مجتمع مدني

خريجون يطالبون بفرص تعيين.. ولكن! / عبدالكريم العبيدي

في عام 2010، اختار «البو عزيزي» اللجوء إلى النار، كآخر معنى ممكن لعبث وجوده.
في عام 2015 أقدم جمع من حملة الشهادات الجامعية العليا في بغداد، على حرق شهاداتهم الدراسية التي باتت بلا معنى! الشاب التونسي أضرم النار بجسده، احتجاجاً على حالة البؤس والضياع والبطالة التي تنهشه، والمحتجون العراقيون من حملة شهادات الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس أقدموا في وقفتهم الاحتجاجية أمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على حرق شهاداتهم الجامعية، بعد أن يئسوا من المطالبات والمناشدات بضرورة إلحاقهم بمراكز وظيفية.
البو عزيزي، لم يجد أي فرصة عمل لإعالة أسرته المؤلفة من تسعة أشخاص، فلجأ إلى بيع الخضار في عربة صغيرة لكسب رزقه، بينما لجأ الخريجون العاطلون، الذكور منهم، إلى «المسطر» أو امتهان أي مهنة لا تتناسب مع مؤهلهم الدراسي، أو حُشِروا قسرا في جحافل العاطلين عن العمل، أو ضاعوا في المقاهي والكازينوهات والشوارع، بينما لجأت الإناث إلى ظلمات البيوت بانتظار الفرج!
لم يبق للشاب التونسي الاّ جسده، بعدما أُغلِقت كل أبواب المسؤولين بوجهه، وبات وطنه أضيق من خرم إبرة، فعمد إلى إضرام النار به، كآخر ردة فعل يشهرها بوجه الظلم، بينما لم يجد الخريجون العاطلون في العراق إلاّ شهاداتهم التي تمثل أعمارهم، وحصيلة أحلامهم، ورمز كفاحهم، فقرروا التخلص منها، بعدما غدت أوراقا زائفة تثير أوجاعهم، وتسخر منهم، وتتألف من حروفها جملة قصيرة لا غير: ارحلوا إلى اللا جدوى!
رحيل قسري إذن إلى الضياع، يشبه تماما ما فوجئ به البو عزيزي، بعد مصادرة السلطات البلدية لعربته، مع صفعة من شرطيَّة، وأمر قالته بالفرنسية:» Dégage»، أي «ارحل»، وهي كلمة تبدو مخيفة فعلا، سرعان ما تحولت إلى شعار للثورة التونسية، ثم غدت شعار «الثورات» في أكثر من بلد عربي!
البطالة مرضٌ خطر
تفيد الإحصاءات العلمية، أنَّ للبطالة آثارها السيئة على الصحة النفسية، كما لها آثارها على الصحة الجسدية، إنَّ نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل يفتقدون تقدير الذات، ويشعرون بالفشل، وأنهم أقلُّ من غيرهم. كما وُجِد أن نسبة منهم يسيطر عليهم الملل، وأنَّ يقظتهم العقلية والجسمية منخفضة، كما أن البطالة تُعيق عملية النمو النفسي بالنسبة للشباب الذين ما زالوا في مرحلة النمو النفسي.
كما وجد أن القلق والكآبة وعدم الاستقرار يزداد بين العاطلين، ويقدم البعض منهم على شرب الخمور، بل وَوُجد أن 69 بالمئة، ممّن يقدمون على الانتحار، هم من العاطلين عن العمل ونتيجة للتوتر النفسي تزداد نسبة الجريمة، كالقتل والاعتداء بين هؤلاء العاطلين.
ومن مشاكل البطالة أيضاً هي مشكلة الهجرة، وترك الأهل والأوطان التي لها آثارها ونتائجها السلبية.
السبب الأساس في هذه المشاكل بين العاطلين عن العمل هو الافتقار إلى المال، وعدم توفره لِسَد الحاجة، إن تعطيل الطاقة الجسدية بسبب الفراغ، لا سيما بين الخريجين العاطلين الممتلئين طاقة وحيوية، ولا يجدوا المجال لتصريف تلك الطاقة، يؤدِّي إلى أن ترتدَّ عليه تلك الطاقة لتهدمه نفسياً، مسببة له مشاكل كثيرة.
أسباب وأسباب
طبقا لمنظمة العمل الدولية فإن العاطل عن العمل هو كل شخص قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه ويقبله عند مستوى الأجر السائد ولكن من دون جدوى.
وقد عرفت البطالة بأنها:»حالة خلو العامل من العمل مع قدرته عليه بسبب خارج عن إرادته، أما منظمة العمل الدولية فقد عرفت العاطلين عن العمل بأنهم:»الأشخاص الذين هم في سن العمل والراغبون فيه والباحثون عنه، لكنهم لا يجدونه في فترة الإسناد»، وثمة تعريف اجرائي يفيد بأن البطالة «هي كل إنسان قادر على العمل، راغب فيه باحث عنه، يقع في دائرة القوى المنتجة أي يكون عمره ما بين 15 و60 سنة، مدربا على العمل، أي له حرفة أو خبرة ما، ولا تتوفر لديه فرصة للعمل ولا يملك رأس مال نقدا كان أو عينا.
وترجع أسباب مشكلة البطالة بحسب بعض الخبراء الاختصاصيين في الجزء الأكبر منها إلى أسباب هيكلية تعود إلى طبيعة نمو الاقتصاد، كاقتصاد نام يعاني اختلالات هيكلية داخلية وخارجية تتمثل في الاختلال في ميزان المدفوعات والاختلال في الموازنة العامة للدولة، إلى جانب وجود فجوة كبيرة بين كل من الادخار والاستثمار وبالتالي الإنتاج والاستهلاك، وهناك أسباب أخرى أهمها التخلف الاقتصادي في الدول النامية وهو اجتماعي المنشأ، فكلما زاد التضخم السكاني زادت نسبة البطالة ارتفاعا، ذلك أن الزيادة السريعة في النمو السكاني وما ينشأ عن ذلك من خلل في التوازن بين قوى العرض والطلب وسوق العمل ،فالنمو السكاني يؤدي إلى زيادة نمو القوى العاملة. وهناك سبب آخر يتعلق بندرة الموارد الاقتصادية، أدت ندرة الموارد الاقتصادية إلى عدم وجود فرص وظيفية للعاطلين خاصة مع التحولات الكبيرة التي يمر بها الاقتصاد العالمي وانعكاساته على الاقتصاد الوطني، وهو الأمر الذي يشكل عبئاً إضافياً على الدولة في تمويل عمليات التنمية.
كذلك يبرز سبب آخر وهو عجز سوق العمل عن استيعاب الخريجين فهناك أعداد هائلة من الخريجين الحاصلين على مؤهلات بأنواعها المختلفة ومع ذلك يعجز سوق العمل عن استيعابهم، وعدم تحديث وتطوير أساليب وطرق العمل، وعدم التوسع في أماكن الإنتاج أو تنفيذ مشروعات جديدة.
تقول فرح الجنابي، خريجة جامعة بغداد/ كلية هندسة الخوارزمي/ قسم الطب الحياتي، وعاطلة عن العمل: كان التعيين لخريجي القسم مركزيا، وألغي بقرار وزاري، فراجع ممثلون عن قسمنا وزارة الصحة لعدة مرات، ولكن من دون جدوى، مع العلم أن المؤسسات الصحية بحاجة ماسة لاختصاصنا، «أجهزة طبية، وأطراف، ومساند صناعية...»، وكم من مرة قدمنا طلبات ولكن!
ويروي وسام محمد ماجد، 36 سنة، خريج كلية الادارة والاقتصاد/ قسم ادارة الأعمال، عاطل عن العمل، قصته قائلا: أدفع «هدايا» من أول أيام تخرجي كي أحصل على تعيين، أعرف أنها وعود كاذبة ونصب واحتيال، «بس عادي، موافق وراضي»، فقط ليبقى بداخلي أمل في التعيين يوما!، لكنني تعبت، وتوفيت والدتي من دون أن يلامس قلبها فرح تعييني الذي كانت تحلم به، حالياً أنا عالة على أسرتي، أصرف من راتب أبي التقاعدي، «يعني ظل أبويه يصرف علي من الصغر لحد متخرجت»!
محمد رياض، خريج كلية الطب البيطري، جامعة تكريت ٢٠١٢-٢٠١٣، يقول: توجد في محافظة ديالى محطة «أبو تمر» لتسمين العجول  حاليا مهجورة!، حقول «المرادية» للدواجن تعد من أكبر الحقول في الشرق الأوسط، لكنها مهملة!، لو تمت إعادة النظر في تأهيلها لانعكس بتأثير ايجابي كبير على الثروة الحيوانية، ولأصبح العراق يعاني من نقص كبير في الكوادر البيطرية والزراعية من جميع الاختصاصات!
وتقول نرجس، خريجة معهد لغة انكليزية ومعهد بريطاني، «أنا خريجة عاطلة منذ أكثر من عشرة أعوام، وزوجي خريج معهد تقني كهرباء، عاطل عن العمل منذ أكثر من اثني عشر عاما، ولدينا ثلاث بنات، ونسكن بيتا مستأجرا، ندفع «600» ألف دينار شهريا، هل يوجد مل معاناتنا؟
متزوجة وعاطلة
تقول رواء، خريجة آداب، قسم الجغرافية، سنة التخرج 2008 \ 2009:»التعيينات مستمرة في وزارة التربية، وحين أراجع للتعيين يقولون لي لا توجد وظائف لاختصاصك، اختصاصك غير مطلوب، أي شي، ما كو الك تعيين، لعد ليش فاتحين كلية بيها هذا اﻻختصاص؟ لكن اذا عندك واسطه ورشاوي، تتعين من الصبح. لعد الفقير منو اله؟ راح نموت من الجوع، والله آني متزوجة وعندي 3 أطفال وكاعده ايجار، امنين واحد يجيب ويعيش»؟
كومة الوساطات
يقول مهند عبد الرزاق عبد الجليل: أنهيت دراستي الاعدادية عام 2007 بمعدل 73 ، ثم دخلت كلية الزراعة، وبعد معاناة عسر الحال، حيث كانت أسرتي تمنحني ثلاثة آلاف دينار يوميا كأجور للنقل ومصرف جيب، وما يبقى منه يذهب الى الاستنساخات شبه اليومية، وبقيت على هذا الحال حتى تخرجت سنة 2012، ومنذ ذلك الحين وأنا أتنقل بين الشركات الأهلية، بعد أن عجزت عن العمل في مجال اختصاصي، بينما بعض أصدقائي حصلوا على تعيين في مختلف الدوائر الحكومية بسبب «الواسطة»، التي لا أملكها. واليوم، أنا متزوج، ولدي طفل، ومازلت أبحث عن إبرة في «كومة التعيين.. تعيين الواسطات».
عامل مع خلفه
يقول باقر جابر، خريج المعهد التقني، قسم المحاسبة، سنة التخرج 2013 ، كان طموحي أن أتخرج وأحصل على وظيفة في احدى دوائر الدولة لكي أساعد أهلي وأكمل دراستي في احدى جامعات العراق المسائية، ولكن كل أمالي تحطمت بسبب عدم الاهتمام بهذه الشريحة المتميزة، علما أنا معيل لأسرة تتكون من 6 أفراد ولدي اخوة يدرسون في الجامعات، وأنا مسؤول عن مصروفهم، وحاليا أعمل عاملا مع خلفه لكي أساعدهم وأدعمهم لمواصلة دراستهم».
مكافحة ولكن!
تقول كوثر مهدي صاحب، خريجة معهد اعداد المعلمات لسنة 2005- 2006 اختصاص رياضيات وعلوم:» أنا فتاة، كان حلم حياتي، ومنذ الصغر، أن أكون معلمة ناجحة، تربي أجيالا صالحة، وتنشئ ثمارا، تبني مستقبلا زاهرا، لكن جرت الأقدار في زمن النظام السابق، ولكوني لم انتم لـ «حزب البعث»، رفض الجميع دخولي للدراسات الصباحية، فتحديت الصعاب، ورغم صعوبة الحالة المعيشية والظروف القاسية أكملت الدراسة في المعهد- الدوام المسائي، وتخرجت سنة 2005-2006 وبمعدل 94 بالمئة، وكان أملي هو الحصول على تعيين أو وظيفة كي أسعى إلى تحقيق حلمي وإعانة عائلتي بعد وفاة والدي، لكن لا حياة لمن تنادي، فبسبب المحسوبية والمنسوبية ضاعت حقوقنا وأحلامنا، وعند التقديم للتعيين لا أحد يعترف بالشهادة المسائية، يعتبرونها ملغية، بينما نرى أقراننا قد وجدوا التعيين ومن السنة الأولى من التخرج!
نكعهه واشرب ميهه
يقول أحمد صبيح، خريج كلية الاعلام، قسم اذاعة وتلفزيون:» تخرجت في سنة ٢٠٠٩_٢٠١٠ ، ولم أدع وزارة الا وقدمت لها طلبا للتعيين، ولكن لم يتم قبولي في أي وزارة، علما أنني كنت الأول على دفعتي، في مشاريع التخرج، كأفضل مشروع وهو فيلم «زهور ذابلة»، ولدي ثلاثة أفلام أخرى أحرزت فيها المراكز الأولى في عدد من المهرجانات، وتم تكريمي من شخصيات مرموقة في الدولة، وحصلت على شهادات تقدير، « بس كلهه مثل ما يكول المثل: نكعهه واشرب ميهه»!
أعين زوجي
تقول ملاك علي، خريجة كلية فقه قسم الفقه سنة 2009/2010:»أنا متزوجة ولدي أربعة أطفال، قدمت أكثر من «فايل - طلب تعيين»، ولكن بلا جدوى، حاضرت في مدرسة لمحو الأمية لمدة سنتين، ودخلت دورة رياض أطفال، لكن لم أحصل على أي تعيين، لكي أعين زوجي على الحياة الصعبة».
أريد أتعين.. ما عندي واسطة!
تجمع شبابي كبير، أطلق على نفسه اسم: الحملة المستقلة للمطالبة بحقوق الخريجين، ورفع شعار:»أريد أتعين.. ما عندي واسطة»، بدأ بـ «كروب» على إحدى شبكات التواصل، في شهر آذار من العام الحالي، وسرعان ما انتشر، والتف حوله الكثير من الشباب العاطلين.
يقول أحمد الركابي، أحد مسؤولي الحملة:»تعتبر الحملة صرخة مطالبة بالحقوق، وهي بادرة ايجابية تنم عن حالة تعافي للمجتمع العراقي من مرض الرضوخ والاستسلام، وتهدف الى توعية الشباب بحقوقهم التي نص عليها الدستور، وجعل قضية الخريجين العاطلين قضية رأي عام».
وأضاف:»انبرى ما يقرب من 42000 عضو من الشباب، ليطالبوا بحقهم في الحياة الحرة الكريمة».
الملفت أن هذه الحملة استقطبت العديد من الخريجين العاطلين الذين يرون فيها بارقة أمل لإيجاد فرص للتعيين.