مجتمع مدني

باحثون: مواطنو نينوى مصابون بـ"الكرب النفسي" / أنعام عبد الأمير

لم تجد هدى للخلاص من العذاب الذي تتلقاه من زوجها الذي يقوم بضربها، سوى أن تُقدم على الانتحار في ثلاث محاولات باءت جميعها بالفشل. وتقول هدى محمد، التي تبلغ من العمر (18 عاما)، وهي متزوجة ولها ولد واحد "أقدمتُ على الانتحار ثلاث مرات وفشلت"، وتبرر لجوءها لهذا الحل بأنه "للخلاص من الحياة".
وتصف محمد وهي تسكن محافظة نينوى، أن "في محاولتي الأولى قمت بقطع شرايين يدي ولكني تمكنت من النجاة من الموت بعد علاجي من قبل الأطباء، وفي المرة الثانية قمت بتناول السم والنفط الأبيض عن طريق الفم وكذلك لم أوفق في الانتحار والموت، والمرة الأخيرة قمت بصب الوقود عليّ وإحراق نفسي وأيضا لم أمت فقد تمكن الأطباء من علاجي من الحروق لكني أصبت بعوق جسدي وتشوه نتيجة الحروق".
وتشير دائرة صحة نينوى، إلى أن حالات الانتحار في المحافظة سجلت ارتفاعا خلال الأشهر الماضية، ملفتة إلى أن العراق من أكثر البلدان تسجيلا لحالات الانتحار حرقا، فيما عزت السبب لإصابة 80 بالمئة من الموصليين بـ"الكرب النفسي".
وتعزو هدى سبب إقدامها على الانتحار إلى سوء معاملة زوجها وهو جندي في الجيش العراقي "كان كلما يأتي من عمله يقوم بضربي وتعذيبي وتخويفي بسحب السلاح في وجهي وفي بعض الأحيان كان يقوم بحبسي في الحمام وكأنه يطبق علي عقوبة كان يطبقها على الناس في خدمته وبعد أن رزقت بولد قام بأخذه مني وطلقني".
وفي اتصال مع "طريق الشعب" تقول الباحثة الاجتماعية فوزية العطية، إن "الأوضاع التي يمر فيها المجتمع منذ أواخر التسعينيات إلى الآن، هي أوضاع غير مستقرة ومتقلبة، حيث خرجنا من نظام دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي، فارتفعت طموحات وآمال الناس بحياة معيشية أفضل".
وتضيف العطية أن "اختلاف توقعات الناس عن الواقع المفروض، ولّد شعوراً بالإحباط والحرمان والمظلومية، حيث أن الواقع جاء ليس كما توقعوه، بل سيئا بسبب الصراعات والنزاعات السياسية وتردي الأمن".
توضح أن "الإحساس بالحرمان يؤدي بالشخص إلى أن يصبح عدائياً، وهذا السلوك العدائي يوجه نحو الآخرين، فتجد الشخص البائس والتعيس يقدم على الانتحار أو يقوم بإيذاء الآخرين ليجعلهم يشعرون بما يشعر به".
وترى الباحثة الاجتماعية أن "الثروة البشرية هي أساس الثروة المادية، لذلك يجب الحفاظ عليها"، مبينة أن "للدولة دور فعال لتنمية هذه الثروة عن طريق توفير فرص عمل وتهيئة المستلزمات المطلوبة، كالتعليم الدراسي والتعليم الحرزي، وتعليمهم كيفية احترام ذواتهم وتنمية الشعور لديهم بالمسؤولية تجاه النفس والمجتمع والآخرين".
وتشدد على "ضرورة الأخذ بالتنمية الاجتماعية التي تأتي في مقدمتها أولا الأسرة التي أصبحت اليوم مفككة لأسباب عدة وجعلها مؤهلة لتقديم المطلوب من خلال عملية التنشئة لهؤلاء الشباب".
وتلفت العطية إلى أن "للتربية والتعليم دور في هذا المجال، من خلال تفعيل قانون التعليم الإلزامي، والعمل على تقليل الانتماءات العشائرية، وتعزيز الشعور بالانتماء للوطن، وإعادة بناء المجتمع بتكوين دولة مدنية"، مؤكدة أنه "بهذا يمكن التخلص من العنف تجاه الذات والانتحار". من جانبه، يشير الباحث الاجتماعي جلال جميل إلى أن "الظروف البيئية تغيرت عما كانت عليه في السبعينيات والثمانينيات وما بعد حرب الخليج". ويبين جميل في حديث مع "طريق الشعب" أمس، أن "التغييرات كانت على الصعيد المادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، وتحول ?جتمعنا من مجتمع منغلق إلى مجتمع منفتح، حيث في تلك الفترة لم يكن لدينا اتصال عن طريق الانترنيت أو الهاتف المحمول أو الستلايت، كل هذه الأسباب تؤثر على الشباب، حيث أن هناك مواد إعلامية تبين لهم أن الانتحار مسألة بسيطة وأنها الحل لمشاكلهم". ويضيف أن "من الأسباب أيضا التي تؤدي لهذه المشكلة، هي الأوضاع المادية والظروف القاهرة، التي لا يستطيع مواجهتها، وكذلك انعدام الثقة وتزعزها"، مبينا أن "الانتحار يكون لأسباب نفسية أو مرض نفسي عند بعض الأشخاص وان السبب الرئيسي للانتحار هو التغير السريع والمفاجئ والتكثيف الإعلا?ي من الغرب إلى الشرق". إلى ذلك، يقول مدير مركز العلاج النفسي التابع لدائرة صحة نينوى محمد صالح القيسي، إن "80 في المئة من المواطنين في نينوى، مصابون بالكرب النفسي ما بعد الصدمة، والذي يحدث نتيجة الخوف والتهديدات الأمنية التي يعيشها المواطن الموصلي في ظل التدهور الأمني وارتفاع معدلات البطالة التي نتج عنها ارتفاع المشاكل العائلية"، مشيرا إلى أن "هذه الأمور أسهمت في ارتفاع حالات الانتحار في نينوى وبشكل مفاجئ حيث وصلت في أعلى نسبة لها في بعض الأيام إلى 11 حالة انتحار غالبيتها الحرق". ويضيف القيسي، أن "العراق ه? البلد الأكثر تسجيلا لحالات الانتحار حرقا والذي يعد من أقسى أنواع الانتحار"، مبينا أن "أكثر الحوادث المسجلة في قسم الحروق في صحة نينوى هي عبارة عن حالات انتحار فاشلة يدعي ضحاياها أنها حوادث عن طريق الخطأ".