكانه.
سقطت دموعها وهي تواصل حديثها معنا وقالت احمد صغير، وكل ساعة انظر اليه وابكي واسال نفسي كيف ارسله الى مكان بعيد وهو ولد صغير، وانا أخاف عليه كثيرا، لكن الحياة صعبة ولديه اخوة واخوات اصغر منه،كيف سيعيشون ان لم يكن لدينا دخل حتى ولو كان بسيطا، يبقينا على قيد الحياة.
الزوجة الثانية "خالدة" ام لثلاثة اطفال، تحدثت عن رحلة العائلة الشاقة بسبب النزوح من اطراف الموصل، وتحديدا من "بعشيقه" الى دهوك، فقالت : بقينا ثلاثة اشهر نعاني بسبب السكن في معمل للألبان ومع اكثر من مئة عائلة. كانت الحياة صعبة ولا تطاق من كل النواحي، ما اضطرنا الامر لارسال اثنين من اولادنا للعمل بالنجارة في النجف، كي نتمكن من الانتقال للسكن في اربيل.
واضافت خالدة قائلة : اولادي "شطّار" بالمدرسة ففي كل سنة دراسية ينجحون وبتفوق عال "اعفاء لجميع الدروس "، الان انظر اليهم وحالهم دون مدرسة ولا كتب، ثم تعقّب حديثها بحسرة: المهم انهم على قيد الحياة.
لم تمنعنا زخات المطر من زيارة عوائل اخرى وكانت لاسرتين نازحتين، وقد تحدثت المرأة الكبيرة عن ليلة خرجوهم من الحمدانية ووصفتها بالليلة السوداء، وقالت: في تلك الليلة وضعت "كنّتي" مولودها، بعدها بساعات سمعنا الهرج والمرج، وجاء احد الجيران صارخا " اخرجوا بسرعة جاءنا الغزاة" في اشارة الى "داعش" الارهابي، لذا تركنا بيتنا وملابسنا ومصوغاتنا الذهبية، وكل شيء.
قريبتها التي تشاركها المكان واسمها "مارلين"، قالت بخوف، انا مصابة بمرض السرطان في الرحم، سافقد حياتي في اية لحظة، وقبل يومين كنت في حالة سيئة جدا، فذهبت للطبيب الذي بدوره طلب مني ان اعمل فحص "مفراس" لم استطع اجراء الفحص لسبب بسيط، هو انني لا املك النقود. وما فائدة اجراء فحص المفراس ؟ ان اخبرني الطبيب بحاجتي الى عملية، كيف سأتدبر النقود؟
"رحمة " عمرها 13 ربيعا، ذات جمال أخاذ : خدود موّردة، عينان خضراوان، شعر اشقر ينسدل كسبائك الذهب. قالت اكثر شيء اشتاق اليه هو المدرسة، وصديقاتي، واضافت أشعر بالملل، فنحن لا نخرج من البيت ابدا. ونقضي النهار كله في البيت. لاننا لحد هذه اللحظة لا نستوعب ما جرى لنا!.
ام رحمه تحدثت عن اهلها في الموصل فقالت : لا اعلم ما هو مصير اهلي في الموصل ؟ هل هم احياء ام اموات؟ لقد سمعت بأن داعش فرضت لبس الخمار الاسود للنساء الكبيرات بالسن. والبنات الصغيرات الخمار الابيض لكي يميّزوهن، ويسهل أخذهن كزوجات، او اغتصابهن!.
عائلة تتكون من الام والابن وزوجته واطفاله الثلاث نزحت قبل اسبوعين من كوباني السورية وسكنت ارضا خاليه من البناء، تقع بين بيتين.
قالت الام: الله يوفق الجيران والناس الطيبين. ساعدونا في جلب الخشب والنايلون وبنوا لنا هذا المكان، وهو عبارة عن خشب ونايلون أزرق. ثم قادتني الى مكان مجاور بني بنفس الطريقة، كان المكان يسوده الظلام، وعيون صغيرة تتلصلص من تحت الاغطية، احد الصغار رفع البطانية، نظر لي وابتسم، لعله شكرني، فيما اخذ المطر ينساب الى بيت النايلون.
خرجت ولم استطع حبس دموعي، وانا اصب اللعنات على كل من ساهم، وساعد، وروّج لخفافيش الظلام، من سياسيّين، او سماسرة، لقتل الطفولة والإنسانية..