مجتمع مدني

المرأة.. بين الأمية الأبجدية والأمية التكنولوجية

بغداد – طريق الشعب
لا يشك اثنان في أننا نعيش في زمن أصبحت فيه التكنولوجيا بمثابة الجهاز العصبي للمجتمع الحديث الذي لقب بمجتمع المعلومات.
ففي هذا المجتمع يتقلص الزمان وتتلاشى الحدود والمسافات بفضل ما حققته تكنولوجيا الاتصال من تدفق معلوماتي مذهل قاد إلى إحداث تحولات سريعة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعملية. وقد تحولت المعلومات إلى وحدة يقاس بها مسار التنمية وتطورها، فلم تعد الأرض هي قوام المجتمع كما كان عليه الحال في المجتمع الزراعي. ولم تعد الطاقة هي رأس المال كما هو الحال في المجتمع الصناعي، وإنما أصبحت المعلومات هي قوام المجتمع المعاصر الذي لا يتوانى في إسراع الخطى نحو الرقمية والافتراضية متجاوزا الاشكال التقليدية للمعرفة والاتصال رغم ما يربطه بها من حميمية. من هنا برز الاقتصاد اللامادي الذي يرتكز أساسا على التكنولوجيا.
وعلى هذا الأساس، وعت مختلف الدول متقدمة كانت أو نامية ضرورة تبني هذه التقنيات لتحقيق التقدم وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء، بين النساء والرجال باعتبار أن التكنولوجيا هي الثروة الأكثر عدالة بين الشعوب وبين الأفراد أيضا. وتفطنت الدول العربية بدورها إلى أهمية الأخذ بناصية هذه التكنولوجيا من ناحية والرفع من مكانة المرأة باعتبارها جوهر التنمية ولبها، بصلاحها وتقدمها ورفعتها، يتحقق صلاح المجتمع وتقدمه ورفعته.
لذلك زادت الحاجة إلى إدماج المرأة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال خاصة بعد النجاحات التي حققتها في مختلف المجالات. ومن هذا المنطلق، وإيماناً بضرورة إدماج المرأة في هذا القطاع وتعزيز علاقتها بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، نظم العديد من الملتقيات لزيادة التوعية بمواضيع المرأة وتكنولوجيا الاتصال بعدد من البلدان العربية وببادرة من منظمات وجمعيات ومؤسسات معنية بقضايا المرأة، غير أن هذه المساعي تتطلب توحيد الجهود من خلال إنشاء خلية عمل مشتركة فضلا عن ضرورة التنسيق بين الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية والقطاع الخاص والجمعيات وكامل ممثلي المجتمع المدني من أجل دعم مكانة المرأة في مجال التكنولوجيا وتمكينها من إثبات ذاتها والتعبير عن حياتها ومشاغلها، ويستوجب تحقيق هذه الأهداف اتباع استراتيجية محكمة ومتعددة الأبعاد، ذلك أن الحاجة ماسة إلى دعم الإعلام لزيادة توعية المرأة بأهمية التمكن من التكنولوجيا علاوة على التعامل مع هذه التقنية، مما جعل الدول العربية مدعوة إلى تبني مبادرات وخطط وطنية خاصة بتدريب المرأة وتعليمها.
ومن الضروري أيضا دعم البحوث والدراسات المتعلقة بالمرأة العربية والتكنولوجيا للتعرف على درجة تفاعل المرأة ودرجة تطور دورها في مجتمع المعلومات مع مراعاة مختلف المستجدات على الصعيد العالمي. وتبقى مسألة تقليص الفجوة بين النساء والرجال في مجال التكنولوجيا في العالم العربي رهينة دعم السياسات العربية للانفتاح الثقافي والمعرفي، في إطار منظومة متكاملة للعلوم والمعارف. وذلك قصد بناء مجتمع متوازن يعطي فرصة متكافئة للمرأة ليكون لها إسهامها في تطوير سبل البحث والاختراع والعلم، ويفتح لها كل النوافذ للتعرف على كل ما هو جديد. لقد نجحت المرأة في تعزيز مكانتها بجوار الرجل في عدة مجالات، ولا شك أنها قادرة أيضا على الإسهام في نشر التكنولوجيا والتمكن منها وتملكها أيضا.
ومن ثم فإن الحكومات العربية يجب أن تعمل جاهدة على إدماج شؤون المرأة في المناطق الريفية لتمكينها من النفاذ إلى المعلومات واستخدام تكنولوجيا الاتصال والمعلومات كوسيلة لتحسين ظروفها المعيشية ويستوجب ذلك الإسراع بالانتهاء كليا من الأمية الأبجدية بغية التفرغ بعدئذ للأمية التقنية والأمية المعلوماتية. وتجدر الإشارة إلى أنه من الأهمية بمكان وضع خطط خصوصية للمرأة الريفية والمرأة ذات المستوى التعليمي المحدود من أجل تمكين المرأة العربية أينما كانت من النفاذ إلى مجتمع المعلومات واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال كوسيلة لتحسين وضعها.