مجتمع مدني

الأزمة المالية وتأثيراتها الكارثية على النساء.. البرتغال إنموذجاً / رشيد غويلب

منذ اندلاع الأزمة المالية في عام 2008 تستمر تداعياتها، والانعكاسات السلبية لسبل معالجتها، التي تتبنها مراكز رأسمال والسلطة في منطقة اليورو، وخصوصا في بلدان اوروبا الجنوبية، الأكثر تضررا من سياسات الليبرالية الجديدة، وصفقات التقشف القاسية.
وتعاني المرأة في هذه المجتمعات، وبالتحديد المرأة العاملة من التراجع الاقتصادي، الذي تنتجه املاءات اللجنة الثلاثية المتكونة من صندوق النقد الدولي، المفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الاوروبي. وهذه محاولة لعكس ما تعانيه جماهير النسوة في البرتغال، بالاستناد إلى معطيات ناشطات حركة "لتذهب الترويكا إلى الجحيم"
النساء العاملات في البرتغال هن الأكثر معاناة من البطالة، والأعمال المؤقتة وغير المستقرة. وتتقاضى النساء العاملات أجوراً اقل مقارنة بالرجال يصل معدلها إلى 18 في المئة، وتفرض عليهن أعمال أدنى من تأهيلهن المهني، والكفاءة المتوفرة لديهن.وهذا مرتبط بالصورة التقليدية لدور المرأة في المجتمع.ومن الضروري الإشارة إلى ان 59 في المئة من النساء في البرتغال يحملن شهادة جامعية، في حين ان هذه النسبة بين الرجال تبلغ 41 في المائة، وعلى الرغم من ذلك لا يمثل ذلك أفضلية للنساء في سوق العمل، بل على الضد من ذلك تتقاضى النساء ذات المؤهلات العلمية الخاصة 28 بالمائة اقل من زملائهن الرجال الحاصلين على نفس الدرجة العلمية. وثلثا النساء العاطلات عن العمل حاصلات على شهادة جامعية .
وتنعكس سياسة التقشف التي تعتمدها الحكومة اليمينية بشدة على النساء، لتقاضيهن أجوراً أوطأ، ولكونهن يشكلن النسبة الأعلى من العاملين في قطاع الخدمات العامة، وهو القطاع الأكثر تضررا من عملية تقليص النفقات الاجتماعية، وما يرتبط بذلك من عمليات تسريح جماعي للعاملين. ومن المعروف ان الميزانية العامة للبرتغال تعاني من التخفيض المستمر منذ انضمامها في عام 1986 إلى الاتحاد الأوروبي. وقد أدى هذا الوضع إلى ممارسة النساء مهناً تحط من كرامتهن الإنسانية، والى انتشار الدعارة المؤقتة في صفوفهن، سعيا منهن لتوفير الحد الأدنى من مسببات العيش لأطفالهن. وهذه من النتائج المباشرة للأزمة الاقتصادية وسياسة التقشف.
وفي البرتغال جرى خصخصة رياض الأطفال، لذلك فان تكاليفها باهظة. واقل اجر لمقعد في رياض الأطفال يبلغ 50 بالمئة من الحد الأدنى للأجور، ولهذا فإن الأم التي لديها طفلان وتتقاضى الحد الأدنى للأجور، يصبح من الصعب عليها الاستمرار في إرسال أطفالها إلى الروضة، ولهذا تفضل ترك العمل والجلوس في البيت للعناية بالأطفال، وقد ارتفعت هذه الحالات بفعل سياسة التقشف.
لقد ساهمت ثورة نيسان 1974 الديمقراطية في حصول النساء على الكثير من الحقوق، لم يتمتعن بها قبلها. لقد حصل تقدم في تثبيت حقوق النساء بموجب القانون. وتغيرت صورة المرأة ايجابيا في المجتمع، وأصبح عدد النساء الدارسات بعد الثورة أكثر من الرجال، وهو ما لم يكن قائما قبلها.
ولكن إجراءات التقشف دفعت بالنساء مجددا خارج سوق العمل، وعلى سبيل المثال يتم الاستفسار من النساء الشابات المتقدمات للحصول على عمل: هل هي متزوجة؟ وهل ترغب في الإنجاب؟، وإذا ما صمتت المتقدمة، أو أجابت بالإيجاب، فانها لا تحصل على فرصة العمل. ويحصل هذا على خلاف الحماية القانونية التي وفرتها الثورة للأمهات والحوامل. وتقوم الشركات بإهمال وتجاوز القوانين تحت يافطة ان عقود العمل مؤقتة، وليست دائمة. والنساء اللائي يتعرضن لهذا التمييز لا يتوفر لديهن المال لإقامة دعاوى أمام القضاء لاسترداد حقوقهن.
وعلى العموم، فان نسب البطالة مرتفعة بين النساء، اللائي يتم طردهن من العمل، بسبب اضطرارهن أحيانا للتخلف عن العمل لرعاية أطفالهن المرضى، وعملية الطرد هذه تتعارض مع القوانين النافذة. ولا يتعرض الرجال لهذه المشكلة، إلا إستثناء، لأن النساء مثقلات بتربية الأطفال.