مجتمع مدني

"صنع في العراق".. مفقودة من الأسواق / عامر عبود الشيخ علي

بعد ان كان المنتوج العراقي يغزو الأسواق المحلية والعالمية بل يضاهي ويفوق انتاج العديد من الدول العربية والأجنبية، اخذ اليوم بالتراجع وتوقف الإنتاج لأسباب عديدة، منها الأنظمة السياسية المتعاقبة التي تفتقر الى رؤى اقتصادية سليمة وكذلك الحروب والحصار التي مر بها العراق وأخيرا ما مر بعد الاحتلال عام (2003) من حرق وسلب ممنهج للمعامل والمصانع والشركات الإنتاجية، بعد ان كانت صناعاتنا المختلفة تتميز بختم (صنع في العراق) وللوقوف على ذلك التقت صفحة حياة العمال بعدد من المثقفين والأكاديميين لبيان رأيهم.
ففي حديث للنقابي عزيز الرصافي قال "ان تدهور الصناعة يكمن في عدة عوامل أهمها عدم مواكبة التطور التكنولوجي في الصناعة نتيجة سياسات الحكومات المتعاقبة وزيادة كلفة التصنيع وتزاحم البضاعة المستوردة والرديئة وبأسعار تنافسية ( رخيصة) وعدم تطبيق التعرفة الكمركية مما فتح الباب على مصراعيها للاستيراد الفوضوي للسلع والبضائع، وكذلك سياسة الدول المحتلة والكبرى والصناعية في إلغاء الصناعة الوطنية أو الغاء القطاع العام وخصخصته وتحويل اقتصاد البلد الى اقتصاد السوق الحر المرتبط بالمؤسسات الرأسمالية وأخير أن عدم ألإبداع والجودة في المنتوج العراقي جعل بضاعته تحتل المراتب الدنيا في العرض والطلب، بل وتكاد تختفي من الاسواق "صنع في العراق"
وبينت المحامية والإعلامية علياء الحسني " هناك تراجع كبير للصناعة العراقية بسبب عدم دعم الحكومة لها اذ ان الفترة التي تلت 2003 كان القطاع الصناعي بكل مكوناته وخططه التنموية مركوناً على الرف مما حدا بالعراق الاعتماد على السوق العالمية للاستهلاك وعلى النفط كمردود اقتصادي للبلاد، كما ان الدور الكبير للاحتلال والسماح للعابثين بسلب وتهديم جميع المنشات الصناعية، ومن الملاحظ ان صناعتنا في فترة التسعينيات كانت متطورة حيث كانت تعمل التورنات على الكومبيوتر وان اتجه الانتاج بشكل كبير الى صناعة الاسلحة.
مستدركة "كما ان وزارة الصناعة لم تعمل على تطوير امكانيات العاملين في هذا القطاع كما هو حال باقي الوزارات، بل بالعكس قامت بتسريح اعداد كبيرة من منتسبي القطاع الصناعي. وهذا ما جعلها وزارة هشة تعتمد التمويل الذاتي بدون حوافز ورواتب قليلة مقارنة بباقي الوزارات، كما ان عدم فرض الضريبة الكمركية على المستورد من البضائع ودخول الرديء منها وبأسعار رخيصة جعل ما كنا نتمناه في الأسواق (صنع في العراق) مفقودة.
وأضاف المهندس المتقاعد فلاح المعروف "منذ الدراسة الابتدائية ونحن نقرأ ان احد اهم وسائل حماية الصناعة الوطنية وتشجيعها وتنميتها هو فرض التعرفة الكمركية على المستورد الأجنبي، كي يتمكن المنتج المحلي من التنافس معه وحينها يحق للمواطن المستهلك ان يطالب المصنع الوطني بإنتاج يوازي الأجنبي من حيث الجوده والذوق والسعر، مشيرا "ان التعرفة الكمركية صدر قانونها منذ سنوات ولم يدخل حيز التنفيذ مجاملة لفئة التجار من المستوردين للبضاعة الأجنبية الذين لأهم لهم إلا الكسب السريع على حساب المصلحة الوطنية، لذا أرى انه بعيد جدا ان نرى عبارة (صنع في العراق)على بضاعة او سلعة يحتاجها المواطن وكانت تملأ الأسواق فيما مضى، وأضيف الى ذلك عوامل مهمة أخرى أدت الى تراجع الصناعة المحلية، كغياب الطاقة الكهربائية والفساد الاداري والمالي وشيوع النشاطات غير المنتجة في المجتمع، والاقتصاد المعتمد على بيع النفط مصدرا وحيدا لتمويل حركته والتوجه نحو خصخصة معامل القطاع العام بدلا من تطويرها وعدم الزام شراء منتجات القطاع العام من قبل الوزارات الحكومية والبطاقة التموينية. وإذا ما أردنا ان نرى "صنع في العراق" على منتوجاتنا على الحكومة رسم سياسة اقتصادية صحيحة لا تعتمد على النفط فقط بل إعادة عجلة الإنتاج بتأهيل وإعادة المصانع والشركات ودعم القطاع الخاص.
اما الناشطة المدنية تضامن عبد المحسن قالت "منذ السبعينيات نشطت الصناعة العراقية بسبب الاهتمام الحكومي ودعم هذا القطاع المهم والحيوي، الذي يسهم في تشغيل الأيادي العاملة بكل مستوياتها، ويعد من أهم مصادر تنمية الخبرات العلمية والصناعية للعاملين من خلال اشراكهم في دورات تطويرية خارج البلد، إضافة الى إنها مصدر ثروة اقتصادية للعراق تضاف الى النفط والزراعة.
حتى وصل الحال الى تصدير منتجاتنا إلى خارج العراق، ومن الطريف ان احد السواح زارني يوما وقدم لي هدية من بلده اتضح فيما بعد مكتوب عليها (صنع في العراق)، وأخذت صناعتنا تنافس الصناعات العالمية بجودتها وخاصة السجاد والتمور والمعلبات والجلود والزيوت. ورغم ما مرت به الصناعة العراقية من توقف بسبب الحروب تارة وبسبب الحصار تارة أخرى، إلا إنها لم تتوقف إلا بعد عام 2003، فقد تم تسريح الاف الأيدي العاملة وغلق مئات المصانع، أذ لم يتم تطوير الالات المستخدمة ولم يتم تطويرها بما يتناسب والتطور العالمي الحاصل، والاهم من ذلك اخذت العديد من المؤسسات الحكومية بإبعاد الكفاءات من المناصب المتقدمة، واستبدالهم وفق المحاصصة الطائفية التي بنيت عليها الحكومة العراقية بعد 2003 برموز وشخصيات غير كفوءة وربما غير علمية، فكانت تطبيقاً حياً للرجل غير المناسب في المكان غير المناسب. كل هذه الاسباب وغيرها ادت الى توقف الصناعة العراقية بل وتوقف فخر العراق بجملة (صنع في العراق).
ان توجه الحكومة الى خصخصة الصناعة العراقية سيؤدي بالتأكيد الى تدهور كبير في هذا المجال، أذ لابد من إعادة الدعم لهذا القطاع من اجل تطويره ليكون من مصادراً التنمية الاقتصادية العراقية.
بدلا من أن تقوم الدولة بدراسة السبل التي تكفل لها إعادة الصناعة الوطنية إلى ما كانت عليه وبشكل أفضل في إنتاج السلع واستيعاب الأيدي العاملة والعاطلة من جهة وأحياء الاقتصاد المتعب بسبب الاعتماد على النفط والتي اخذت اسعاره بالانخفاض مما سبب عجزاً كبيراً في الموازنة العامة تلجأ للطريق الأسهل والأكثر فشلا وهو خصخصة القطاع العام وإلغاء ما نتمناه "صنع في العراق".