مجتمع مدني

الأول من أيار توطيد للعزم على النضال من اجل مجتمع آخر / د. صادق البلادي

في الذكرى المئوية للثورة الفرنسية عقد في باريس يوم 14 تموز 1889، مؤتمر عمالي عالمي احتفاءً بالذكرى. ودعا المؤتمر إلى" تحديد وقت يجري فيه تنظيم تظاهرات أممية كبيرة، في الوقت ذاته في جميع المدن يوجه فيه العمال إلى السلطات العامة المطالبة بتحديد يوم العمل بثمان ساعات" و بالنظر إلى حقيقة أن عصبة العمال الأمريكية قد قررت تنظيم مثل هذه الفعالية في يوم 1 أيار 1890، تقرر اعتبار هذا اليوم يوما للتظاهر العالمي."
ولم يشهد ماركس هذا اليوم، فقد كان الموت قد أختطفه قبل سنوات سبع، إلا أن رفيقه أنجلس شهد يوم الأول من أيار عام 1890 ، وكتب عنه :
" يـا عمـا ل ا لـعـــالم أ تـحـــدوا " حينما ألقينا هذه الكلمات في العالم لم تجاوبنا سوى بضعة أصوات. ...... . ولكن لم يحن يوم 28 أيلول عام 1864 حتى كان العمال من أكثر أقطار أوربا الغربية يتحدون ويؤلفون جمعية الشغيلة العالمية (عرفت فيما بعد باسم الأممية الأولى) ذات الذكرى المجيدة. ان الأممية نفسها لم تعش سوى تسع سنوات، أما التحالف الأبدي الذي أنشأته بين عمال جميع البلدان ، فليس أدل من يومنا هذا نفسه على أنه لا يزال موجودا ........ ففي اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور ، تستعرض البروليتاريا الأوربية والأمريكية قواها الكفاحية التي تنتظم لأول مرة في جيش واحد ، وتحت علم واحد ، وفي سبيل هدف مباشر واحد هو تحديد يوم العمل العادي بثمان ساعات تحديدا قانونيا.... إن مرأى هذا اليوم سوف يبين للرأسماليين وكبار أصحاب الأراضي في كل الأقطار، أن عمال العالم متحدون الآن اتحادا حقيقيا.
ألا ليت ماركس إلى جانبي ليرى بعينيه كل هذا).
بهذه الكلمات اختتم فريدرش أنجلس مقدمة الطبعة الألمانية الثانية عام 1890، وكان أنجلس يعيش يوم ذاك في لندن، بعيدا عن وطنه.
ما شأني وأنا إبن التاجر المتدين ، أنا الطبيب و المثقف وهذا اليوم ، الذي تحقق الآن للعمال مطلبهم في ثمان ساعات يوم عمل؟ في البصرة كنت أسمع عن تظاهرة خاطفة تنظم يوم الأول من أيار ، والذي واظبت على المشاركة فيه منذ بداية دراستي وعملي في ألمانيا الغربية وبعدها في الشرقية ومن ثم الموحدة ، ذلك لأني موقن تمام اليقين، وبانهيار معسكر الاشتراكية القائمة بالفعل، ازددت إيمانا ، وقناعة بأفكار الشيوعية، بأن لا خلاص للبشرية من الفناء إلا بالقضاء على الرأسمالية، وآنذاك فقط " يحل تجمع جديد تكون حرية التطور لكل عضو فيه شرطا?للتطور الحر للجميع." ولأني موقن بصحة قول فهد أنه بالاشتراكية يبدأ " الانتقال من أدوار عاشت فيها البشرية عيشة لا إنسانية ، عيشة بربرية شبه وحشية إلى مجتمع إنساني حقيقي، مجتمع يعمل فيه الإنسان بمحض إرادته وفيه يبتدأ تاريخ الإنسان. " ولأن الشعور والإحساس بانضمامي إلى جبهة الطبقة العاملة ، إلى الطبقة ، التي تبقى باعتمادها على العمل المأجور في تضاد مع الرأسمالية ،حتى تقضي عليها يملأني بالفرح والسعادة ، ويمنحني الهمة وآمل أن يُبقيني رغم الشيخوخة فتى مع الفتيان.
إن عدم تحقيق أهداف فورية، راسخة بعد كل حراك، كما نشهد هذا في الربيع العربي ، ليس دليلا ، يستدل به الذين تخلوا عن الماركسية، على خطأ الفهم المادي للتاريخ.
تحية إلى الطبقة العاملة التي تحمل المستقبل في قلبها، ويبقى الأول من أيار ، كما قال أنجلس : " الدليل على أن العمال يوطدون العزم أكثر فأكثر على الظفر بالنظام الاجتماعي الجديد عن طريق النضال".