مجتمع مدني

الشيوعيون .. يستذكرون عيد ميلاد حزبهم / لفته عبد النبي الخزرجى

يحل 31 من آذار ... ذلك اليوم الذي لا يغيب عن ذاكرة الشيوعيين ابدا ، فقد تم الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة ، ولأول مرة في سجن بعقوبة في العام 1954 .. فقد ورد في مجلة " كفاح السجين الثوري " في عددها التاسع عشر الصادر في 23 نيسان 1954، " ان الحزب الشيوعي العراقي قد تأسس في الحادي والثلاثين من آذار1934 ". كما تأكد ذلك التاريخ " في التقرير الذي ألقاه يوسف سلمان يوسف (فهد) أمام الكونفرنس الأول للحزب عام 1944 " .. الذي قدمه مؤسس الحزب تحت عنوان " قضيتنا الوطنية " والذي ورد فيه " أدى نضال الطبقة العاملة العراقية لتأليف نقابات لها عام 1929 ولتأليف حزبها الشيوعي عام 1934 " (1)
وفي التقرير المعروف بعنوان – جبهة الكفاح الوطني ضد الاستعمار والحرب – الصادر عن الحزب في آذار 1954 ، نقرأ الآتي " في 31 آذار سيكمل حزبنا عامه العشرين من عمره المجيد " (2)
يذكر عزيز سباهي في الجزء الأول من " عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي " :
حري بنا أولا ان نذكر ان تقليد الاحتفال بميلاد الحزب أرسي لأول مرة في سجن بعقوبة المركزي عام 1954 .
وما زلنا وسنظل نحتفل بهذا التاريخ المجيد ونربي ونعلم أجيالنا الجديدة ان تستذكره ونحافظ عليه وتحتفل به كل عام ، لأنه يمثل حلقة متقدمة في تاريخ العراق وشعبه الذي يطمح لبناء دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وتحقيق العدالة الاجتماعية .
ان الشيوعيين وهم يحتفلون بالعيد الثالث والثمانين لميلاد حزبهم المجيد ، إنما يستذكرون العمالقة الذين ارسوا لبناته الأولى ، ويعيدون قراءة التأسيس ليتعرفوا على البدايات الاولى لبذرة الشيوعية ، وكيف كانت البصرة والناصرية وبغداد هي الحاضنات الأولى للخلايا الماركسية التي تشكلت منذ مطلع العقد الثاني للقرن العشرين .
وعلى الشبيبة الشيوعية ان تعود الى الجذور الأولى في بدايات القرن الماضي ، حيث استطاعت مجموعة من الشباب ان يشكلوا تجمعا من المثقفين الثوريين ، وقد " لعبت الصدف وعلاقات القرابة وتقارب السكن في تعارف بعضهم على بعض " وتوسع نشاط هذه المجموعة المثقفة والمتحمسة للنشاط الفكري ، وخاصة في مجال الاطلاع على الفكر الاشتراكي ، وبدأت " تبحث عن تفسيرات ماركسية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها " (3)
إن ميلاد حزب شيوعي في العراق ، يعني ولادة الوعي الطبقي ، والفكر الماركسي الذي يشكل خط الشروع في غرس بذرة الثقافة الجديدة ، ثقافة الوعي والنضال والفهم المدني للحياة والتفاعل مع حاجات الناس ، مع إعادة قراءة التراث العراقي وخزينه الفكري عبر الزمن ، وما أبدعه العقل العراقي من قيم وأفكار وتصورات ، فقد أكدت شريعة حمو رابي أنها قانون مدني ، في زمن كانت الأديان تستحوذ على عقول الناس وتستبد بتصرفاتهم .
كما ان الكثير من العلماء العرب ، أمثال ابن حيان وابن الهيثم والفارابي ، ورسائل أخوان الصفا وخلان ألوفا ، وغيرها من العلماء العرب ، والذين واجه اغلبهم تهمة الزندقة والكفر ، لأنهم أعلنوا آراء علمية تفند الكثير من أفكار وعاظ السلاطين ، وتعيد قراءة الواقع بنظرة علمية تجريدية .
كما ان قرارات المؤتمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي العراقي ، قد أرست قاعدة " الانحياز الى الناس وتبني مطالبهم والدفاع عنهم ، وتوسيع الأنشطة والفعاليات الجماهيرية ، ومساعدة منظمات المجتمع المدني والاتحادات والمنظمات المهنية والنقابية على القيام بدورها في الدفاع عن حقوق منتسبيها ، وتحقيق المطالب العادلة للعمال والفلاحين وعموم شغيلة اليد والفكر ". (4)
ان من يعيش ثمانية عقود ، لابد ان ينظر إليه على انه عجوز كبير ، او انه على حافة الموت ، لكن الملفت للنظر ان الحزب الشيوعي العراقي ، رغم النكسات الكبيرة التي تعرض لها خلال مسيرته التي امتدت هذه العقود الثمانية ، نراه يتجدد دائما ويستعيد شبابه في مسيرته الطويلة ، كما يستعيد تجاربه ليضع بصماته في طريق شائك ، ومسار محفوف بالمخاطر والمصدات ، لكنه يعبر تلك المصدات والانتكاسات ، ويستعيد دوره بحيوية ونشاط وإرادة ، ويسجل صعودا لافتا ، فلو عدنا الى العام 1949 وعندما أعدمت قيادة الحزب في الرابع عشر من شباط ، كانت الحكومات المعادية للجماهير الشعبية آنذاك ، تعتقد ان الشيوعيين لن تقوم لهم قائمة ، لكن الشيوعيين يفاجئون الأعداء بنهوض كبير وتصاعد في النشاط والفعالية ، وهذا ما حصل فعلا بعد الثامن من شباط الأسود من العام 1963 وما تعرض له الحزب من انتكاسة خطيرة جدا حيث تعرضت قيادات الحزب للإعدام والسجن والتعذيب حد الموت والتشريد والقتل الجماعي وفقا للبيان رقم 13 المشؤوم الذي أصدرته عصابة البعث بعد 8شباط الأسود . حيث كان القتل بأسلوب وحشي لا مثيل له إلا في عصور الظلم والتسلط وغياب سلطة القانون .
وحيث أننا نشهد اليوم هذا النهوض الكبير في استعادة الحزب لدوره النضالي المعروف ، وقدرته المميزة في ان يعقد مؤتمره الوطني العاشر وسط أجواء من الحضور الرسمي والشعبي اللافت ، مما يعني ان الحزب قد تمكن من تعزيز دوره وإمكانياته وقدراته ، واستطاع ان يحسن أداءه ويرتقي بمهام النضال المتشعبة ، ليصبح قوة سياسية فاعلة ومؤثرة، يحسب لها ألف حساب ، ولا يمكن إغفال دور الحزب في الجانب السياسي والاجتماعي والوطني .
الشيوعيون وهم يستعدون للاحتفال بذكرى تأسيس حزبهم الـ 83 ، إنما يستعيدون أمجاد النضال البطولي والتضحيات الكبيرة والمسيرة الزاخرة بالعطاء على مدى العقود الثمانية ، والتي تكللت بعقد المؤتمر الوطني العاشر ، والذي يشكل نقطة شروع في مسار الحركة اليسارية بشكل خاص والديمقراطية والمدنية بشكل عام .
الحزب الشيوعي العراقي نخلة عراقية باسقة .. تنشر سعفاتها الخضراء ، وتبسط فيئها عطاء وظلا ونظارة ، وتضفي على محيطها بيئة خضراء ، انه حزب الخير والعطاء ، حزب الكادحين والفقراء ، حزب العمال والفلاحين والمثقفين ، حزب الأمل والمستقبل .