مجتمع مدني

لماذا يعادي البعض نقابات العمال؟ / عبد جعفر

لا يخفى على أحد دور النقابات العمالية في التعاضد الاجتماعي العابر للطائفية والأثنية، وفي تعزيز الديمقراطية وبنائها، ولهذا دأبت الحكومات المتعاقبة في العراق على معاداة النقابات العمالية، ومحاربتها ووضع العراقيل أمامها ، بالإضافة إلى خلق النقابات الصفراء الموالية لها بالضد من مصالح العمال وحقوقهم.
واليوم تنتهج السلطات الحالية بعد التغيير منذ عام 2003 النهج نفسه ضد نقابات العمال والتدخل الفظ في شؤونها، وتجميد أرصدتها، مع البقاء على قوانين النظام الدكتاتوري المقبور في تحريم العمل النقابي في مؤسسات القطاع العام.
وأسباب العداء معروفة هي السعي لتغييب دور منظمات المجتمع المدني وخصوصا النقابات في تعزيز الديمقراطية الاجتماعية والسياسية والحريات العامة.
وعلى صعيد آخر يلعب الطفيليون والفاسدون من المتنفذين الجدد جهدهم ليس على إبقاء القوانين المجحفة ضد النقابات عموما ونقابات العمال خصوصا فقط، بل تكريس حالة الاقتصاد الريعي، وتدمير ما تبقى من صناعات في القطاع العام والخاص والمختلط وتجريف الإنتاج الزراعي، إذ أصبح العراق ينتج ما لا يستهلكه ويستهلك ما لا ينتجه بما في ذلك الماء الصالح الشرب ورغيف خبزه. بالإضافة إلى التجاوز على حقوق العمال (من قلة الأجور وصولا إلى عدم تسديد رواتبهم لأشهر) ودفع العاطلين وخصوصا من الشباب للجوء للكسب غير المشروع أو الهجرة أو تأطيرهم في الميليشيات الطائفية، أو جعلهم لقمة سائغة لقوى الإرهاب والظلام التي عملت وتعمل على تجنيدهم وإجبارهم على أعمال القتل مقابل حفنة من الدولارات.
ومن هنا تستنج أن لا جامع بين العداء للنقابات وتعددها وبين الوطنية ، فتكريس هذا الأمر لن ولن يخدم جوهر العملية الديمقراطية في البلاد ومستقبله وبنائه، ولن يخدم معركة شعبنا ضد قوى الظلام من عصابات داعش والبعث.
إن العمل النقابي هو أحد الأسلحة المهمة بيد الشغيلة، وبغيابه سيعاملون معاملة العبيد، ومن هنا يتطلب أن يتحدوا وأن يعملوا على تأسيس نقاباتهم وتوحيد نضالها المطلبي والوطني وكسب شرعيتها بمختلف الوسائل بما فيها الإضراب العمالي، والأمر ليس منّة من أحد بل أنه حق من حقوقهم، وعليهم أن يعطوا المثال في ذلك، فلقد سبقهم شغيلة الأمس بالعراق في فرض إرادتهم، كما سبقهم عمال كومونة باريس الذين اقتحموا السماء بأذرعهم العارية، وأجبروا ممثلي الشعب في أداء الخدمة العامة لقاء أجر يساوي أجر العامل، وأزالوا جميع الإمتيازات وعلاوات التمثيل التي كان يتقاضاها كبار موظفي الدولة. وعراقيا يتطلب ليس هذا فحسب، بل وقف النزيف الذي يعمله الفاسدون والسراق وأكالو (اللحم البشري) من المتنفذين في دولتنا الفرنكشتانية.
دولتنا التي يجب أن تتخلص منهم ومن النهج المحاصصي الغريب عن دولة المواطنة المدنية.