مجتمع مدني

المرأة بين الغياب والتغييب !/ تضامن عبد المحسن


«الأسباب كثيرة بعضها يتعلق بالمرأة نفسها، وبعضها بالواقع الثقافي والمجتمع الأدبي»، بهذه الجملة لخصت الكاتبة والإعلامية الناشطة عالية طالب أسباب عزوف المرأة عن حضور المنتديات الثقافية والأدبية والعلمية، والمؤتمرات والمحافل الشعرية.
وقد تغيب المرأة عن ندوات تتناول قضية تخصها رغم أن المرأة نصف المجتمع ولكنها لا تحضر داعمة لامرأة أخرى إلا ما ندر!
وربما يكون انحسار حضورها في المؤتمرات بسببه زحام الطرق الذي يأخذ جل وقتها، أو ربما الأوضاع الامنية، وربما هيمنة التقاليد والأعراف الاجتماعية التي تحصر مشاركة المرأة في واجباتها بالبيت والمطبخ وتربية الأطفال. وتمنع مشاركتها الفعلية في الحياة العامة والعمل وممارسة إرادتها الحرة وتمتعها وحريتها الاجتماعية. أو التهميش والإقصاء المتعمد في توجيه الدعوات للنساء الفاعلات في الحركة الثقافية، او قد تكون هناك أسباب أخرى سنقف عندها خلال إجابة بعض الناشطات والمثقفات عن تساؤلاتنا.
إذ تقول الكاتبة والإعلامية الناشطة عالية طالب «ان احد الأسباب المتعلقة بالمرأة هو محدودية نسبة المهتمات بالثقافة وحقولها الأدبية وهذا واقع حال قديم منذ عقود»، حسب قولها، «فلم يتم رفد الأجيال الأدبية بعناصر نسوية فاعلة تماما».
ورمت طالب الكرة في ساحة المرأة حينما اتهمتها بقطع التواصل بينها وبين الكتاب للقراءة والبحث والمتابعة، وهذه القطيعة بالتأكيد ستؤدي إلى الانزواء والغياب. وفي حين كان السبب الآخر هو المجتمع.
وتضيف طالب ان المجتمع الثقافي غير مرحب بالمرأة ان لم نقل طاردا لها، فهو لا يوفر قاعدة تشجيعية جيدة لوجود المرأة بل هناك شبه اتفاق على التقليل من قيمة ابداعها ووصفه بالقاصر أو غير الناضج أو الضعيف، رغم ان هناك نماذج ذكورية يمكن وصفها بالأشد ضعفا لكنها تجد ترحيبا على منصات الثقافة والأدب. وترى أنه عندما نرحب بوجود المرأة ونشجعها حينها سنجدها متواجدة بقوة في أي ملتقى او مؤتمر بل وتتميز فيه بجدارة أيضا.
أما الاعلامية والناشطة فاتن الجابري فكان رأيها مؤكدا لزميلتها اذ تقول أن الأسباب في معظمها خارجة عن إرادة المرأة، منها عدم الاهتمام بوجود العنصر النسوي من قبل المؤسسات والدوائر والإدارات المسؤولة عن الدعوات لمثل هكذا نشاطات وما مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية إلا مثال لهذا الاقصاء. حيث وجهت الدعوات إلى حفل الافتتاح الى أشخاص بعيدين عن الثقافة.وعزت سبب ما لحق بالثقافة من ضعف وتهميش إلى الخراب الذي جاءت به المحاصصة الحزبية والاصطفاف اللامجدي في تصنيف ولاءات المثقفين والأدباء، وكان هذا التراجع الثقافي سببا في إطفاء جذوة نشاط المرأة.
وترى الجابري ان لواقع المجتمع دورا هاما جدا في ابتعاد المرأة عن المحافل الثقافية، وتقول ان المرأة كانت اكثر تضررا نتيجة الواقع المجتمعي المزري الذي يطبق على انفاس المرأة وإبداعها، ولا التف كثيرا على الشعارات التي تدعو الى انخراط المرأة في الحياة الثقافية لأنها في الواقع ما هي الا مطبات في طريقها، اكثر من كونها دعوات جدية حيث سيلاحقها رعب التعامل معها على اساس أنوثتها لا إنسانيتها.ومهما تعددت الاسباب واجتمعت من اجل اقصاء المرأة وابعادها عن الساحة الثقافية تبقى هناك حقيقة ناصعة ان لا غنى عن حضورها ومشاركتها في المحافل الثقافية والفنية، فهناك قول فرنسي (ان درجة تقدم المجتمع تقاس بتقدم المرأة).علمتنا التجارب الحياتية ان المجتمع الذي يتعكز على ساق واحدة والتي تمثل الرجل مجتمعا معاقا، فكلما زاد عدد الأيادي التي تبني وزادت الأفكار التي تتشارك في التوعية والثقافة والتوجيه كلما كانت مدة التطور والتقدم اقصر.