مجتمع مدني

أضواء على انتفاضة آذار المجيدة

حامد الحمداني
أولاً: ممهدات انتفاضة آذار ضد النظام الصدامي:
لم تكن انتفاضة الأول من آذار 1991، ضد النظام الصدامي، وليدة ساعتها أبداً، بل كانت نتاج تراكمات هائلة لمعاناة الشعب العراقي من الحكم الدكتاتوري الذي مارس منذُ مجيئه إلى الحكم عام 1968، أبشع أساليب التنكيل والاضطهاد، ومصادرة حقوق وحريات الشعب، حيث لم يمضِ يوم واحد من دون أن يغمس صدام حسين وجلاديه أيديهم بدماء خيرة الوطنيين من أبناء الشعب، لكي يقمع أية معارضة للنظام الحاكم، ولسياسته المعادية لمصالح الوطن .
ولم تسلم أية قوة سياسية من بطشه، بدءاً بالشيوعيين والديمقراطيين، وانتهاءً بالقوميين والإسلاميين، بل لقد جاوز صدام حسين كل ذلك، ليبطش بمعظم قيادات حزبه كذلك.
لقد سنّ صدام القوانين الجائرة، التي تبيح له إعدام كل من انتمى إلى أي حزب سياسي، دون حزبه لكي يخلو له الجو لفرض دكتاتوريته على الجميع، ولكي يصبح حر اليدين في اتخاذ كل القرارات الخطيرة التي تتعلق بمصير الشعب والوطن، فأقدم على شن الحرب ضد الجارة إيران، بالنيابة عن الولايات المتحدة، وبتخطيط منها، ودفع خلالها الشعب العراقي دماء غزيرة لمئات الألوف من خيرة شبابه، هذا بالإضافة إلى تدمير اقتصاد البلاد، واستنزاف ثرواتها، وإغراقها بالديون.
وما كاد الشعب العراقي يسترد أنفاسه، ليعود إلى الحياة الطبيعية، حتى فاجأه صدام حسين بجريمة أخرى، بإقدامه على غزو الكويت، والتنكيل البشع بأبنائها، ونهب كل ما امتدت إليه يد النظام من أموال وممتلكات الدولة الكويتية، وأبناء الشعب الكويتي على حد سواء.
ووجدت الولايات المتحدة ضالتها المنشودة في إقدام صدام على غزو الكويت، لتنزل قواتها، وطائراتها الحربية في السعودية، ولتملأ الخليج بأساطيلها الحربية، بالتعاون مع حلفائها الغربيين، بغية توجيه ضربة قاصمة للعراق، مستخدمة كل الوسائل العسكرية المتاحة لها، ومن أحدث ما أنتجته مصانعها من تكنولوجيا الأسلحة، لتنزل أقصى ما يمكن من الدمار بالبنية الاقتصادية والعسكرية للعراق، وإلحاق أبلغ الأذى بالشعب العراقي، وفرض الحصار الاقتصادي عليه لتجويعه وإذلاله وإفراغ العراق من كوادره وعلمائه، والعودة به خمسين عاماً نحو الوراء.
ثم أوقفت الولايات المتحدة الحرب في 28 شباط 1991، بعد أن أبدى صدام حسين كامل استعداده لتنفيذ كل ما تطلبه الولايات المتحدة، لقاء بقاء نظامه، وبقائه هو على رأس النظام.
لقد ورط صدام جيشه وشعبه، ووطنه، في حرب كانت نتائجها محسومة سلفاً لصالح الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وأصرّ على البقاء في الكويت، وبدا الأمر وكأن صدام يريد حقاً إنزال الكارثة بشعبه ووطنه، فلم يشك اثنان في عدم قدرة صدام على الصمود بوجه أقوى الدول الإمبريالية، بما تملكه من أفتك أنواع الأسلحة، وأشدها تدميراً
وهكذا وقعت الواقعة، وحلت الكارثة التي توقعها الجميع، ودفع الشعب من جديد ثمناً باهظاً من دماء مئات الألوف من شبابه، وإنزال أقصى ما يمكن من الدمار بالبنية الاقتصادية، والعسكرية للعراق، وجرى إذلال جيشه وشعبه.
لقد أوقدت تلك النتائج المفجعة للحرب نار الحقد والغضب العارم على النظام الصدامي، لدى الجنود المنسحبين من الكويت، تحت وابل القذائف التي كانت ترسلها الطائرات الأمريكية والحليفة على رؤوسهم لإنزال أقصى ما يمكن من الخسائر البشرية بين صفوفهم.
وكان ذلك الغضب العارم لدى الجنود ينذر بالانفجار ليطيح بالنظام ورأسه صدام، الذي سبب تلك الكارثة، وأستمر على الرغم من ذلك يتشبث بالبقاء في السلطة، وهو الذي يتحمل كل نتائجها.
وما زاد في خيبة أمل الجنود العائدين من الحرب، أن قوات التحالف لم تتعرض للنظام ورأسه صدام ولا كان في حساباتها إسقاطه، فكان لابد وأن يتحرك الشعب، في ظل تلك الظروف التي أنضجت الانتفاضة، لتسقط هذا النظام الذي سبب كل المآسي والويلات للعراق وشعبه.
ثانياً: إنطلاق الانتفاضة:
1 ـ في اليوم الأول من آذار 1991، وبينما كانت القوات العراقية تنسحب من الكويت، بحالة من الفوضى الشديدة، وقد تملكها الحنق على سياسة النظام الصدامي، الذي أوصلها إلى تلك الحالة، توقف رتل من الدبابات والمدرعات المنسحبة في وسط مدينة البصرة، واستدارت إحدى الدبابات، ووجهت فوهة مدفعها نحو جدارية ضخمة للدكتاتور صدام حسين، وأطلقت قذائفها عليها، وراحت تلك الجدارية تتهاوى متناثرة على الأرض، وأنكسر بعدها حاجز الخوف من جلاد العراق ونظامه، وتفجر بركان الغضب لدى أبناء الشعب والجنود المنسحبين، والتحمت جموعهم ببعضها، وراحت تندفع في مظاهرات ضخمة لم تشهدها لها البصرة من قبل، ضد حكم الطاغية، ولم تمضِ سوى ساعات حتى سيطرت الجماهير المنتفضة على المدينة، وتم اعتقال محافظها، ونفذ فيه حكم الإعدام، وجرى إطلاق سراح كافة السجناء من ضحايا النظام الصدامي.
وعلى الرغم من كل المحاولات التي قام بها النظام، وحرسه الجمهوري لاستعادة المدينة، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل الذريع، وأخذ لهيب المعركة يمتد كالنار في الهشيم، إلى كافة أرجاء العراق من أقصاه إلى أقصاه.
2 ـ وفي يوم الأحد المصادف 3 آذار، تم تحرير محافظة العمارة من قبضة النظام الصدامي، بعد معركة عنيفة استمرت لمدة ساعتين، وانتهت باستسلام قوات النظام وأخذ لهيب الانتفاضة يتصاعد بشكل متسارع، ليمتد إلى مدن الكوت والناصرية وكربلاء والنجف الأشرف.
وعلى أثر هذا الامتداد، دخلت من جنوب إيران، القوات الموالية لزعيم المعارضة الإسلامية السيد باقر الحكيم المعروفة بفرقة بدر، وانتشرت شائعات غير موثقة تقول أن مجموعات من حرس الثورة الإسلامية، يدخلون معها، وكان ذلك يمثل أمراً خطيراً للغاية على مصير الانتفاضة، وموقف الغرب منها، فقد حاولت الحركة الإسلامية السيطرة على الانتفاضة والاستئثار بها، مما جعلها تبدو وكأنها ثورة إسلامية، على غرار الثورة الإسلامية في إيران.
وما ساعد على هذا التطور في مسيرة الانتفاضة، هو فقدان القيادة السياسية لأحزاب المعارضة جميعاً، فقد كانت معظم كوادر أحزاب المعارضة قد هجرت وهاجرت الى الخارج الوطن، بسبب الإرهاب الصدامي، ولم تستطع تلك الأحزاب أن تقدم شيئاً عملياً مهماً للانتفاضة، سوى عقدها لمؤتمر بيروت.
3 ـ وفي يوم الاثنين المصادف 4 آذار، استطاعت قوى الانتفاضة أن تبسط سيطرتها الكاملة، على مدينتي العمارة و علي الغربي واستولت على 13 طائرة مروحية عسكرية وانظم عدد كبير من قوات الجيش للانتفاضة، كما وردت أخبار عن تحرير مدينة النجف، ومدينة السليمانية في كردستان على يد قوات الانتفاضة.
4 ـ وفي يوم الثلاثاء 5 آذار، قامت لجنة العمل المشترك (وهي: ائتلاف الأحزاب المعارضة العراقية في الخارج) بنشاطات سياسية لدعم الانتفاضة،تجلت في إرسال الرسائل إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ديكويلار والى حكومات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، والى حكومات الجوار، سوريا وإيران وتركيا والسعودية والكويت، والى جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، داعية إياهم جميعاً إلى الوقوف إلى جانب الشعب العراقي ومساندته من أجل الخلاص من حكم الطاغية صدام حسين ونظامه الفاشي، وناشدتهم تقديم العون الضروري، من المواد الغذائية والطبية. وأكدت تلك الرسائل على أن هذه الانتفاضة، هي انتفاضة الشعب كله، بكل فئاته وقومياته، وأحزابه السياسية الوطنية، وأنها تستهدف الحرية، وتطبيق حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية للشعب العراقي كافة.
5 ـ وفي يوم الجمعة المصادف 8 آذار، وقعت معارك عنيفة حول البصرة، بين قوات النظام وقوات الانتفاضة، وتم خلال تلك المعارك دحر القوات الصدامية، وإحراق 10 دبابات، والاستيلاء على 30 دبابة أخرى سالمة، وتم إحكام السيطرة على محافظة البصرة. وقد حاولت القوات الصدامية القيام بهجوم جديد على البصرة على المحور الشرقي، مستخدمة 12 دبابة، واستطاعت قوات الانتفاضة دحر الهجوم، بعد تدمير 4 دبابات والاستيلاء على الدبابات الثمان الأخرى، واستسلام القوات الصدامية لقوى الانتفاضة.
وفي اليوم نفسه حدثت مظاهرات عنيفة في مدينتي الموصل والرمادي، لكن القوات الصدامية كانت قد استعدت لها،وقمعتها بقوة.
أما في كردستان، فقد سيطرت قوات الانتفاضة على مدينتي أربيل وكركوك، ومناطق واسعة من كردستان، واستولت على كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات، ووقعت في الأسر وحدات كبيرة من قوات الجيش الصدامي.
وفي بغداد قامت مظاهرات صاخبة في أحياء الشعلة والحرية والكاظمية والثورة، لكن القوات الصدامية استطاعت السيطرة على الموقف، بعد أن استعملت أقسى أساليب العنف ضد المتظاهرين، وكان النظام الصدامي قد كثّف تواجد قواته في تلك الأحياء تحسباً لكل طارئ، نظراً لما عُرف عن سكان هذه الأحياء من الكره الشديد للنظام.
6 ـ وفي يوم الثلاثاء، 12 آذار، جرت محاولات جديدة لقوى الانتفاضة في مدينة الثورة، أحد أحياء بغداد، إلا أن قوات صدام قمعتها بشدة.
وفي الفرات الأوسط استطاعت قوى الانتفاضة هذا اليوم من السيطرة على مدينة
الحلة، بعد قتال شرس مع قوى النظام، وجرى اعتقال جميع المسؤولين الحكوميين فيها.وقامت القوات الصدامية هذا اليوم بمحاولة لاستعادة كربلاء، والعمارة، بعد أن مهدت للهجوم بقصف مدفعي، واستخدمت الطائرات المروحية في قصف المدينتين كذلك.
7 ـ وفي يوم الأربعاء، 13 آذار، أعلنت القيادة السياسية للجبهة الكردستانية سيطرتها التامة على مناطق كردستان كافة، وأعلنت حل المجلسين، التشريعي والتنفيذي، الذين أقامهما النظام الصدامي، وتشكيل إدارة مؤقتة، لحين إجراء انتخابات عامة في كردستان. وحاول النظام الصدامي إعادة سيطرته على المناطق المحررة في محافظتي صلاح الدين وديالى بقواته التي تعززها الدبابات، والطائرات المروحية، والمدفعية الثقيلة، وخاصة في محور خانقين ـ جلولاء، محاولاً السيطرة عليهما، وعلى طوز خورماتو. وتصدت لها قوات الانتفاضة واشتبكت معها في معارك عنيفة طوال هذا اليوم، وتم إسقاط 4 طائرات مروحية تابعة للنظام الصدامي.
8 ـ وفي يوم الخميس 14 آذار، أحكمت قوات الانتفاضة سيطرتها على كافة محافظة العمارة، وقتل محافظها، وجرى تعيين محافظ جديد لها من قبل قوى الانتفاضة.وفي محافظة بابل تمكنت قوات الانتفاضة من السيطرة على المحمودية،القريبة من بغداد، وعلى المسيب واليوسفية وسدة الهندية والقاسموالحمزة وتمكنت قوات الانتفاضة من السيطرة على كافة مراكز الشرطة وأسلحتها، وتم إطلاق السجناء الوطنيين من سجونها. وخلال معارك الحلة، قتل كل من المحافظ عدنان حسين ومدير الشرطة جبر محمد غريب، وأمين سر حزب البعث لفرع الحلة طه ياسين، ومدير أمن الحلة المقدم مزعل.
وفي الديوانية تمكنت قوات الانتفاضة من السيطرة التامة على المدينة، وانظم محافظ المدينة إلى قوات الانتفاضة، فيما قتل أمين سر حزب السلطة خالد عبد الله التكريتي، كما سيطرت قوات الانتفاضة على مدينة النعمانية،وسيطرت على مراكز الشرطة، ودوائر الأمن فيها، خلال ساعات على الرغم من استخدام القوات الصدامية الطائرات المروحية ضد قوات الانتفاضة، التي تمكنت من إسقاط 3 طائرات منها.
وفي الكوت، كانت تدور معارك شرسة بين قوات الانتفاضة والقوات الصدامية طوال هذا اليوم، كما دارت معارك عنيفة في منطقة كرمة علي شمالي البصرة، واستطاعت قوات الانتفاضة تدمير عدد كبير من الدبابات التابعة للنظام الصدامي، وقد دامت المعركة زهاء 9 ساعات. كما تم في هذا اليوم تحرير مدينة مخمور التابعة لمحافظة أربيل، أضافه إلى قرى باكرك وياسين أغا .
وفي هذا اليوم تعرضت مدينتي كربلاء والنجف إلى قصف مدفعي، وبالدبابات، وطالت الأحياء السكنية، ومراقد الأئمة، التي أصيبت بإصابات مباشرة فتحت ثقوباً في قبابها.
وفي هذا اليوم أيضاً تم تحرير مدينة النشوة، شمالي البصرة، واستسلم أعوان النظام الصدامي فيها لقوات الانتفاضة. وفي هذا اليوم أيضاً، أنفجر بئران نفطيان في كركوك، نتيجة القصف المدفعي للقوات الصدامية، واشتعلت النيران فيهما.
وفي يوم الجمعة، 15 آذار تمت عملية تحرير مدينتي المشرح والكحلاء،وتم تطهير محافظة العمارة من القوات الصدامية، تطهيراً تاماً.
حاول النظام الصدامي هذا اليوم، السيطرة على مدينة جلولاء ودارت معارك شرسة بين قوات الانتفاضة، والقوات الصدامية، وانتهت المعارك بهزيمة القوات الصدامية، ومقتل أمر الفوج المهاجم الرائد علي صالح الجبوري، واستولت قوات الانتفاضة على 4 دبابات سالمة.
وهكذا استطاعت قوات الانتفاضة فرض سيطرتها على المناطق الجنوبية ومنطقة الفرات الأوسط، ومنطقة كردستان بكاملها، خلال أسبوعين، وأصبح النظام الصدامي في تلك الأيام قاب قوسين أو أدنى من السقوط، لكن سيطرة القوى الإسلامية على الانتفاضة، والاستئثار بها، ورفعها للشعارات الطائفية والمتطرفة، وعدم وجود قيادة ميدانية حكيمة تمثل القوى السياسية الوطنية المؤتلفة، بموجب ميثاق دمشق، وضرورة رفع الشعارات الصحيحة التي تؤكد على الوحدة الوطنية، وإقامة نظام ديمقراطي تعددي، كل هذه الأمور جعلت قوى التحالف، بقيادة الولايات المتحدة، وكذلك السعودية ودول الخليج تقلق من سيطرة القوى الإسلامية المقربة من إيران على الحكم في العراق، وما يسببه ذلك من خطورة على مصالحهم في المنطقة، وجعلتهم يضعون كامل ثقلهم إلى جانب النظام الصدامي، وتمكينه من استعادة سيطرته على البلاد من جديد.
وهكذا فتحت قوات التحالف، التي كانت تطوق قوات الحرس الجمهوري في جنوب الناصرية، الطريق إمام تلك القوات للعبور، بل أقامت لها الجسور العسكرية لكي تستطيع التقدم نحو المناطق التي سيطرت عليها قوات الانتفاضة، وبذلك بدأت مرحلة الانحسار للانتفاضة في 17 آذار 1991.
ثالثاً : الهجوم المعاكس للنظام الصدامي، وبداية انحسار الانتفاضة :
بدأ انحسار قوة الانتفاضة، بعد منتصف شهر آذار، حيث سمحت الولايات المتحدة وحليفاتها لقوات الحرس الجمهوري بالعبور، كما سمحت للنظام الصدامي باستخدام الطائرات المروحية، وحتى الطائرات الحربية ذات الأجنحة الثابتة، وصواريخ ارض ـ ارض، وسائر الأسلحة الأخرى، لقمع الانتفاضة، ووقفت قوات التحالف تراقب قوات النظام الصدامي وهي توجه كل أسلحتها نحو الشعب العراقي الذي أنتفض على حكم الطاغية، وابتلعت الولايات المتحدة كل وعودها بإسقاط النظام، لا بل ساعدته، ومكنته من شن هجومه على قوى الانتفاضة، وعلى ضرب المدن بكل ما توفر له من الأسلحة، فليس مهماً للولايات المتحدة مصير العراق وشعبه، بل كل ما يهمها هو أن تحافظ على مصالحها النفطية في الخليج .
وفي الوقت الذي كان المواطنون في مدن الجنوب يتصدون لهجمات القوات الصدامية، وطائراتها ودباباتها، توقفت القوات الكردستانية عن زحفها نحو مدن الموصل و صلاح الدين وبغداد، وقد مكّن ذلك الموقف القوات الصدامية من تركيز جهدها العسكري على الفرات الأوسط والمنطقة الجنوبية للقضاء على قوات الانتفاضة، لتعود بعد ذلك إلى منطقة كردستان .
لقد كان الواجب يتطلب من القوات الكردستانية أن تواصل ضغطها على القوات الصدامية،وعدم إتاحة الفرصة لها لتركز كل قواتها على المنطقة الجنوبية، ومنطقة الفرات الأوسط .
1 ـ ففي يوم الأحد 17 آذار، هاجمت القوات الصدامية مدينة الكوت واستبسلت قوات الانتفاضة في الدفاع عن المدينة أمام قوات الحرس الجمهوري،وأسلحته المختلفة،من الدبابات والصواريخ والمدفعية والطائرات السمتية، وتم في البداية إيقاف تقدم القوات الصدامية، واستطاعت قوات الانتفاضة إسقاط طائرتين سمتيتين، وتدمير عدد من الدبابات، وإنزال العديد من الخسائر في صفوف القوات الصدامية، لكن المهاجمين استطاعوا في نهاية الأمر السيطرة على جزء من المدينة، بعد أن نفذ معظم العتاد لدى قوات الانتفاضة، واصبح موقف قوات الانتفاضة صعباً أمام قوات الحرس الجمهوري، المجهز بمختلف الأسلحة الثقيلة .
2 ـ وفي يوم الاثنين 18 آذار، قامت قوات النظام الصدامي بهجوم واسع على مدينة كركوك بعد قصف مركز بالمدفعية والدبابات، واستطاعت القوات المهاجمة، بعد قتال عنيف، من السيطرة على مقر المحافظة، ومقر الفيلق الأول، والمطار، ومناطق آبار النفط .
وفي اليوم نفسه قصف النظام الصدامي مدن خانقين وجلولاء وطوز خورماتو و كلار والمجمع السكني صمود بصواريخ أرض ـ ارض، منذُ الساعة السادسة صباحاً، مستخدماً 4 قواعد للصواريخ في السعدية، مما أوقع أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى بين السكان المدنيين، ثم أعقب القصف هجوماً على طوز خورماتو من خمسة محاور هي طريق كركوك و طريق تكريت وطريق بلان وطريق ينجول وطريق سلمان بيك، مستخدمة الدبابات والطائرات السمتية والمدفعية الثقيلة، والقنابل الفسفورية والنابالم،مما تسبب في وقوع خسائر جسيمة في صفوف المدنيين و العسكريين على حد سواء .
3 ـ وفي يوم الثلاثاء 19 آذار كان القتال يدور حول مدينة كربلاء المقدسة، حيث هاجمتها القوات الصدامية على محورين محور المسيب ومحور الرزازة وحيث أحرزت القوات المهاجمة، المتفوقة في المعدات والأسلحة الثقيلة، تقدماً باتجاه المدينة وحاصرتها، وجرى قصفها بشكل مركز، بمختلف الأسلحة الثقيلة .
كما شن النظام الصدامي هجوماً آخر على مدينتي النجف والكوفة بعد أن تمكن من جلب قوات كبيرة من الحرس الجمهوري، بأسلحتها الثقيلة .
وقام صدام حسين بتعين حكام عسكريين في مناطق الانتفاضة، من بين كبار الضباط الذين كان لهم دور إجرامي كبير في الحرب العراقية الإيرانية، فقد عين ماهر عبد الرشيد حاكماً عسكرياً على قاطع الناصرية وطالع الدوري ـ حاكماً عسكرياً على قاطع البصرة وهشام صباح الفخري حاكماً عسكرياً على قاطع العمارة وطالب السعدون حاكماً عسكرياً على قاطع الكوت وعلي حسن المجيد حاكماً عسكرياً على منطقة كردستان .
4 ـ وفي يوم الأربعاء 20 آذار، حققت قوات الانتفاضة انتصاراً لها في كركوك والسليمانية وأربيل، وأجزاء من محافظة صلاح الدين، وبعض قرى محافظة نينوى، واستطاعت قوات الانتفاضة السيطرة على دار الإذاعة والتلفزيون في كركوك، و3 مطارات عسكرية ومدنية وجميع مناطق آبار النفط .
وقامت القوات الصدامية المنسحبة من مدينة كركوك بذبح أكثر من 100 طفل كردي فيها، وأخذت رهائن من المدنيين الأكراد، ما يزيد على 15 ألف مواطن، من النساء والأطفال والشيوخ. ثم قامت القوات الصدامية بعد انسحابها من المدينة، بضربها بالقنابل الفسفورية والنابالم والصواريخ، واستخدمت في قصفها الطائرات الحربية ذات الأجنحة اثابتة، والطائرات السمتية.