مجتمع مدني

حوادث الدهس.. خسائرها البشرية تفوق خسائر العمليات الارهابية

قسم التحقيقات
بدت السيارة مخيفة، تتمايل يمينا وشمالا وهي تسير بسرعة فائقة. لم يشك كل من شاهدها بأن سائقها المتهور لا بد أن يكون ثملا، خصوصا وهو يقود سيارته بطريقة خاطئة في الشارع، وفجأة حدثت المأساة، فقد تم دهس فتاة بعمر الزهور، كما أصيب عدد من المارة والواقفين على الرصيف بجروح خطيرة. وبينما سادت الفوضى كانت السيارة تندفع بسرعة في الساحة الخضراء المجاورة للشارع، واستقرت اثنتين من عجلاتها في الهواء بينما مالت السيارة إلى عمود إضاءة وحواجز اسمنتية تهدف إلى منع السيارات من الصعود إلى الرصيف.
وقع الحادث في منتصف النهار، في يوم رطب وحار جدا وخلَّف بوضوح دخانا أسود كثيفا ظل يتصاعد من السيارة لبضع دقائق قبل أن تتوقف عن الحركة وينزل منها السائق مترنحا ويمسي في قبضة المتجمهرين.
حوادث السير في العراق ربما تعد الاكثر خطورة لأسباب مختلفة، منها زيادة عدد السيارات، وقيادة السيارات من قبل صغار السن أو من الذين لا يجيدون قيادة السيارات، اضافة الى تهوّر الشباب والسرعة العالية واستسهال الحصول على اجازة السوق، فضلا عن ان الكثير من السائقين يقودون المركبات من دون اجازة اصلا، اضافة الى اسباب أخرى تلعب دورا كبيرا في ازدياد الحوادث وارتفاع اعداد الضحايا، وهي قدم شبكات الطرق المتآكلة التي تفتقد الى التوسع والادامة، ووسائل الأمان. وسوء استخدام السيارات وغياب الوعي المروري وانعدام الانارة وغياب الاشارات المرورية وغيرها الكثير.
وفي العراق بينت إحصائيات رسمية أن هذه الحوادث تتسبب في قتل العراقيين بستة أضعاف، ما يذهب ضحية العمليات الانتحارية والتفجيرات.
أرقام مهولة
بحسب وزارة التخطيط، فان أكثر من 12 الف شخص لاقوا مصرعهم بحوادث مرورية خلال 2015، فيما عدّت حوادث المرور "خطورة كبيرة" تضاهي عمليات "الإرهاب".
وأضافت أن "زيادة طفيفة حصلت في حوادث المرور المسجلة في عام 2015 بالمقارنة مع عام 2014 بلغت "24في المائة"! كما أن "عدد الوفيات بين الذكور من جراء الحوادث المرورية بلغ نحو الفي وفاة أي ما نسبته 77 في المائة، فيما كان عدد الوفيات بين الاناث اكثر من "570" وفاة وبنسبة "23 في المائة من المجموع الكلي للوفيات".
ويبدو أن هذه النسبة تعد منخفضة بنسبة "9 في المائة بالمقارنة مع عام 2014 فقد وصل عدد الوفيات في ذلك العام الى نحو "2800" حالة وفاة، بينما بلغ عدد الجرحى والمصابين نحو "9500" اصابة مرتفعاً عن عام 2014 بنسبة "2,5 في المائة".
وأشار المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط إلى أن "تقرير الحوادث المرورية الذي اصدره الجهاز المركزي للإحصاء اظهر أن حوادث الاصطدام سجلت أعلى نسبة خلال سنة 2015 إذ بلغت "4,213" حادثاً بنسبة "48 في المائة" من مجموع الحوادث، تليها حوادث الدهس "3,405" حوادث بنسبة "38,5 في المائة، ثم حوادث الانقلاب "1,000" حادث بنسبة "11 في المائة/ أما الأخرى "218" حادثاً بنسبة "2,5 في المائة"، مضيفاً أن "عدد حوادث المرور المسجلة خلال شهر كانون الأول بلغ "387" حادثاً بنسبة "4,4 في المائة، يليه شهر آب "374" حادثاً وبنسبة "4,2 في المائة، أما بقية الأشهر بلغت "3,452" حادثاً وبنسبة "39,1 في المائة" من المجموع الكلي للحوادث والبالغ "8,836" حادثاً خلال سنة 2015". كما أن "عدد الحوادث المرورية حسب صنف الطريق بلغ "8,836" حادثاً خلال سنة 2015 منها "4,303" حوادث على الطرق الرئيسة بنسبة "49 في المائة، وعلى الطرق الفرعية بلغ "2,266" حادثاً بنسبة "25,6 في المائة" وعلى الطرق السريعة بلغ "1,761" حادثاً بنسبة "20 في المائة" وفي الطرق الريفية بلغ عدد الحوادث "506" حوادث بنسبة "5,7 في المائة" من المجموع الكلي للحوادث، أما "عدد حوادث المرور المسجلة خلال سنة 2014 فقد سجل اعلى نسبة في شهر كانون الاول "841" حــــادثاً بنســـبة "9,5 في المائة" يليه شهر آب "799" حــادثاً وبنســـــبة "9 في المائة" إما بقية الأشهر فقد بلغت "7174" حادثًا وبنسبة "81 في المائة" من المجموع الكلي للحوادث والبالغ "8814" حادثاً.
والواضح بحسب "التخطيط" أن أحد أهم مسببات وقوع الحوادث كانت بسبب السائق إذ سجلت "6,393" حادثاً وبنسبة "72 في المائة" وتمثل أعلى نسبة اما الحوادث بسبب السيارة فقد بلغ "998" حادثاً بنسبة "11 في المائة" وبسبب الطريق "738" حادثاً بنسبة "8,4 في المائة" أما بقية الأسباب فقد بلغت "707" حوادث بنسبة "1 في المائة" من المجموع الكلي للحوادث والبالغ "8,836" حادثاً خلال سنة 2015، وهي حوادث تمثل خطورة كبيرة وتضاهي عمليات الارهاب الحالية.
وتستمر الأرقام المخيفة
الحوادث المرورية باتت تشكل هاجساً وقلقاً لجميع افراد المجتمع واصبحت احدى المشكلات التي تستنزف الموارد المادية وما تكبده من مشاكل اجتماعية وخسائر في الطاقات البشرية مما يؤثر في مقومات الحياة التي يعد العنصر البشري فيها هو اساس المجتمع، ولا بد من العمل على ايجاد الحلول والاقتراحات ووضعها موضع التنفيذ للحد من هذه الحوادث أو على اقل تقدير معالجة اسبابها والتخفيف من اثارها السلبية والتعرف على أهم العناصر التي تشترك وتتسبب في وقوع الحوادث المرورية والتي هي السائق والطريق والمركبة وغيرها.
وبحسب تقرير حوادث المرور الذي أصدره الجهاز المركزي للإحصاء التابع الوزارة لسنة ان عدد حـوادث المرور المسجلة هي "8814" حادثا خلال سنة 2014 منها "2531" حادثا مميتا بنسبة "28,7 في المائة" وغير مميت "6283" حادثا وبنسبة "71,3 في المائة"، مقابل "9725" حادث في سنـــــــة 2013 وبانخفاض مقداره "9,4 في المائة". بينما سجــــلت عدد ضحايا حوادث المرور "الوفيات" حســب الجنس خلال سنة 2014 " 2769" شخصا منهــم الذكــور "2192" شخصا بنسبــــــــة "79,2 في المائة" والإناث "577" شخصا بنسبة "20,8 في المائة" من المجموع الكلي للوفيات. أما عدد الجرحى "الإصابات" لحوادث المرور المسجلة حسب الجنس بلغ "9210" شخصا منهـم "7690 " ذكرا وبنسبة "83,5 في المائة" و"1520" أنثى وبنسبة "16,5 في المائة" من المجموع الكلي للجرحى.
اما الحوادث حسب حالة الضياء الواقعة خلال النهار فقد سجلت "5781" حادث بنسبة "65,6 في المائة" إما في الغروب "1091" حادث بنسبة "12,4 في المائة" وخلال الشروق "995" حـادث بنسبة "11,3 في المائة" وخلال الليل "947" حـــادثاً بنســبة "10,7 في المائة" من المجموع الكلي للحوادث والبالغ " 8814" حادث خلال سنة 2014.
عدد السواقين المشتركين في الحوادث بلغ "11566" سائق خلال سنة 2014 حيث سجل "2537" سائق في الحوادث ضمن الفئة العمرية "24-29" سنة وبنسبة "21,9 في المائة" وتمثل أعلى نسبة للسواقين المشتركين في حين اشترك "2466" سائق بالحوادث وبنسبة "21,3 في المائة" ضمن الفئة العمرية "30-35" سنة و"2117" سائق ضمن الفئة العمرية "18-23" سنة وبنسبة "18,3 في المائة" و"4446" سائق بنسبة "38,5 في المائة" يمثل بقية الفئات العمرية من المجموع الكلي للسواق.
ان المؤشرات التحليلية الخاصة كشفت ان عدد حوادث المرور المسجلة حسب أسباب الحادث "4288" حادث منها "2895" حادث سيارة متحركة بنسبة "67,5 في المائة" من مجموع الحوادث تليها دراجة بخارية " 915" حادث بنسبة "21,3 في المائة" و"248" حادث سيارة واقفــــة بنسبـــة " 5,8 في المائة" إما بقية الأسباب بلغت "230" حادث بنسبة "5,4 في المائة"... كما ان عدد السواق المشتركين في الحوادث من مرتدي حزام الامان "3194" سائقا بنسبة "27,6 في المائة" و "6738" سائق غير مرتد لحزام الامان بنسبة "58,3 في المائة" و"1634" سائق لا "يوجد حزام الامان في سيارته" بنسبة "14,1 في المائة"
وزارة التخطيط دعت الى وضع ضوابط مشددة في منح اجازة السوق وتجاوز السرعة واستخدام أحزمة الأمان والقيادة تحت تأثير الكحول وضرورة استخدام كراسي وأحزمة الأطفال. والحد من الاستيراد العشوائي للسيارات وتطوير النقل العام والطرق من خلال التقليل من التقاطعات ذات المستوى الواحد وإنشاء الأنفاق والجسور. فضلاً عن إنشاء إشارات مرور ضوئية ذكية ومراقبة السرعة بواسطة الرادار. اضافةً الى إنشاء جسور إضافية للتقليل من الزحام وتوسيع الشوارع. كذلك إلزام سائق الدراجة البخارية بارتداء الخوذة لتقليل من حالات الوفاة والإصابات الخطرة. وضرورة تقليل حجم الساحات الدائرية أو تقطيعها وتقليص الجزرات الوسطية لغرض توسيع الشوارع لتجنب حوادث السيارات ولاستيعاب اكبر عدد ممكن من السيارات لكون الشوارع والجزرات الوسطية والساحات الدائرية "الفلكة" لا زالت على الطراز القديم. فضلاً عن الإكثار من الإشارات المرورية خاصة في الطرق المزدحمة. اضافةً الى تسقيط سيارات الموديلات القديمة وتحديد الموديلات الساقطة حسب سنة الصنع وحالة السيارة. واخيراً النظر في خطوط السكك الحديد في داخل شوارع المدينة.
وخلال الاعوام العشرة الماضية شهد العراق أكثر من 66000 حادث مروري ادى الى وفاة 22952 شخصاً وإصابة 79545 شخصا وفقا لجهاز الاحصاء المركزي التابع لوزارة التخطيط , وتعود أسباب زيادة الحوادث المرورية الى السرعة الفائقة لبعض السائقين وعدم الالتزام بالقوانين المرورية وفقدان السائق التركيز في القيادة, بسبب انشغاله بالهاتف النقال أو شعوره بالإجهاد كما أن السائق لم يقم بعمل صيانة و فحص دوري لمركبته, بالإضافة الى التخسفات في الطرق وسوء الاحوال الجوية التي تؤثر على رؤية السائق.
كما إن أعلى نسبة من الحوادث المرورية حدثت بسبب السائق، إذ تسبب سائقو السيارات في وقوع ما نسبته 73 في المائة، أما الحوادث الباقية فقد توزعت اسبابها على عدم متانة السيارة أو المشاة.
وتشير احصائيات شبه رسمية الى ان العراق استورد ما يفوق قيمته الـ 7 مليار دولار من السيارات بمختلف الاحجام منذ 2003 حيث سجل تراجعا ملحوظا في الرقابة المرورية بسبب الفوضى المرورية التي عمت البلاد خلال الاعوام التي اعقبت الاحتلال الامريكي.
وقالت منظمة الصحة العالمية ان 75 الف عراقي قتلوا في حوادث المرور للفترة من 1979 الى 2005.
وذكرت ان عدد ضحايا المرور عام 2005 كان 1789 ونقلت المنظمة ان عام 2009 شهد عددا من الاصابات نتيجة حوادث المرور 4 اضعاف اعلى من اصابات العمليات الارهابية.
ويحتل العراق المرتبة الرابعة دوليا في نسبة حوادث المرور القاتلة وهي 44,7 من كل مائة الف من السكان بعد زامبيا الاولى بنسبة 53,4 والثانية سويسرا بنسبة 28,2 والثالثة ملاوي بنسبة 45,4 اما اقل نسبة فكانت في المالديف ومالطا وجزر مارشال واليابان.
وصُنف العراق بالمرتبة السادسة عربياً بعدد ضحايا حوادث الطرق سنوياً نسبة الى عدد سكانه خلال العام 2015، فيما تصدرت مصر التصنيف الذي اصدرته منظمة الصحة العالمية، في اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا حوادث الطرق، وقد عينته الأمم المتحدة عام 2005 والذي يُصادف الثالث من تشرين الثاني من كلّ عام.
حوادث الطرق تفتك بالشباب
اعتاد العراقيون على ابقاء هذه المركبات العاطلة على الساحات القريبة من الشوارع والأحياء والمدارس ليعلوها الصدأ والرمال وتصبح مرتعا للحيوانات السائبة.
مدن العراق تودّع الكثير من مواطنيها، بسبب حوادث الطرق التي يذهب ضحيّها الآلاف من الاشخاص سنوياً.
وبحسب ضابط مرور، فان "الاغلبية من الضحايا هم من الشباب على رغم عدم وجود احصائية دقيقة الى ذلك".
لكنه يضيف "هذا الاستنتاج صحيح الى حد كبير بحسب المعايشة والمراقبة للحوادث اليومية".
وفي حين يُرجِع الضابط ذلك، الى تصاعد العمليات العسكرية، ضد تنظيم داعش في شمال وغربي البلاد، فان القتلى من المواطنين، يثير "حساسية" خاصة، لا سيما وان البعض يرى ان العراق بحاجة الى الشباب في المعارك، وان ذهابهم ضحية حوادث الطرق، يعد خسارة كبيرة.
وشُيّد الطريق الدولي، في ثمانينات القرن الماضي، ليقدم الدعم اللوجستي لجبهات القتال في الحرب العراقية الايرانية "1980- 1988"، ولكي يربط مدن البلاد، الوسطى والجنوبية، بالعاصمة بغداد، وحتى المناطق الغربية من البلاد، وكان مجهّزا بالسياجات السلكية، والحواجز المعدنية، والجسور المعلقة في التقاطعات،
لكن منذ 2003 تحوّل الى مساحات اسفلتية جرداء، وامتلأت جادته بالمطبّات والحفر، شأنه شأن أغلب الطرق، كما سُرقت حواجزه واسيجته، وبيعت في السوق السوداء.
ولم يعد هذا الطريق خطراً مرورياً فحسب، بل بات المكان الذي يسرح فيه قطاع الطرق وسارقي السيارات، بحسب سائق المركبة احسان الخفاجي في حديثه ﻟ "المسلة"، والذي اعتاد على شق هذا الطريق بسيارته التاكسي لنحو عشر سنوات، كما ان غياب الغطاء النباتي عنه، حوّله الى مرتع للعواصف الترابية.
عبر مسافة الطريق الموصلة بين بغداد ومدينة الديوانية "193 كلم جنوبي بغداد"، ثمة العشرات من بقايا الهياكل الحديدية للمركبات التي تركها اصحابها بعد تضرّرها بسبب الحوادث او نتيجة احتراقها. ولم تعمل الجهات المختصة في اغلب الاحيان، على نقلها الى الامكان المخصصة لها.
واذ كان "الطريق الدولي" يمثل نافذة استراتيجية الى مناطق الوسط والجنوب، الا ان صيانته وتحديثه لا ترقى الى اهميته، فقد تآكل الاسفلت، ليكشف عن حفر كبيرة، يضطر السائق الى الانحراف عنها بين الحين والاخر.
وفي الكثير من المناطق، تم اغلاق اتجاهات الذهاب او الاياب نهائيا، بسبب الاضرار، ما جعل المركبات تستخدم جانبا واحدا منه.
ويقول محمد سلام، مواطن ان "شقيقه راح ضحية اصطدام سيارته بشاحنة حمل في الليل، بسبب انعدام الرؤية في جو ضبابي في احدى ليالي شتاء 2013".
وفي الجزء الممتد، جنوبي بغداد عند منطقة اللطيفية "35 كم جنوب بغداد"، التي شهدت عميات عسكرية، فُجّرت الجسور العرضية، وتضرّر الاسفلت بسبب العبوات، ما جعله غير صالح لسير المركبات التي تضطر الى استخدامه لعدم توفر البديل المناسب.
ومن الواضح ان "العراق تأخّر في شق طرق جديدة، ولم تتم ادامة وتوسيع الطرق القديمة، حتى برنامج شبكة الطرق الدولية التي شَرَعَ فيها العراق في ثمانينات القرن الماضي، توقّف بسبب الحروب، منذ ذلك الوقت، حتى الان.
ولكن يبقى الطريق الدولي هو اقل في عدد الحوادث من الطرق البينية بين المدن، على رغم الاضرار الكبيرة التي لحقت به.
وفي حين ظلّت الطرق على حالها، ازدادت اعداد السيارات الداخلة الى العراق منذ 2003، ما خلق مشاكل مرورية كبيرة، وزاد من الزحام في الطرق والحوادث المرورية.
ويروي شاب فقد عينه بسبب ارتطام سيارته، بجرار زراعي مصابيحه عاطلة، ما ادى الى اصطدام راح ضحيته احد ركاب السيارة، ان "البعض ما زال يقود المركبة في الليل على رغم افتقداها المصابيح التي تنير الطريق.
ويتابع القول "قلة الوعي المروري ساهم الى حد كبير في ازدياد الحوادث".
ان اغلب المواطنين العراقيين، يشعرون بان البلاد تحتاج الى المحافظة على جيل الشباب، بعدما كثرت اعداد الضحايا بين هذه الفئة العمرية بسبب الحرب، وحوادث الطرق على حد سواء.
أزمة خطيرة تبحث عن حلول
حوادث الْمُرُور فِي البلاد تُعَد إحدى الظواهر الاجْتِمَاعِيَّةُ السلبية الَّتِي لا يمكن تجنبها أو التخلص مِنْ كوارثها نتيجة تداخل عوامل عدة كان لها الأثر الكبير فِي تَّنْمِيَة مسبباتها، ولا سيَّما ما يتعلق منها بالعوامل اجتماعية الَّتِي لا ينبغي تجاهلها، وَالمتمثلة بتدني مستوى الوعي الْمُرُوري، غياب الثَّقَافَة الَّتِي بوسعِها إيجاد قناعة ذاتية تفرض عَلَى الفرد ضرورةِ الالتزام الطوعي بأنظمةِ السلامة الْمُرُورية وَالشعور بالمسؤولية الوَطَنيّة حيال تطبيق القوَاعد الخاصة بعمومِ جنبات النظام، بوصفِه الدعامة الرئيسة فِي عمليةِ نهوض البلاد وتقدمها و رقي شعبها. إذ أنَّ بناءَ الْمُجْتَمَع عَلَى أسسٍ سليمة، إلى جانبِ تطويره وَتَّنْمِيته إنسانياً، لا توجب الارتهان بالعقوبةِ كسبيلٍ وحيد لتحقيقِ هذه المُهِمّة المنشودة، فإيمان الفرد بالمُواطَنَةِ يبقى بمثابة حجر الزاوية الَّذِي بمقدوره إشعاره بوجوبِ المساهمة فِي البناء الاجْتِمَاعِيُّ المطلوب.
وفي ظلِ سعة اطلاع المواطن عَلَى الحوادثِ اليومية المرعبة الَّتِي تشهدها الطرق بمختلف مناطق البلاد، فضلاً عَنْ بعضِ البيانات وَالدراسات الإحصائية المعلنة مِنْ جهاتٍ حُكُومية أو منظمات مُجْتَمَع مدني، يمكن التيقن مِنْ ارتفَاعِ نسبة حوادث الْمُرُور فِي العراق، وَالَّتِي أصبحت تشكل مُشْكِلة جسيمة لا ينبغي الاستهانة بها؛ لأن خطورتَها لم تُعَد مقتصرة عَلَى زيَادتها أو هول أرقَامها المخيفة، بل فِي ما يترتب عليها مِنْ نتائجٍ سيئة تتجاوز في أغلبِ الأحوال ضحايا حوادث السيارات بفعل الآثارٍ السلبية الَّتِي تمتد إلى أسرِهم، الأمر الَّذِي يجعلها بكثرةِ أعدادها مِنْ أخطرِ أَزْمَات البلاد المتعلقة بِشؤونِ الناس وَقضَاياهُم وَمشاغِلهم.
لا مغالاةً فِي القولِ اذن إنَّ إفرازاتَ السنوات المَاضية فِي مجالِ حوادث الطرق أثبتت محدودية فاعلية الإجراءات الْمُرُورية؛ بالنظرِ لتواصلِ تسجيل الأرقام المرعبة مِنْ ضحايا حوادث السيارات خلال هذه المدة. وهو الأمر الَّذِي يؤشر الحاجة إلى ضورة تبني مديرية الْمُرُور العامة تدابير مِنْ شأنِها وضع حد للمآسي الَّتِي طالت عوائل كثيرة وَالمتأتية مِنْ تراجعِ النظام الْمُرُوري فِي البلاد الَّذِي أضحت مشكلاته تشكل خطراً واضحاً عَلَى الْمُجْتَمَع وأفراده، بالإضافة إلى ما يتبع ذلك مِنْ تداعياتٍ تفضي إلى التأثيرِ سلباً على عملية التَّنْمِيَة.
ويمكن القول إنَّ مِنْ بينِ أهم الإجراءات الوقائيَّة الَّتِي يتوجب ركون إدارة المُرُور اليها فِي الوقتِ الحاضرِ هو تفعيل جميع الضوابط المعنية بتنظيمِ حَرَكَة المُرُور عبر التشديد عَلَى آليةِ الحد مِنْ سرعةِ السيارات، وَالَّتِي كانت سبباً مباشراً وَرئيساً فِي وقوعِ حوادثٍ مروعة، وَتوجيه مفاصلها الإدارية لمتابعةِ تجهيز الطرقات بالعلاماتِ والإشارات الضَوئِيَّة، إلَى جانبِ العناية بخطوطِ عبور المُشَاة وَإصلاح الأسيجة المتضررة الموجودة عَلَى جنباتِ الطرق، وَلاسيَّما الَّتِي تشهد زحاماً فِي الحركةِ لمنعِ المُشَاةِ مِنْ العبور عليها، وَيضاف إلى ذلك تطوير أداء القسم الْمُرُوري المعني بإدامةِ قاعدة البيانات الخاصة بحوادثِ الْمُرُور؛ لأجلِ تمكين الباحثين مِنْ تحليلِ الإحصائيات بقصدِ الوصول إلى معرفةِ أسباب الحوادث، وَتحديد الأماكن التي تتكرر فيها وقوع حوادث الْمُرُور، بغية العمل عَلَى إزالةِ الأسباب المؤدية للحوادثِ المُرُورية.
كوارث الدراجات النارية
اختار الكثير من العراقيين استعمال الدراجات النارية بسبب الفوضى التي عمت شوارع العاصمة والمحافظات في السنوات الأخيرة، لكونها وسيلة نقل عملية أرخص من السيارات وأقل تكلفة في استهلاك الوقود، لكنها تتسبب في الوقت نفسه بالازدحام المروري إلى جانب حوادث تحصد أرواح المواطنين بشكل يومي.
إذ يساعد ركوب الدراجات النارية في اجتياز نقاط التفتيش وتجعلهم لا يواجهون الشكوك التي يواجهها أصحاب السيارات التي تأخذ وقتا طويلا قبل أن تعبر الحواجز.
وما يدفع البغداديين الى اقتناء الدراجات النارية، هو أن ثمنها يعتبر زهيدا أمام ثمن السيارات التي يتراوح سعرها بين 20 ألف دولار و30 ألف دولار إذا كانت جديدة، كما إن ملكية الدراجات تبعث الانطباع بضعف حال مالكيها في مدينة أصبح امتلاك المال فيها مصدرا للخطر أمام ازدياد الجماعات المسلحة وعمليات الاختطاف وسرقة السيارات والمطالبة بالفدية.
وتنتشر مراكز بيع الدراجات النارية في منطقة الصدرية وشارع فلسطين ومنطقة "الرمبة" في بغداد. لكن صورة الازدهار بدأت تتراجع، لأن رجال الشرطة بدأوا يطبقون القوانين التي تفرض على مالكي الدراجات الحصول على أرقام ورخص تسجيل تعد مكلفة بالقياس إلى أسعار الدراجات ذاتها. كما لجأوا إلى منع الدراجات الصغيرة والبطيئة في الشوارع، قائلين إنها غير آمنة، فيما تتصاعد حوادث الدراجات النارية باستمرار.
من جانب آخر، يقول أمنيون إن الارهابيين بدأوا يلجؤون إلى استخدام الدراجات في عمليات التفجير، الأمر الذي بدأ يدفع رجال الشرطة والجيش إلى توقيف وتفتيش بعض الدراجات وسائقيها.
على الرغم من أن الدراجات النارية تبدو حلا سحريا للتنقل في شوارع بغداد المزدحمة خاصة في أوقات الذروة، لكنها تشكل في المقابل خطرا يوميا يحدق بالبغداديين بسبب عدم معرفة سائقيها بالطريقة الأفضل لتجنب الحوادث، إذ يصبح همهم كيفية تجاوز الجميع لأجل الوصول إلى المكان الذي يريدونه، وما يترتب على ذلك من عدم الالتزام بقوانين السير واحترام إشارات المرور، فضلا عن القيادة المتهورة للشباب المولعين بالسرعة والاستعراض. ولا تنحصر مخاطر الدراجات النارية في الحوادث المرورية ولكن انتشرت ظاهرة التحرش بالفتيات وإزعاجهن ثم الفرار، إضافة إلى انتشار ظاهرة السرقة بالخطف للمحافظ النسائية.
وأصبح انتشار الدراجات النارية يشكل ظاهرة اجتماعية ومرورية سيئة بعدما حصدت حوادثها أرواح الكثيرين وتسببت في إعاقات متفاوتة للبعض الآخر. وتقدر الجهات المختصة أن عدد الحوادث المسجلة يقدر بالآلاف سنويا، يتوفى على إثرها المئات من الأشخاص، وذلك راجع حسب رأيهم إلى أن سائقي الدراجات في بغداد لا يلتزمون بمعايير الأمان والسلامة، في حين يقول هواة قيادة الدراجات إن الأسباب الحقيقية لهذه الحوادث تعود إلى افتقاد العاصمة العراقية إلى أماكن وساحات مخصصة لقيادة الدراجات.
وفي فترة التسعينات من القرن الماضي فرض نظام المرور العراقي السابق على سائقي الدراجات رخص سياقة، وترقيم المركبات، لكن تطبيق القانون لم يحدث بصورة جدية على أرض الواقع بعد 2003، ما رفع من مستوى الفوضى في القيادة وارتفاع حوادث المرور التي يدفع ثمنها في الغالب المارة أو المصاحبون لسائقي الدراجات وعادة ما يكونون من النساء أو الأطفال.
وجهة نظر اجتماعية
ويقول علماء الاجتماع أن معالجة ظاهرة التهور في السياقة وخاصة في صفوف المراهقين ترتبط بوجود برامج توعية وإرشاد تلزم سائقي الدراجات باحترام القوانين والأنظمة المرورية للحد من تلك الحوادث التي أصبحت تشكل خطرا على المجتمع. كما أشارت تقارير لمنظمات دولية إلى أن عدد ضحايا الحوادث المرورية في العراق سجل نسبا عالية جراء أسباب عدة منها عدم الالتزام بمعايير السلامة والأمان وقلة الوعي لدى الشباب.