مجتمع مدني

للمرأة العراقية حقوق يجب إبرازها / راسم قاسم*

عانت المرأة العراقية معاناة مضاعفة على مدى قرون لأنها الحلقة الأضعف في المجتمع ، وعندما يمارس ظلم على المجتمع فان حصتها تكون مضاعفة لكونها الام والاخت والزوجة ولقد كان النظام السابق وعلى مدى الاربعة عقود التي حكم فيها العراق كان دور المرأة العراقية مهمشا , لا وجود لها في الحياة الاجتماعية والسياسية , كان يستعملها كوسيلة وداعية للشرف والعرض حتى كادت المرأة العراقية ان تبيع كرامتها من اجل لقمة العيش بسنوات الحصار الاقتصادي العالمي الذي حطم المواطن العراقي في حياته التي عاشها في ضنك وبؤس لمدة ثلاثة عشر عاما عجاف بسبب رعونة سياسة النظام الشمولي , والمرأة العراقية صامدة في وجه تلك التحديات والانحرافات الاجتماعية التي حصلت هنا او هناك نتيجة الظروف القاسية الصعبة التي لم يسلم من جوعها احد , وبقيت تعاني طيلة تلك الفترة المظلمة من المصائب والظروف اللا إنسانية متحدية كل سحابات الموت والدمار والجوع حتى أخذت تجوب الشوارع تبحث عن حليب لطفلها الرضيع وتطرق الأبواب من اجل رغيف الخبز الأسود لتطعم اولادها الصغار, كل هذه التضحيات في زمن الحصار وعانت ماعانت من الحروب العبثية التي جر بها صدام الشعب العراقي الى الموت والهلاك , وفقدت المرأة العراقية ابنهاوأخيها وزوجها , بقيت العراقية تصارع الزمن وظلم المتجبرين من اجل البقاء وصارعت ذلك النظام الأهوج الذي علق الكثير منهن على اعمدة المشانق لكونهن طالبنَ بحقوقهن التي اقرها القانون الانساني.
وبعد التغيير وتحطيم الصنم وقيود الظلام عام 2003 وانبثاق الحرية والديمقراطية في العراق , استبشرت العراقية بإنهاء الحقبة السوداء وولادة حياة كريمة لها في ظل العهد الجديد في العراق الجديد تترسخ فيه قيم الحرية وروح العدالة واحترام حقوقها كاملة غير منقوصة وأنصافها حتى في حقوقها المدنية باعتبارها محور اهتمام , لكنها مع الاسف تعيش المرأة العراقية اليوم مسلوبة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية , وتنشط أفكار وتقاليد بعض المعادين للمراة لاغتيالها وإعادة الماضي الذي همش المراة و دورها في الحياة , لأنها مدعوة للإثارة والفتنة والعورة مثلما يقولها البعض .. اننا اليوم امام تحديات كبيرة للاعتراف بحق المرأة العراقية انتصارا لوجودها لكونها الشريك بالحياة , وتحريرها من تلك القيود التي وضعها المتزمتون والتي شاعت في زمن الاستبداد والتسلط والقمع الاجتماعي ابان الحكم الشمولي ..
وعندما نختزل المراحل ونصل الى تأريخنا المعاصر و ما تحفظه الذاكرة من مواقف امهاتنا وجداتنا فإننا نقف مذهولين امام ذلك الصبر الاسطوري فقد تحملن ظروفا بالغة الصعوبة إذ كن مدارس في العطاء والبذل وبناء الانسان وإعداد الرجال، وهن مصانع الرجال ومظهرات معادنهم النقية فلو وقفت عند انسانة بسيطة من وسطنا العراقي فانك تتفاجأ بحجم المعلومة ودقتها وطيب المعشر وسلاسة الحديث وأدب التعامل وأكثر من ذلك فأنك تجد التحدي لكل اساليب الاذلال فالكرم سجية والعاطفة بحر متلاطم يفيض عذوبة وأصالة مما يدخل السرور الى القلب ويعيد الانسان الى ذاته وبعيدا عن المقارنات الظالمة بين خطين ومنهجين ومدرستين مختلفتين فانك عندما تقف عند ما اريد للمرأة بالأمس وما ارادت هي فانك ستكتشف الفرق ولا نتحدث هنا عن حالة خاصة، بل نتحدث عن حالة عامة يفرضها نمط التربية السائدة في بلادنا
ففي الوقت الذي اراد نظام صدام وغيره من الانظمة السابقة استباحة المرأة والنيل من كرامتها برزت تدافع عن نفسها ووقفت وقفة البطولة والإصرار على تسفيه هذا النظام وهناك امثلة كثيرة لبعض المناضلات في اهوار الجنوب وفي الشمال والوسط وهن يشاركن المعارضين لنظام البعث المستبد ينقلن المناشير ويوفرن الطعام والشراب لأبنائهن الذين قارعوا ذلك النظام الوحشي وعندما تسأل احداهن عن الدافع وهل كان بفعل العلاقة النسبية رغم طغيان العاطفة الا انها تجيب بكل فخر وشجاعة ان ما دفعها لذلك هو الظلم الذي تعرض له الاحرار من ابناء منطقتها واهلها بسبب ارتباطهم بقضية الوطن. ولك ان تتصور مثل هذا الموقف الصادر عن امرأة نسميها امية بلا تعليم ودراسة، فهل هي امية فعلا عندما ترضع ابنها وتربيه على مثل هذه المبادئ وغير ذلك من الصور التي تقف عندها الاقلام عاجزة عن الوصف وتبيان الحال؟ دفعت المرأة التي دفعت اثمانا باهظة على مدى العقود الاربعة ابان حكم النظام البعثي وهذا يوقع على النخبة الواعية لحقوق المراة والنخب السياسية واقع التضامن لهذه الشريحة المهمة التي هي فعلا اكثر من نصف المجتمع ان لم تكن كل المجتمع .
على المرأة العراقية ان تتطلع الى المزيد من الأدوار التي تستطيع أداءها في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي لا يزال البعض يسعى الى تقليص دورها في المجتمع, ونطالب منظمات المجتمع المدني ووزارة حقوق الإنسان ووزارة المرأة والاعلام ,بفتح افاق جديدة في معالجة المشاكل المزمنة التي ورثناها عن الماضي والتصدي للمعضلات التي انتجت تعقيدات الحاضر , وتوسيع افاق المشاركة للمرأة العراقية في الحياة الاجتماعية والسياسية من اجل بناء الوطن وجيل يحترم حقوق المرأة العراقية لكونها شريكا اساسياً في البناء ولايقل دورهاعن دور الرجل مطلقا.
ــــــــــــــــ
*كاتب عراقي