مجتمع مدني

"ام كلي".. وحفيداتها / ماجدة الجبوري

اليوم كان مميزا، إذ صحوت مبكرا، وربما بسبب القلق الذي ساورني بعد عمل متعب استمر عدة أيام. فقد جبنا الشوارع، طرقنا الأبواب، أجرينا الاتصالات الكثيرة وهناك من استجاب، ومنهم من التزم الصمت. كان هدف الحملة التي انضويت في صفوفها هي لإقرار يوم عالمي لسنجار او كما يسميها أهلها "شنكال".
صورة ام كلي وابنتها الصغيرة لم تفارقني، رغم السنين الطويلة التي مرت على ايام عذاباتنا سوية خلف قضبان السجون، لكن ذكراها ماثلة أمامي لليوم، بسبب ما واجهت من صعوبات في غرف التعذيب والانتهاكات، كما كانت مضطهدة من السجينات أنفسهن، حيث لا يتكلمن معها و لا يسمحن لأطفالهن اللعب مع كلي الصغيرة والمسكينة انزوت مع أمها في زنزانتها تعانيان اضطهادا مزدوجا. كبرت كلي وأصبحت شابة هيفاء بخدود موردة، تحلم بالحرية التي حرمت منها منذ طفولتها، وبحياة هانئة ومستقبل زاهر. ربما قد حظيت لاحقا بزوج جمعتها علاقة حب معه. لا اعلم ماذا حلّ بكلي الايزيدية وامها اليوم ربما قتلت او اغتصبت او باعها ارهابيو داعش في مزاداتهم اللعينة.
تجددت ذكرى ام كلي وابنتها في مخيلتي حين انضمت معي امرأة كبيرة السن في وقفة تضامنية لهيئة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب في العراق، وقد دخلت بمعيتنا الى مكتب هيئة الأمم المتحدة في اربيل. وتحدثت بلوعة وألم يعتصر القلب ووصفت التهجير القسري لعائلتها وبقية العوائل، وكيف امتهنت كرامتهم وتم إذلالهم، وكيف يعيشون الموت البطيء من حرارة الجو صيفا والبرد القارس شتاءً، وسط خيم تزحف من تحتها الأمطار. قصص الإيزيديين صعب استيعابها، كأنها أفلام رعب خيالية، مصائب كبيرة ولا تحتمل، وهل توجد كلمة مواساة تفي حق امرأة قتلوا ثلاثة من اولادها، وأربعة من أحفادها، وتركوها وسط كومة من الجثث لخمسة ايام محبوسة مع احبابها، فلذّة أكبادها، كانوا بالأمس كل حياتها ومستقبلها. توسلت بهم وناحت اقتلوني معهم، كان جواب وحوش الأرض لن نقتلك سنتركك تتعذبين مدى الحياة لأنك تلبسين الزِّي الإيزيدي! فيما ظل تساؤل مشروع وانساني تقرأه في عينيها، ما مصيرنا، وهل هناك أمل يلوح في الأفق؟
لأجل هؤلاء خرجنا اليوم، قد يكون عملنا بسيط وزهيد إزاء آلامهم لكن لتكون رسالتنا للعالم بان هناك ناسا تعرضوا لأبشع انتهاك لإعراضهم وكرامتهم في هجمة بربرية ووحشية قلّ نظيرها. نقول لأم كلي وبناتها وحفيداتها، هناك من يفكر فيكم، هناك من يشعر بمأساتكم، أيها الناس الطيبون، نتمنى من كل قلوبنا ان تحل قضيتكم قريبا، وتعودوا لدياركم، ان تلملموا جراحاتكم.