مجتمع مدني

*كلمة حركة الاحتجاج الشعبية: هوية الوطن جامعة للهويات الفرعية

يحييكم محتجو ساحات التظاهر وانشطة الاحتجاج المختلفة، ويتمنون لكم ولهذا المؤتمر الموقر النجاح والتوفيق.
ونود، بادئ ذي بدء، ان نقول ما تعرفونه جميعاً: ان الكلام يوشك ان يموت في هذا البلد، وان الكلمات المجردة أخذت في السنوات الاخيرة تخسر اهلها واقرب حلفائها، وان في التسويق السياسي السائد ينام الناس بلا مأوى، ولا كرامة.
الكلام الذي يغير الراي العام الحالي، ويؤسس لراي عام جديد، هو كلام قليل شحيح، واناسه قلائل شحيحون، ذلك ان افكاره والمبادئ التي يتحدث عنها تستند الى سلوك مصاحب لها وهذا ما لا نجده الا نادراً للأسف.
لقد مرً العراق منذ 2003 في واحدة من أسوأ مراحل العمل السياسي في تاريخه، عكس ما يتصوره المتحدثون عن دستور يضمن الحرية السياسية والفكرية. فقد جرى ليّ عُنُق هذا الدستور سياسياً في مفاصل عصيبة من مرحلة ما بعد 2003، وجرى تأسيس اعراف سياسية وحزبية مبنية على الفساد والمحاصصة والنعرات الطائفية والقومية، وعلى عبادة المال والاشخاص والولاء الخارجي، بدلاً من إقامة مؤسسات سياسية وحزبية تتمتع بنقد ذاتي وديمقراطية داخلية، وولاء وطني. فكانت هذه الاعراف احد اهم الاسباب الجوهرية لضعف ثقة المواطن بصورة عامة بمن يشتغل بالسياسة، وجرى الخلط في ذهنه بين السياسي المخلص الامين (وهو قليل ونادر)، والسياسي اللعوب الباحث عن السلطة الشخصية والمال (وهو الكثير السائد). وهكذا ارتبط العمل السياسي في وجدان المواطنين بمجافاة مطالبهم، وقامت الوعود الانتخابية امامهم على اللعب على الذقون، وتحوّل التفكير السياسي الى مهارات بيع وشراء، وتهديد وترغيب. وبدلاً من ان يقود العمل السياسي الشارع ويؤثر في تغيير القيم السلبية السائدة، اصبح هذا العمل عبداً ذليلاً للوعي الجمعي، لا يملك الرغبة في تغييره لصالح وعي بناء دولة، بل الطامة الكبرى ان العمل السياسي السائد اصبح هو من يغذي المشاعر الطائفية والعنصرية، ويحمي الجهل والامية ويعتاش عليهما، ويحرص كل الحرص على بقاء المواطن حبيس هويته الفرعية ونوازعه العنفيّة، مخوّفاً إيّاه حتى من نفسه ليبقى جاهزاً لأي حرب قادمة، حتى اصبح في داخل كل مواطن عراقي تقريباً نمر نائم ينتظر لحظة الصراع الدموي.
ايها السيدات والسادة
لن نتكلم في هذه الكلمة القصية على مطالب تظاهراتنا، سواء كانت المبدئية منها او المرحلية او حتى الحالية، فهي معروفة لكم ولسائر العراقيين. لكننا نريد ان نقول بوضوح ان التظاهرات ومجمل الانشطة الاحتجاجية السائرة في العراق منذ سنوات، وبالذات الحركة المطلبية المنطلقة منذ صيف 2015، لم تسع فقط لمناهضة نوعية العمل السياسي التي تحدثنا عنها آنفاً، وانما ارادت ايضاً التأثير في الوعي الجمعي السلبي السائد، وغرس بذرة الشعور بالمسؤولية داخل الفرد العراقي، لكي يغير واقعه عبر تحسين اختياراته الانتخابية، وتنبيه ضميره الى ان هوية الوطن جامعة للهويات الفرعية وليست نقيضاً لها، وانه لا خوف على العقيدة والدين والانتماء بكل اشكاله اذا أقمنا دولة مؤسسات تكافح الفساد ذاتياً وتحمي المال العام وتنبذ المحاصصة.
ولهذا لم يعبأ المتظاهرون ابداً بقلة عددهم وهم ينادون بمشروع خلق وعي وطني جديد بجوار مناداتهم المطلبية الملحّة، ومن هذا المنطلق بالذات نجد اهمية ان ينعقد مؤتمر يجمع القوى المدنية والوطنية والديمقراطية كهذا المؤتمر الكريم تحضيراً للتحديات القادمة، متأملين من أعضاء المؤتمر، أحزاباً وقوى وشخصيات مستقلة، ان يهتموا كثيراً بتأسيس الوعي الوطني الجديد بجوار كفاحهم لتحقيق مطالب الشعب العراقي التي عبّرت عنها الحركة الاحتجاجية، بما في ذلك إظهار عملٍ سياسيٍّ جديد كلياً، نغادر عبره مرحلة العمل السياسي المدمر، التي اوصلت العراق الى ما وصل اليه الآن.
وهنا دعونا نقول شيئاً نراه مهماً:
فبالرغم من تأكيدنا اهمية صياغة برنامج انتخابي جريء وواقعي، يحمل خصوصية التفكير المدني – الوطني المنادي بدولة المواطنة والمؤسسات، الا اننا نبقى نؤكد قبل ذلك وبعده ان السيرة الحميدة للمرشّح اهم من برنامجه الانتخابي، ومواقفه النقيّة في الحياة اهم من دعايته الانتخابية، فما نفع الشعار العظيم اذا كان حاملوه ممن تؤخذ عليهم المآخذ؟ وتثار عليهم الشكوك؟ وما نفع الكلام السياسي المنمّق بالنسبة لمواطن بلا سقفٍ وبلا مستقبل؟
هكذا ايها السيدات والسادة، نجد ان الكلام السياسي السائد يكاد يموت في هذا البلد، ولا بد من كلام سياسي جديد مبني اساساً على نوعية الاشخاص المتكلمين اكثر من وعية افكارهم نفسها، يعتمد على سيرهم، وماضيهم وحجم وطنيتهم. فقد مل الناس تخمة البرامج وندرة مطبقيها. وليكن شعار القوى المدنية والوطنية في الانتخابات القادمة: سيرتي برنامجي.
نبارك تأسيس تحالف القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، ونتمنى له النجاح والتوفيق..
ـــــــــــــــــــــــ
* القاها الشاعر والناشط فارس حرام