مجتمع مدني

مراجعة الدوائر الحكومية.. قصص تبدأ ولن تنتهي

قسم التحقيقات
يحتاج المواطن من حين لآخر الى قلب نابض بجانب قلبه المتعب والى "صبر أيوب" ممزوج بصبره المتهالك والى "مزاج برتقالي" لتفعيل "آثار" مزاجه القديم!
يحتاج المواطن العراقي بالذات الى اجازة طويلة والى مبلغ مالي كبير والى مغامرات ومطاردات ودوران حول الكرة الأرضية وسط زحام الشوارع ومطبات الأرصفة والبحث عن "الفتحة" الضائعة بين الكتل الكونكريتية المحيطة بالمباني الحكومية.
ويحتاج العراقي ويحتاج الى فايلات ومستمسكات واستنساخات " ورشى و"دهن السير" و"خشمك ذانك" وووو.....
كل هذا وغيره كثير من أجل معاملة قد لا تستغرق في دول أخرى سوى مراسلة قصيرة عبر "النت" الى الدائرة المعنية وهو جالس في غرفته وبلا "وجع راس".
في البدء
عوائق كثيرة تحول دون إنجاز معاملات أو مراجعات المواطنين للدوائر الحكومية، أولها الروتين الإداري الممل الذي يأخذ من المواطن مهما كان عمره، رجلا كان أم امرأة وقتا طويلا لإتمام أي معاملة, المهم أن يقف المراجع أمام شباك الموظف المسؤول تحت أشعة الشمس الحارقة في موسم الصيف أو في موسم الشتاء البارد من أجل اكمال معاملة تنجز في ساعة لكنها تتحول الى "قصة عنتر" بسبب الروتين الإداري والتشعبات الإدارية والفنية الكثيرة وهي نوع من الفساد الإداري في تمشية معاملة ما, وهذه آفة قاتلة للوقت والجهد والمال رغم قفزات التقدم العلمي والتقني المدهشة في الكثير من دول العالم المتحضر في انجاز المعاملات المختلفة بوجود نظام "الحوكمة الإلكترونية" التي لا تأخذ من المواطن سوى دخوله الى موقع الأنترنيت لكل دائرة يروم مراجعتها أو الحصول على أي كتاب رسمي من تلك الدوائر فيأتيه الجواب بعد لحظات وهو في بيته أو في مكتبه.
المواطنون العراقيون لا يستطيعون أن يتخلوا عن مراجعة دوائر الدولة من أجل الحصول على جميع المستمسكات الرسمية ، كهوية الأحوال المدنية وشهادة الجنسية وبطاقة السكن والبطاقة التموينية ، أو مراجعة بعض الدوائر من اجل البحث عن التعيين في أي دائرة أو الحصول على هوية التقاعد أو شهادة الميلاد أو جواز السفر وغيرها من الأمور الضرورية التي يحتاجها أي مواطن ، وبما إن هذه العملية تحتاج إلى مراجعة مستمرة من أجل الحصول عليها ، فان المواطن على موعد مع الطوابير الكثيرة التي يجدها أمامه ، مع الروتين القاتل الذي يهدر أوقاتهم ويؤخر معاملاتهم ، إن كان في الصيف تحت لهيب حرارة الشمس أو في الشتاء تحت رحمة موجات البرد القارس. كما أن هناك ظاهرة المماطلة في إنجاز أي معاملة ومرورها بأكثر من مسؤول وغالبا ما يحدث أن بعض المسؤولين يتمتع بإجازة أو طلب ساعة زمنية ولم يعد لدائرته أو أرسلته دائرته إيفادا - "وما أكثره"! داخل العراق أو خارجه وبهذا بات على المراجع أن يأتي في يوم آخر أو ينتظر المسؤول المعين عند مباشرته بالدوام بالدائرة المعنية.
إن حلبة الروتين في الدوائر الحكومية في العراق ترهق المراجعين, وتضيع الوقت والجهد والمال, والأدهى من ذلك حين يقول لك الموظف: "تعال غدا أو بعد أسبوع أو بعد شهر" وهكذا، بينما هناك في كل دول العالم المتقدم تكون للمواطن بطاقة موحدة تجمع عدة وثائق ثبوتية تعود له وتغنيه عن تقديم المستمسكات الأخرى "المستمسكات الرسمية الأربعة" مع كتاب صحة صدور وغير ذلك من المتطلبات.
ملامح الأزمة صارخة
أحد المواطنين يصرخ على الموظف قائلا: منذ الصباح ومع بداية الدوام الرسمي للدائرة والى نهاية الدوام لم تنجز معاملتي وفي كل مرة تقول: تعال غدا.. ألا يستحق هذا صراخي يا ناس؟ بسبب تكاسلهم في إنجاز معاملتي البسيطة خلال يوم واحد , والأدهى من ذلك كل موظف "يرمي" التوقيع على الآخر وعندما يرسلك الموظف الى موظف آخر تجده غالقاً شباك المراجعين لتناول وجبة الطعام والمراجعون "يتحمصون بالشمس"! الروتين هو حقيقة مضيعة للوقت وجهد المراجع أو المراجعة وصرف أموال للنقل وتحضير المستمسكات الرسمية واستنساخها.
يقول ناصر جاسم، محامي: لولا الروتين لما زاد الفساد الإداري والمالي والرشوة فهناك روتين قاتل يفرض على المواطن أو المراجع دفع الرشوة اضطرارا من أجل احترام نفسه وحفظ كرامته بدفع هذه الرشوة مجبرا ومكرها للخلاص من الروتين المقنع أو يقوم بالاعتماد على المقربين في الدوائر أو المعارف أو المعقبين أو المحامين لتمشية معاملته , هذا كله بسبب واحد وهو استفحال الفساد الإداري والمالي لدى بعض الموظفين ذوي النفوس الضعيفة , ويكاد يكون الفساد الإداري مشكلة من مشاكل الروتين القاتل والتي تواجه الحكومة العراقية وبعض دول العالم , ولذلك نرى أن الفساد الإداري تفشى قبل وبعد التغيير في أغلب مفاصل الدولة العراقية مع الأسف , بل زاد في الوقت الحاضر ويجب أن تتخذ السلطة قرارات رادعة بحق المرتشين قطعا لدابر تصرفاتهم هذه.
المواطن علي بدن شكى من دائرة الجوازات حيث يتحمل المراجع أياما كثيرة ووقتا وجهدا ومالا لإكمال الجواز , ومن أمثلة الروتين في هذه الدائرة أنك حتى لو أحضرت كافة المستمسكات يأتي مسؤول آخر ويخبرك عن نقص مستمسكات رسمية أخرى والنتيجة تأخير المعاملة بشتى الطرق الروتينية, والفائز في هذه المواقف هو الذي يحصل على الجواز في يوم واحد، وطبعا هو من كان له مسؤول في الدولة أو ذو حظ عظيم!
مراجع آخر خرج من دائرة أخرى وهو يشكي أمره الى الله لما أصابه من غبن واضح, قال: "ملينه"، رغم نشر شكوانا الى بعض وسائل الإعلام ورغم مواجهة المدراء وشرح حالتنا المأساوية بدون راتب رغم عملنا المستمر دون جدوى وخلال هذه الفترة الطويلة لم يبق شيء لم نبعه من أثاث المنزل وممتلكات أخرى إضافة الى تراكم الديون علينا من كل مكان . وأشار الى وجود أكثر من 60 موظفا مثله يمرون بنفس المصير دون الحصول على وعود من قبل المسؤولين بعد أن طرقوا كل الأبواب الرسمية بسبب روتين الحسابات.
امرأة طاعنة في السن قالت: لا أملك أموالا ولا أملاكا ولم أدفع رشوة وليس لدي مبلغ مالي وراجعت أكثر من مرة لشمولي براتب الرعاية فلم أحصل عليه ولم يساعدني أحد.
ينرادله فجران دم
بحسب خبير اقتصادي فان الحل هو تنفيذ مشروع تسهيل الإجراءات الحكومية، حيث سيتقلص عدد الدوائر في انجاز المعاملات إلى الربع تقريبا، كما سيتم اختصار رواتب الموازنة التشغيلية، وإبعاد المواطن عن الابتزاز والفساد المالي والإداري، فضلا عن اختصار وقت المواطن بالمراجعات والوقت الضائع الذي يستغرقه، والانتهاء من عملية صحة صدور الوثائق التي تستغرق نحو شهر، ورفع المعاناة عن المواطنين الذين يسكنون المحافظات بالمراجعة لأكثر من مرة، وما يتحملونه من كلف مالية كبيرة ووقت ضائع على هذه المراجعات.
روتين.. روتين
يقول المحامي سامي جبار: عند مراجعة دائرة معينة لها شان أساسي ستعاني الكثير في انجاز العمل المطلوب الذي يدخل ضمن اختصاصها تجاه المواطن، حيث نرى سيلا من الاجراءات غير المألوفة في العمل الاداري وحلقات متشعبة لا جدوى منها الا التأخير والاضرار بمصالح الناس.
اذ يلاحظ عدد من طلبات وتحويلات وافتعال اشياء ليس لها محل في الوظيفة العامة، انما مجرد اجتهاد وتفسير لمجريات العمل الاداري، تارة تتعلق بضوابط معقدة في بعض الاحيان تخالف مبادئ القانون المختص بذلك من خلال ابتداع ظواهر ووقائع خارج ما هو معهود في تطبيقه.
وتارة اخرى تتعلق بمزاج ووضعية الموظف ومدى سعة صدره في انجاز المطلوب منه في اقرب وقت مناسب ومحاسبة المواطن عن ابسط الاشياء لخلق اعذار يستفيد منها في قضاء الوقت خارج نطاق العمل.
وفي بعض الاحيان تتم مراجعة الدائرة المعنية لكن لا يوجد الموظف المختص او قلة الكادر الوظيفي مقابل زخم المراجعين او زيادة الكادر الوظيفي دون حاجة الدائرة لهذا العدد الاضافي مما سيؤدي الى خلق نوع من الترهل الوظيفي، وهذا كله يولد اعتقادا سيئا للمواطن تجاه ما يجري في دوائر الدولة ويضعف الثقة بالنهوض بواقع الخدمات التي يفترض بالدولة تقديمها للمواطنين ويقلل فرص المساواة بين الناس، ومسايرة بقية الدول المتقدمة في تسهيل اجراءات المراجعات واختصارها بوسائل الكترونية اقل تعقيدا مما هو متبع كالأرشيف الورقي والكتب الرسمية والمخاطبات والبريد باليد وغيرها من الوسائل التي اصبحت بدائية لا تواكب سرعة التطور في مجال الوظيفة والعمل الاداري.
ولو تأملنا قليلا نجد ان العمل الاداري قائم على اساس التسهيلات اللازمة والخدمة المقدمة بأبسط اشكالها لا بأساليب معقدة تؤدي الى تذمر المواطن او التشبث بالأفكار التقليدية القديمة وبالأنماط الجامدة للإدارة وباللوائح والتعليمات الشكلية.
وهذا ما لاحظناه من خلال مراجعاتنا الميدانية والتجربة المريرة في مراجعة دوائر الدولة، حيث واجهنا الروتين الجاف وغير المعتاد الذي يتم تطبيقه بخصوص تقديم الطلبات وارتباط عمل هذه الدائرة مع دوائر اخرى تتم مفاتحتها بخصوص موافقات امنية وبعضها صحة صدور حتى لو تم ابراز كتاب رسمي او شهادة رسمية صادرة من جهة رسمية معترف بها لكن هذا لا يجدي نفعاً الا بطلب صحة صدور وهذا بدوره يتطلب وقتاً خصوصا ونحن نعلم الاجابة ترد عن طريق البريد الرسمي باليد وليس الالكتروني السريع وذلك لافتقار اغلب دوائرنا والتواصل من خلال هذه المنظومة الالكترونية.
وغالباً ما ترتبط المؤسسات والدوائر بالفرد وبالإدارة حيث ما يرتبط بالفرد يتمثل بالتنصل من المسؤولية وصعوبة تحملها والتمسك بالإجراءات واللوائح الرسمية العقيمة والنمطية الضالة وبالتالي يصاب الاداء بالجمود وعدم المرونة والمواكبة للأداء الوظيفي الصحيح، كما ان الشخص الروتيني ليس لديه الرغبة في تفويض السلطة ويميل دائما الى المركزية في اداء الاعمال والواجبات وهو متطرف في مركزية الاداء مما يؤدي الى صعوبة اتخاذ القرار دون الرجوع الى رئيسه المباشر في كل صغيرة وكبيرة نتيجة عدم رغبته في تحمل المسؤولية حيث ان هذا الشخص ليس لديه رغبة في تطوير اسلوب العمل مما يجعله نمطي الاداء يتصف بالتكرار والملل والضجر والبطء في التنفيذ ولا يفكر في الابتكار والابداع والتقيد بأسلوب اداء ثابت.
أما فيما يتعلق بالإدارة حيث يقوم المدير بإصدار قرارات واوامر وتبليغها للمرؤوسين من خلال قنوات الاتصال الرسمية بعيداً عن الاتصال المباشر ومن ثم انتفاء العناصر المعنوية كبواعث للاجتهاد وتحويل العلاقة بين المؤسسة وموظفيها الى علاقة مادية جامدة غير مرنة وهذا يؤدي الى قتل واقعية التطوير والنهوض في نفوس الافراد في الادارة اضافة الى نطاق السلطة والمسؤولية الرسمية لأي مستوى اداري.
كما ان القوانين الوضعية اصبحت لا تنسجم مع اعمال الادارة ولا تساعد في تطوير ادائها نحو الافضل حيث كلما واكبت القوانين التدرج الزمني للعمل الاداري أصبح الامر اكثر يسراً في تنفيذ الاعمال المناطة بالجهات والمؤسسات الرسمية.
مفهوم الوظيفة
يرى محمد جمال، طالب جامعي أن للوظيفة دوراً محدداً تسعى إلى تحقيقه ضمن النشاطات المختلفة في كل إدارة وأن الوظيفة إذا ما تم أداؤها على الوجه المطلوب يكون دورها إيجابياً في تحقيق الأهداف والغايات التي تسعى إليها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لخدمة المجتمع الذي تعيش فيه ولذا، فإن للوظيفة العامة واجبات ومسؤوليات وتشمل تخصصات وأنظمة ولوائح ، يجب على الموظف العام القائم عليها أن يستوعبها ويفهمها على أكمل وجه، ويتدرب على أفضل الطرق لتحقيق الغايات والأهداف التي أنشئت الوظيفة من أجلها .
وتتعدد المصطلحات التي تستخدم للتعبير عن الالتزامات ، فمنها ما يأخذ شكل الواجبات التي يطلب من الموظف القيام بها على خير وجه ، ومنها ما يأخذ شكل المحظورات التي يجب على الموظف الامتناع عن تأديتها تحت طائلة المسؤولية.
كلام بطعم العسل
سلمان ماجد، تدريسي، أكد أن هذا الموضوع مرتبط ارتباطا وثيقا بعملية الفساد المالي لان قسم من الموظفين يستخدم التعامل السيء ووضع العقبات امام المراجعين من اجل اجبار الناس على دفع الرشوة فهذا الموضوع يتضمن جانبين هو التعامل اللا اخلاقي والرشوة، والسبب يكمن في ان هؤلاء الاشخاص لم يخضعوا لتدريب الاخلاق والضمير قبل المباشرة بالعمل تحت شعار "نحن نعمل من أجل المواطن.
وأضاف: ان سوء الاخلاق هذا نتاج تنشئة وظيفية واجتماعية خاطئة وغياب روادع اخلاقية وقانونية للموظف المسيء.. ولنتذكر انما الاخلاق تنبت كالنبات اذا سقيت بماء المكرمات.. فبماذا سقينا اخلاقنا نحن مع كل ما عشنا من حقب مريرة كانت ابرز سماتها الحرب والعنف والتجويع والاذلال والانتقاص من قيمة الفرد العراقي مع ما يعرف عن تأثيرات هذه الظروف على البناء القيمي للمجتمعات.
وبين الماجد: بالمال نشتري كل شيء إلا الاخلاق.. ونحن نعلم أن الخوارزمي صنَف الاخلاق بالرقم واحد، تبعه المال والجاه لكل منهما صفر مهما ازداد تبقى القيمة المضافة صفراً، فإذا رفعنا الواحد "الاخلاق" لن يتبقى معنى للصفر أليس كذلك؟ العراقي يعيش الازدواجية وهذه طامة كبرى تنطبق على شريحة الموظفين.. أظن أن الاصلاح نفسي وليس اخلاقيا وحسب لنحتذي بالتجربة الغربية بإتقان التعامل النفسي في كل الجوانب. ان للفساد المالي والاداري قصب السبق في استفحال هذه الظاهرة.. وما يحصل في معظم دوائر الدولة من سوء معاملة هو نفسه في كل الدوائر مع الاسف الشديد فالأغلبية من الموظفين قد اخذت الرشوة وانجاز المعاملات لقاء مبلغ معين من المال وخاصة الموظفين الذين لديهم علاقة متينة مع مديريهم، أي لهم حصة من الوارد وهم يعيثون في الدوائر فسادا ولا يستطيع احد ايقافهم لانهم بعيدون عن العقاب وعن الرقابة ما دامت حصصهم تصل اليهم، علما ان الدوائر الرقابية قد فتح لها باب للفائدة المادية على حساب المواطن الذي همه انجاز معاملته بأسرع وقت واقصر طريق خوفا من تغيير القوانين والضوابط بسرعة البرق ما شاء الله فكل مدير يجتهد بتطبيق القانون الذي يرغب فيه وعلى من يريد. واذا ذهب الفقر الى بلد قال له الكفر خذني معك. للأسف الشديد أصبح من النادر ان تلتقي بذلك الموظف الانسان, بل اصبح الفساد اعلى من الهامة في جميع دوائر الدولة. انا برأيي لا يمكننا ان نناقش الموضوع هكذا بل يجب مناقشة كيفية القضاء على الفساد, بعدها من السهل ايجاد الموظف المثالي, فمن أمن العقاب أساء الادب, ولو كانت هناك روادع قوية للموظف المسيء لأصبح الكل جيد برضاه او رغم عنه.
اننا لو بحثنا عن اسباب هذه المعاناة لوجدنا انها تكمن في ثقافة الموظف نفسه.. فالموظف لم يوضع بموقعه إلا لخدمة المراجع من المواطنين او المقيمين بالبلد, يأتي المراجع الى الدائرة المختصة ويقدم اوراقه لأنهاء طلبه فيفاجأ اما بعدم وجود الموظف او انشغاله بعمل آخر ويطول انتظاره او ..... الخ
متى ما تعلم الموظف الرقابة الذاتية ونما لديه احساسه بالمسؤولية تجاه وطنه اولا وتجاه وظيفته ثانياَ ومعرفته التامة بحقوقه وواجباته ستختفي تلك المشاهد المرفوضة من سلوكيات الموظفين، ومتى ما كانت هناك مراقبة إدارية على أداء الموظف ومدى انتاجه وتفاعله مع المراجعين سنرى الصورة التي نطمح اليها في طريقة واسلوب إنهاء معاملاتنا. هذه الظاهرة تعود لأسباب قديمة من ايام الانظمة السابقة التي حكمت العراق، عندما كان ابسط ضابط او موظف حكومي يخيف الناس بسطوته وجبروته وفق العقلية والثقافة التي كانت سائدة آنذاك والتي جعلت الناس في خدمة الحكومة وليس العكس، فالرئيس لم يكن يعمل بناء على انه موظف لخدمة الناس وانما كان يحكم على انه معبود الجماهير. واعتقد انه ما لم تتبدل هذه الثقافة وهذه العقلية سيبقى الموظف والمسؤول الحكومي يمارس اساليبه وفنونه في تعذيب المراجعين، كما لو انهم خدام له يتأمر عليهم بلا اي احترام او مراعاة لحقوقهم الانسانية.
هذه الظاهرة اخذت تنتشر في كل مفاصل دوائر الدولة، والكارثة انها وصلت الى بعض الأكاديميين في الجامعات وباقي الدوائر, ربما هي نتيجة شعور هذه الشريحة بغياب العقاب او من يوجه لهم اللوم, وكثيرا ما صرنا نسمع من الموظف المقولة المشهورة "روح وين ما تريد تشتكي اشتكي".
ان الدولة القوية هي الدولة القادرة على ردع اي مفسد صغير ام كبير والقوة الحقيقية هي قوة القانون او بالأحرى القدرة على تطبيقه، فالدوائر تسير بلا قوانين ولا ضوابط رادعة للموظف المسيء, ولهذا ابتعد بعض الموظفين عن القيم الاخلاقية وحب الناس ومساعدتهم واتجهوا نحو حب المال والكسب غير المشروع وانجاز معاملة المراجعين لقاء مبالغ يحددها والا لن ترى النور تلك المعاملة. لا بد من وضع اجراءات صارمة للموظف سيئ التعامل. ويمكن ان نعلل ونوجز الاسباب التي ادت الى ظهور حالة التعدي على حقوق المواطن وهي كثيرة وكبيرة كصخرة سيزيف ولكني سأوجز بدون اسهاب: غياب سلطة القانون وتغليب سلطة الجهة الحاكمة لهذه الدائرة او تلك. الانفلات الرقابي لتحديد هذه الاساءات.. عدم تطبيق مواد الدستور التي تحد من هذه التجاوزات.. المحاصصة الطائفية لكل الدوائر مما خلق ولادة الضغائن النائمة.. انتشار ظاهرة الرشوة وبدرجة مرعبة.. معظم الذين يتصرفون بهذه الصورة هم نتاج للكثير من الاسباب التي خلقتها "الديمقراطية الفوضوية" لمجتمع حكم دهورا بشكل طائفي وغير عادل وغير انساني بهذه التصرفات غير الانسانية.. بدائية التعامل مع المعاملات الرسمية واستمرار العمل بالنظام الورقي وعدم خضوع الموظفين لدورات تدريبية تعلمهم اساليب التعامل مع المراجعين واسس السلوك الوظيفي الحضاري.
والحل؟
يقول نجم صالح، طالب دكتوراه: أرى ان الحل هو في اللجوء الى الحكومة الالكترونية، اي تسليم واستلام المعاملات عبر البريد الالكتروني مما يضع حاجزا بين المراجع والموظف ويقلل من فرص ابتزاز الموظفين للمراجعين ويقلل من التزاحم في تلك الدوائر.. وترك التعامل الورقي الذي اصبح بدائيا. واعتماد اسلوب النافذة الواحدة وعدم ترك المراجع على احتكاك مباشر مع العديد من الدوائر والموظفين لانجاز معاملة واحدة.. وضع الاجراءات الكفيلة بتخفيف الازدحام وتكتل المراجعين من خلال تعدد منافذ المراجعة لان ازدحام المراجعين يعطي الفرصة للموظف لابتزاز المراجعين.. نشر كاميرات مراقبة داخل جميع الاقسام.. وضع اجراءات عقابية رادعة ضد الموظف المسيء وتفعيل نظام صندوق الشكاوى والزام الموظفين بارتداء باجات تحمل اسماءهم لتمكين المراجع من الشكوى عليهم بالاسم.. فتح خط ساخن للاتصال بمسؤولي الدائرة مباشرة من قبل المراجعين.. تجول مدير الدائرة ميدانيا في دائرته للاحتكاك بالمراجعين وتشخيص مواطن الخلل.. عمل حملة اعلامية لإدانة السلوكيات غير المنضبطة للموظفين.. تجهيز استعلامات الدوائر بآلات حديثة تؤمن عدالة وصول المراجع الى الموظف المسؤول دون ان يتجاوز على دوره احد اذ تزوده الآلة برقم مراجعة وتؤشر شاشة وصول الدور له دون ان تعمل الرشاوى والمحسوبيات دورا في مخالفة النظام وعدم اضطرار المراجع للوقوف في طابور مرهق.. رفد الدوائر والمؤسسات الحكومية بالخريجين الجدد والغاء نظام التعاقد بعد التقاعد لأننا نرى في الدوائر الحكومية البعض من المعمرين ووجود البعض منهم يدفع الى اليأس من التغيير.. اصلاح المنظومة الوظيفية من الرأس ونزولا الى القاعدة من خلال تولي الشخص المناسب في المكان المناسب وان يكون من ذوي الخبرة ومشهود له بالكفاءة والنزاهة وذو خلق عال ومضى على خدمته مدة لا تقل عن خمسة عشر سنة على اقل تقدير وحل جميع لجان ودوائر النزاهة التي زادت من الفساد والابقاء على رقابة ديوان الرقابة المالية فقط.. تفعيل مبدأ الثواب والعقاب من خلال عقوبات رادعة ضد الموظفين المسيئين.. تطوير نظام اختيار وتعيين وترقية العاملين.. المساواة امام القانون ومحاسبة الفاسدين الكبار قبل الصغار.. استخدام التقانة والشفافية والحكومة الالكترونية في المعاملات