مجتمع مدني

اولادنا امانة في اعناقنا.. فصونوا الامانة يا أولي الالباب / عبد الحميد مصطفى هاشم

بدأ اولادنا عامهم الجديد وهم يحملون احلامهم الصغيرة في رؤوسهم ويحاولون الطيران باجنحة ضعيفة لا تقوى على حملهم، وضحكاتهم وابتساماتهم تملأ افواههم وهم يلتقون على مقاعد الدراسة دون موعد، تحركهم العفوية وكانهم في بيوتهم يتمازحون حتى يصطدموا بواقع يكاد لا يمس من سبقهم وان كان فليس بهذا المستوى ذلك انهم كانوا فرحين حين استدعتهم ادارة المدرسة ليقفوا في طابور غير منتظم ينتظرون توزيع الكتب والقرطاسية عليهم ولم يدر في تلك الاذهان الصغيرة ان الكتب التي ستوزع عليهم اما ناقصة المواد او ممزقة حد الرمي في الازبال او لا ينفع معها الترميم والتجليد ولصق الصور الجميلة الملونة لتحمل اسماءهم والمرحلة التي هم فيها. وبعد ان جاء كل في دوره ليتسلم الكتب سرعان ما غابت تلك الابتسامة عن الثغور الصغيرة واعتلتها غمزات ولمزات تشير الى اشمئزازهم وعدم الرضا، وغابت الفرحة والبهجة عن تلك الوجوه التي صدمت والكثير منهم بدأ يفكر حينها انه سيكون هو واسرته امام الامر الواقع في شراء نواقص الكتب من المتنبي والتي لا يقل سعر الكتاب الواحد عن 10 آلاف دينار وهم مستنسخ وطباعته ليست جيدة.
حلت الكآبة بدل الفرحة وحل التشاؤم بدل التفاؤل وحل الجدل حول امكانية الحصول على نواقص الكتب والفقر الذي يغلف الكثير من عوائلنا. اما القرطاسية فقد املتهم ادارات المدارس بانها ستوزعها عليهم حال وصولها من المخازن. ابرياء ما زالت عقولهم بريئة ثم يملي الواقع فيه من خزعبلاته، لا يعرفون وعود الادارات وهم مصدقون تلك الوعود ويتناقلونها فيما بينهم، "المدير گال القرطاسية من توصل انوزعهه عليكم". وتمضي الايام والاسابيع وبعض المعلمين يمارسون الضغط على الصغار ويهددونهم، (المايجيب باجر كتاب لا يحضر والما يجيب دفتر ابو الميتين ليجي). وهذا المعلم له الحق في تهديده لانه مكلف باكمال المنهج. وها هي مشكلة الكتب القديمة والنقص فيها وذوبان القرطاسية تصل الى البيوت والى العوائل وتبدأ معاناة الاهل في صراع البحث عن مصادر الحصول على تلك الكتب ويشكو الاب من ارتفاع سعر الكتاب: (الله اكبر هو كتاب واحد واجيبه ومستنسخ بعشرة آلاف دينار. اشو كل ولدي وبناتي عدهم نواقص.. المن اصير ومنين اجيب فلوس وهو وينه الراتب).
والمشكلة الاكبر ان هناك عوائل لديها اكثر من ثلاث او اربع من البنات والبنين ان لم نقل اكثر. والراتب الذي انقضى ثلثله لاسباب متعددة او انه حرم من بسطيته لانها تتوسط الشارع ليجثو على رقاب العائلة دون عمل او انه متقاعد والراتب بطبيعته مقضوم. هكذا تعيش عوائلنا معاناة حقيقية اسبابها ومسببوها يعتلون كراسي الحكم لا يفقهون شيئاً، سوى سرقة الاموال وتبييضها والعمولات التي خلقت فئة ليست بالقليلة من البرجوازيين والاثرياء والتجار والسماسرة وبالمقابل اضعفت الفئات التي كانت تحسب على الفئة المتوسطة او دونها وزادت طينة الفقر بلة ووضعت له فوق حمله (تعلاوة) اثقلت كواهله من جميع جوانبها فيكبو كلما اراد ان يقف على قدميه.
اما انعكاسات تلك الصور فواضحة لا لبس فيها، سلبية سوداء على العملية التربوية التي يراد من ورائها تقدم البلد وخلق جيل صحيح مزود بالاخلاق والعلم والتوجيه والنصح والتربية الصحيحة، فبدلا من ذلك فان تلك الاسباب ستؤدي حتما الى نتائج سلبية لا تحمد عقباها فتؤدي الى تسرب الكثير من الطلبة من مدارسهم والتوجه الى العمل في التقاطعات او التسول بعد قناعة والديه او اللجوء إلى العمل في الورش الصغير والكبيرة، وهذا سيؤدي الى حرمان الاطفال من استمرارهم وتواصلهم مع زملائهم في الدوام دون فهم ما يجري في العملية السياسية من مساومات ومحاصصة وطائفية وبيع وشراء للوزارات حالها حال الاثاث المستعمل في المزادات.
ومن ثم تبدأ التربية والمشرفون في وضع اللوم ومحاسبة المعلم او المدرس وكأنه المسؤول المباشر عما يجري. لقد ادت هذه الاعمال وغيرها الى هدم العملية التربوية التي يؤكد علماء التربية وعلماء النفس ان عناصرها الاساسية هي المعلم والطالب والمنهج. ويقول التربويون ان اي خلل يصيب احد اضلاع المثلث التربوي يؤدي الى دمار العملية التربوية برمتها، فكيف اذا حل الدمار والخلل في اضلاعها الثلاثة فما بقي علينا الا ان نقرأ على التعليم السلام كما قرأنا السلام على الخدمات والقوانين المجمدة بفعل فاعل وغير المشرعة ونقرأ السلام على من سرقنا وسرق قوت فقرائنا وقرأنا السلام من قبلها واقمنا العزاء للبيانات التي تصدرها المنظمات العالمية في تقييم البرلمان على انه اسوأ برلمانات العالم واكثرها فساداً، وعلى ضياع المليارات بين قبة البرلمان وحقائب الوزارات ودواوين الرئاسات الثلاث. لكننا كتربويين وكما يعرف المتعلمون والمثقفون ان التربية يجب ان تكون خطاً احمر. كما قرأنا عن اليابان كيف تطورت حين منحوا المعلم راتب وزير واعطوه اجلال الامبراطور وحصانة دبلوماسي وحين سأل وزير الدفاع البريطاني تشرشل عن الخراب الذي حل في البلد بسبب الحرب اجابوه ان التعليم والصحة لم يتأثرا فرد عليهم اذاً البلد بخير..
اذا لا يمكن التهاون في التعليم او المساس بميزانيته او التقصير في كل جوانبه وخاصة في ارضاء نفسية الطالب بكتب جديدة وقرطاسية تعمل عمل المساعد في اعمار البيوت بدلاً من هدمها واصلاح شأن التعليم بدل تركه. فهؤلاء اولادنا واكبادنا وهم عماد وشباب المستقبل اذ لا يمكن لهذه الاوضاع ان تدوم ويفلت المسؤولون عنها من قبضة القضاء ان كان هناك بقية باقية فيه، والمشتركون في سرقة البلد ودماره وسوء قيادته واكثرها شأنا مزورو الشهادات والجهلة منهم، فكيف اذن نترك التعليم ينهار ونستبدل السراق بأسوأ منهم ونعوض الفاسدين بالغشاشين ونجهز الدوائر بطلبة وصلوا بدرجات نجاحهم حتى الدور الثالث، تلك البدعة ما هي الا ترقية الفاشلين وايصالهم كي يحتلوا كراسي البرلمان واستيزارهم قبل سلفهم من المتفوقين والمبدعين.
ان الناس والمعلمين والمسؤولين عن التعليم لا يغفرون لكم اهمالكم الحقل التربوي ففيه فساد الامة وتخلفها، ومنه ترتقي الامم باهلها واساتذتها واطبائها وعلمائها ومبدعيها.