مجتمع مدني

منظمات المجتمع المدني: الواقع٬ الرهانات، الآفاق، الطموح، والمعوقات/ جواد وادي*

لا شك آن المجتمعات الناهضة والساعية للاستشراف على الألفية الثالثة بخطوات واثقة وببنى وآسس من شأنها آن تعيد بناء المجتمعات الخارجة من أنظمة شمولية قمعية لا تمتلك مقومات الدولة ولا تعرف ماهية القيم النبيلة لبناء المجتمعات الحديثة والعمل على بناء آجال بفكر متحرر من كل اشكال البطش واشاعة سطوة السياط واقصاء الآخر، وبمفاهيم تحيل التساكن مع كل مكونات المجتمع الى واقع حال وضرورة مجتمعية واخلاقية ودينية وحالة حضارية يؤطرها دعاة حقيقيون وبناة وطن جديد واعادة بناء مجتمع أنهكته المغامرات الصبيانية بعقلية البلطجية الغابرة٬ لا بروح تتحلى بالفهم الحقيقي لما يدور في العالم والتعايش مع مستجدات الراهن٬ بعيدا عن لغة (التكاون) وتدمير من لا يتفق معي٬ فكان هذا الذي حصل للعراق قدرا لعينا كلف العراق والعراقيين سنوات من العذابات والحرمان والجوع وتوقف التنمية وارتهان البلد ومستقبل أبنائه بيد اعداء نهوضه واعادة بنائه في شتى المجالات٬ وكأني بهؤلاء المتربصين بمستقبل العراق والوقوف دون نهوضه٬ خوفهم من عملاق مخيف٬ إذا ما نهض سيبتلع المنطقة اقتصاديا وتنمويا، وبقدرات بشرية مذهلة، و بطبيعة الحال وليس بقاموس القتلة الغابرين من جعل العراق محرقة للأعداء، بهتانا وعنجهية فارغة٬ فحصل ما حصل والبقية يعرفها الجميع ويعيها ذوو العقول الناهضة لتصحيح المسار، خلاف أولئك المتكلسين قصدا او تكوينا ٬ لأن أخطر ما يواجه العراق بعد خروجه من آتون الحروب والاقتتال والمحو الآدمي، هو التوجه الآخذ بالتعاظم والهادف الى حشر العراق في أقبية التخلف والسعي لإبقاء العراقيين في قمقم الظلام والأحجية واللامعقول٬ ويقينا ليس هناك بفارق بين تلك الأفعال المغامرة المدمرة وبين ما يفعله بعض الساسة وللأسف تحت حجج بالية٬ سترهن مستقبل العراقيين بحلقة مفرغة ليجد العراقي نفسه في دوامة لا نهاية لها وبون شاسع بين ما يحدث في العالم من تطور علمي وقفزات هائلة في كل مناحي الحياة العلمية والثقافية والتكنولوجية وعصر الغزو الالكتروني٬ ليظل العراقي في حيص بيص التخلف عن الركب الحضاري ليجد العراقيون أنفسهم في واد والعالم المتمدن في واد آخر، من حيث العيش في حالة من الانكماش الفكري والتقدم الحضاري واحداث قفزة نوعية في حياة الناس باتجاه الافضل من خلال الفهم الحقيقي لمفهوم العولمة٬ لخلق حالة من التلاقح الثقافي والاستفادة من الانجازات الانسانية الهائلة ويعتبر تعلم اللغات الأجنبية٬ وسيلة التواصل الوحيدة مع الآخر، وكما يقول المتخصصون ان من يتكلم لغة اجنبية واحدة غير لغته الام يعتبر في عداد الأميين، فلنقس اوضاعنا انطلاقا من هذا المبدأ .
عليه ينبغي التركيز وبقوة على منظمات المجتمع المدني٬ لأنها هي الكفيلة بإحداث نقلات نوعية ومتميزة وفاصلة لكل مناحي الحياة الانسانية٬ وهنا تكمن خطورة دورها وفاعليته٬ لأنها ببساطة شديدة٬ هي المؤهل الوحيد في انتشال المواطن العراقي على وجه التحديد من حالة التيه اليومي وعراكه المتواصل مع اكراهات الحياة وكوارثها٬ الى فضاءات أرحب لبناء الانسان والمجتمع٬ لتقوية قدرته للدفاع عن وجوده٬ لأن ازمة الانسان المعاصر٬ هي أمر كياني لا يمكن فصله عن تفاصيل الحياة اليومية٬ لأنها المرتكز والقنطرة الكفيلة من نقله من حالة الاقصاء والركود والتهميش الى حيث اطلاق مبادراته وقدراته حتى وان كانت بكفاءات أقل من المطلوب٬ لأن الوقت كفيل بتنضيج هذه الامكانيات٬ لبلوغ ذروتها إذا ما توفرت لها شروط التسيير والتواصل والدعم والاحتضان والدفاع عن المكتسبات المتحققة.
لكن مَن مِن ذوي سلطة القرار في العراق يسعى بروح المواطنة الصادقة سعيا لامتلاك المواطن العراقي ناصية القرار ونحن نعيش عراك الديكة اليومي لا لبناء الانسان واعادة ترتيب أوراقه المبعثرة٬ بل باتجاه لخبطة الامور عليه ليختلط عنده الحابل بالنابل وبالتالي يضيع عليه الخيط والعصفور وكأني بهم يريدون ابقاء العراقي تحت رحمة التكالب على السلطة ونيل الامتيازات.
مطلوب منا جميعا، أفرادا وجماعات وسلطة قرار أن نرعى العمل الجمعوي من خلال منظمات المجتمع المدني و ما تستحق من اهمية وحظوة من لدن الحريصين على احداث نقلة نوعية في حياة المجتمع٬ سيما ونحن نعيش في مجتمع تحاصره النكبات منذ أكثر من خمسين عاما وما فتئت تكبله المحن والخسائر. فهل نستكثر عليه آن يعيش في بحبوحة من الأمان والرفاه بعد أن عانى ما عاناه من كبوات ودماء ومحو وما زال يعيش في دوامة المحو اليومي على أيدي القتلة والمجرمين المتربصين به ويبيحون سفك دمه الطاهر بشتى اسلحة الفتك اليومي.
أن شعبا أبيا كالشعب العراقي عانى ما عاناه طيلة حقب الخراب٬ حري بكل الوطنيين الأحرار لإطلاق مبادراته وطاقاته٬ خصوصا وأنه يحتكم على ارث حضاري وانساني تتباهى به امم الكون. انها لمفارقة عجيبة أن يظل من ابتكر ابجديات الحياة الاولى وبث الاشعاع الانساني للمعمورة وشعلة المعرفة بعتباتها الأولى، فأخذت منه الامم اشراقات انسانية نادرة٬ في حين بقي هو يتخبط في معترك العيش اليومي وترك خلف ظهره مجبرا ارثا حضاريا عظيما؟
بعد كل ما تقدم٬ بات من الضروري والحتمي والاستعجالي آن نطلق مبادرات العراقيين من خلال منظمات تحظى بالمصداقية وتعتبر اليوم هي البوتقات الحقيقية لاحتضان العراقيين وخصوصا الشباب منهم٬ لإعادة بناء الذات المنكسرة على أسس حضارية وبعقلية متمدنة بعيدا عن الارث الرث الذي خلفه لنا القتلة٬ ومن جهة أخرى بات مطلبا اخلاقيا وقانونيا أن تلتفت الدولة بكل مؤسساتها وخصوصا المتخصصة في هذا الشأن كما نحن عليه اليوم من هذه الالتفاتة الخيرة من لدن القائمين على سير عمل المنظمات مع تكريس مبدأ الصرامة في التسيير لا بمنطق العصا والجزرة٬ لأن ذلك العهد قد ولى٬ إنما بعقلية جديدة هدفها الرصد الموضوعي لعمل هذه المنظمات وعقد ندوات مستمرة وخصوصا من خلال الاعلام للتعريف بعمل هذه المنظمات واهدافها ومراقبة نتائجها٬ لأن هذه المنظمات ذات حدين خطيرين٬ سلبي وايجابي٬ وبالتالي تضيع المنفعة وخلق حالة من الفوضى والارتباك لئلا تختلط الاشياء٬ سيما أن هناك من يتربص لعمل هذه المنظمات خوفا من آن اطلاق المبادرات القانونية الفاعلة من شأنها أن تسحب البساط من تحت أقدام السياسيين٬ وهذا غير صحيح على الاطلاق بالنسبة للوطنيين من الساسة ولا نعني الطارئين٬ لأن هؤلاء لا يفكرون إلا بعقلية التخريب من مبدئهم سيء الصيت٬ «عليّ وعلى أعدائي».
أن للإعلام دور خطير وفاعل في وضع المواطن الساعي للعمل الجمعوي الحقيقي في الصورة٬ وعليه بات من اللازم تخصيص برامج توعوية مستمرة بتقديم كل أنواع المساعدات لمن يريد تحصيلا معرفيا ويجند طاقاته في هذا المجال.

تعريف بمنظمات المجتمع المدني مع تسليط الضوء على الأهداف وأهم المعوقات:

ماذا نعني بمنظمات المجتمع المدني؟
يبدو للقارئ والمتابع أننا حين نقول مجتمع مدني٬ يعني ما وصل إليه النسيج المجتمعي من تقدم حضاري وتنموي ونقلات نوعية في شتى مناحي الحياة٫ لينسحب على كل تفاصيل اليومي المعاش٫ حسيا كان أم كيانيا٬ بعيدا عن منطق السطوة والقوة والاقصاء٬ واعتبار الانسان هو الرأسمال الحقيقي في كل تنمية تسعى اليها الدولة والمجتمع من أجل البناء الحقيقي للانسان.
وهنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني الخطير في التنمية البشرية وتخليق وترشيد الفعل الوطني المؤثر والفاعل لكل المواطنين٬ ليشمل كل التخصصات والفعاليات المهنية دون استثناء٬ بمعزل عن سلطة وسطوة القرار السياسي٬ وباستقلالية عمل بعيدا عن التأثيرات من أي نوع كانت٬ وهذا يعني إذا ما كان سعينا الوصول لبناء مجتمع يواكب التطور العلمي والثقافي والتكنولوجي٬ أن نساهم وبقوة في دعم جهود هذه المنظمات التي تعد اليوم المدرسة الحقيقية لتخريج أجيال تتحلى بروح المواطنة الحقة والحريصة على بقاء النسيج المجتمعي منحازا للوطن دون غيره من الأهداف المعلنة والمستورة٬ بعيدا عن الفئوية والتحزب والطائفية وما سواها من عوامل هدم خبيثة للقيم الوطنية٬ فكريا ووطنيا وثقافيا من شأنها تعطيل الكفاءات الحقيقية للمواطن.
ان منظمات المجتمع المدني تلعب دورا هاما للبناء في مجتمعات العالم الحر لتحقيق غايات وأهداف تنموية فاعلة٬ وصولا لبناء القدرات المؤسسية لمنظمات المجتمع المدني واطلاق المبادرات٬ فردية كانت ام جماعية٬ للمساهمة في عملية التنمية المستدامة.
يعرف المتخصصون هذه المنظمات بأنها "مجمل التنظيمات التطوعية الحرة التي تشمل المجال الحياتي العام الموزع بين الاسرة والمجتمع والدولة٫ لتحقيق مصالح أفرادها في القبول والتعايش والتساكن السلمي"
وهذه القيم النبيلة والخيرة التي اقرتها جل دساتير العالم المتمدن تعتبر نواة المجتمعات المتحضرة الحديثة٬ اذا ما اريد لها أن تعيش بسلام وحرية وتساكن وقبول، بعيدا عن المنغصات من لدن هيئات وافراد لا يروق لها مثل هذا الوئام المجتمعي الوطني البهي٬ فتسعى لبث سمومها لتمييع دور هذه المنظمات واقصائها من المشهد الوطني٬ مخافة آن هذه المنظمات قد تسحب البساط من تحتها وتفضح الاعيبها التخريبية وبالتالي كنسها من المشهد بعد فضح مآربها وأهدافها الخبيثة.
وهذا وللأسف الشديد هو واقع الحال في الكثير من الدول لوضع العقبات أمام هذه المنظمات للحد من فاعليتها وتأثيرها على نوايا الساعين للخراب والفساد.
كما هو معروف أن هناك العديد من التنظيمات الحزبية أسست لها منظمات أسمتها بالمدنية وأنفقت عليها ولا زالت أموالا طائلة لتكون توابع لهذه الأحزاب تقودها وتكون مسؤولة على أنشطتها وأدرجتها ضمن منظمات المجتمع المدني وهذا يعتبر تجاوزا وتحايلا على القانون ومن جهة أخرى نجد آن الدولة على دراية بهذا التجاوز الخطير وتغض الطرف عنه.
أن منظمات المجتمع المدني تعتبر ركيزة أساسية لبناء المجتمع المدني لتمتين النسيج القانوني والحضاري واتاحة الفرص لإطلاق المبادرات الذاتية نحو تفجير الكفاءات والقدرات الانسانية لبناء مجتمع تسوده القوانين المدنية وشرعية الحكم الديمقراطي المبني على أسس كونية للبناء الديمقراطي والانتقال السلمي للسلطة بين الأفراد المعنويين والاحزاب، بحيث يعود من العسير انتشار ظواهر الهدم التي تسود مجتمعاتنا من تجاوزات على الحريات العامة وممارسة الشطط اليومي للسلطة وانتشار الفساد والرشوة والتلاعب بالمال العام واقصاد حاملي الفكر المناهض للآخر وغيرها من السلوكيات التي تحمل في ثناياها ازاميل الهدم والانهيار الاجتماعي والقيمي، طال الوقت أم قصر.
ومن أهم العوامل التي تساعد على وضع أسس البناء الحقيقي والمتين للنظام المؤسساتي للدولة بمكوناتها بما فيها منظمات المجتمع المدني هو سياسة الانفتاح على ثقافات مختلفة لأمم وشعوب العالم والتبادل المعرفي والثقافي لإغناء التجربة ومنح الأفراد حصانة فكرية وقانونية من شأنها أن تكون مصدر قوة وتماسك، لإثراء التجربة والوقوف بحزم إزاء محاولات التمييع التي تعانيها هذه المنظمات في العديد من دول العالم النامي بوضع خطوط حمراء أمامها إن هي تجاوزت ما مرسوم لها وهذا يعتبر تدخلا سافرا ومرفوضا يعيق وبقوة عمل المنظمات ويفرغها من محتواها وينزع عنها صفة الاستقلالية والبناء الذاتي، واذا ما باتت هذه المنظمات مقيدة بأغلال السلطة القمعية آو الأحزاب الحاكمة والتي لا تعي خطورة أفعالها هذه، فإنها يقينا تؤسس لمشروع هدم مرتكزاتها بوعي منها مع سبق الاصرار، وهنا يكمن الجهل الذي يوزع الخراب على كل مفاصل الدولة.
إن ورقة العمل التي قدمتها وزارة الثقافة العراقية متمثلة بدائرة العلاقات الثقافية العامة للمنظمات غير الحكومية والمشتملة على محاور الملتقى تعتبر بحق من الناحية النظرية مبادئ رصينة وفاعلة اذا ما تم تطبيقها بالشكل الذي طرحت فيه ودليل عمل للمنظمات يوضح الطريق السليم ويضع عمل المنظمات على سكة العمل المثمر، نذكرها هنا تعميما للفائدة ونحث على تبنيها كملفات ينبغي على المجتمعين وذوي الشأن الالتزام بها والحرص الشديد على تفعيلها واغنائها، لما لها من اهمية قصوى وهي:

1-ـ معالجة المفاهيم والطروحات المستحدثة، مثل حوار الثقافات والتنوع الثقافي والحضاري والفجوة الرقمية والعولمة في مجمل نظم واتجاهات المجتمع المدني.
يلاحظ المتابع آن هذا المحور بحد ذاته يحمل بين طياته ملفات في غاية الأهمية لجعل عمل المنظمات يسير على خطى رصينة وبمسارات موضوعية يتطلبها العمل الذي يؤسس لمفاهيم قد تكون غائبة عن العديد ممن يعنيهم الأمر.
تتضمن هذه الثيمة اربعة محاور، تعتبر اليوم هموما كونية للانتقال الى الضفة الأخرى للعالم المتمدن والخروج من قمقم التخلف والحصار والحؤول دون الاستشراف على المستقبل الواعد وبخطى واثقة ووئيدة.

2 ـ الارتقاء بالتعاون الثقافي من مستوى التبادل إلى مستوى التنسيق والتكامل لبناء مجتمع المعرفة الذي ينبذ كل اشكال العنف والطائفية.
وهذا الملف بدوره من آههم وأخطر الملفات لمعرفة ماهية المهام المناطة بعمل الجمعيات، فالعمل المطلبي والحفاظ على المنجزات الديمقراطية وما تحقق من نقلات نوعية في البناء، يتطلب بناء الفرد ليتمكن من امتلاك ناصية المبادئة والحرص على الحفاظ على المنجز بامتلاك سر ديمومة العمل ذلك هو البناء الفكري والثقافي والسعي لتمتين فكرة التلاقح الثقافي والاستفادة من المنجز الانساني بتجاربه الثرية وتحديدا في هذا المضمار، لأنها الحصانة الحقيقية للحفاظ على الجهود المبذولة وصولا إلى نشر الوعي المجتمعي باتجاه رفض كل أنواع العنف والطائفية والتفرد بالقرار وهي العوامل التي تؤدي دون شك إلى الهدم وضياع كل النتائج المتحققة وبكل بساطة، لأن عملية البناء من أهم وأخطر الأمور خلاف مساع الهدم التي تعد من السهولة بمكان وشتان بين الحالتين، وهنا يتضح ما للدور المتعاظم لهذه المنظمات.

3 ـ تنمية الثقافة المعاصرة والاستفادة من الثقافات الحديثة في ارساء قيم وطنية عالمية لدى جيل المهاجرين تحفظ الهوية الوطنية ولا تتقوقع على ذاتها.
لا تختلف هذه النقطة عن سابقتها الأولى، إنما ما يميزها هو التأكيد على جيل المهاجرين الذين اصبحوا الآن أجيالا وصل ترتيبهم للجيل الثالث ولا يعرفون من الوطن سوى الاسم بعد أن تشبعوا بثقافات المجتمعات التي ولدوا وترعرعوا ودرسوا فيها، فلا غرو إذن أن يكونوا جزءا من تلك المجتمعات بانصهارهم في كل تفاصيلها، لتصبح مهمة الحفاظ على انتمائهم الوطني من اصعب وأخطر المهمات، لكننا ومن خلال تجاربنا الشخصية وليس كلاما نظريا بدون اسانيد، نلاحظ أن أباءهم سعوا وبقوة ببقاء هذه الاجيال بانتمائهم الوطني وارتباطهم بوشائج لا انفصام في عراها بالقيم العراقية والمواجد الوطنية، الا في حالات نادرة، وهنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني العراقية في الحفاظ بروابط قوية ووشائج لا يعتريها الفتور في تربية وتوجيه و تثقيف هذه الشريحة والتي باتت تعد بالآلاف مع دور العائلة الفاعل بطبيعة الحال، ولا أخفيكم سرا وبشهادة المجرب آن هذا الجيل الأخير له من الحس الوطني ما يفوق من سبقتهم من الأجيال ولا نعرف سرا لذلك، حين نجد شبابا غضا وبعمر الزهور بوصلتهم هي العراق ونوازع احساسهم تنتمي للوطن وبحماس المدافع عن تلك الروابط التي اعدها أنا شخصيا أنبل وأنقى وأكثر وطنية وشهامة من سياسيين يحرثون الماء ليل نهار لنهب العراق واشاعة قيم الفساد والخراب وبقاء يتخبط في مشاكله لتظل البلاد في اتعس من حالاتها.

4 ـ مساهمة الثقافة في التنمية المستدامة والتأكيد على كونية القيم وابعادها الحضارية من خلال مراجعة الدور (اجهزة الاعلام) وادائها في تبنيها لخطاب تنويري يتميز بدوره التثقيفي.
لا يخفى على أحد ما لدور الاعلام من لعب دور توعوي وتثقيفي بأهمية وجود مثل هذه الجمعيات وشرح دورها الكبير في البناء المجتمعي وبث الوعي الجمعوي الوطني والحفاظ على الهوية الاصيلة، لا بثوب الطائفية والتعصب الأهوج، بل بروح وطنية تثري العمل الجمعوي الحقيقي. وهنا نؤكد على عدم قيام أجهزة الاعلام المقروء والمشاهد والمسموع بدوره في نث روح الوعي الجمعوي بين المواطنين وخصوصا الشباب منه وفتح دورات تدريبية لثقيف الاجيال بخطورة العمل الجمعوي.

5 ـ انجاز مشاريع نموذجية تتجاوز المستوى المحلي والقومي لتتخذ ابعادا عالمية ولا سيما ان التطور لا يترادف مع النمو الاقتصادي وحده ولا يمكن بالتالي فصل التنمية عن الثقافة.
من خلال ما تقدم من عرض واضاءة لهذه المحاور لتأطير عمل الجمعيات، بودنا أن نطرح سؤالا عريضا، ذلك هو أن من هيأ لهذه المحاور الفاطنة والهامة ونحن معه طبعا هل فكر أو أعد في برنامجه آليات تطبيق مثل هذه الملفات آو حتى الاقتراب منها، لما تتطلبه من امكانات بشرية ومادية وقانونية ورعاية واجبة الالتزام بها من لدن الجهات الراعية؟

إن واقع حال منظماتنا في واد وما نسعى اليه في واد آخر، ، لقد بذلنا جهودا مضنية وطرقنا ابوابا عديدة لدعم جزء من عملنا لخدمة جاليتنا العراقية، وانا اتكلم عن تجربتنا في المغرب، الا أننا وجدنا كل الابواب موصدة، وبقيت تجربتنا يتيمة تعتمد على امكانيات فردية متواضعة للسعي لخلق حضور متميز وغير محدود في الوسط المغربي، الذي هو بدوره يتساءل عن دور الدولة العراقية من دعم أنشطة جمعيتنا بحراكها الراصد للفعل المجتمعي والثقافي وبشهادات مبدعين مغاربة.

هنا يتضح دور المعوقات الكثيرة والتي تحول دون الوصول للأهداف لخدمة الجالية العراقية والسعي لجعل الجمعية خير سفير للوطن من خلال عقد شراكات وتأسيس قيم للتفاعل الثقافي والمجتمعي، ولكن تبقى الجهود البصيرة والمحملة بالعطاء ولكن بإمكانات يتيمة ولا تغطي أقل الأنشطة تكلفة.
عليه ارى من الضروري اعتبار هذه الملفات منهاجا ودليل عمل لكل المظلمات مع تسهيل مسألة منح العضوية لهذه المنظمات من قبل الوزارة الوصية وتقديم كل انواع الدعم للقيام بالمهمة على الوجه الأكمل.
وهنا فنحن نرمي الكرة في ملعب من يرعى هذه المنظمات ويدعمها ماديا ومعنويا وقانونيا، لنخلي مسؤوليتنا، لأن يدا واحدة لا تخرج صوتا إذا ما كانت اليد الأخرى مقطوعة أو يسعى الآخرون لشلها.
كما لا يخفى على أحد بأن المجتمع المدني المراد بناؤه، يقوم على النظام المؤسساتي الخاضع لسلطة القانون المستقل وغير المسيس، ومثل هكذا بناء لا ينجز على أمزجة وأفكار وأجندات تنافي روح القانون المسير لهذه المنظمات وتفرغ عمل هذه المنظمات من محتواها الانساني وصولا لأهدافها التي نذر أفرادها أنفسهم لتأسيس تقليد ديمقراطي من شأنه أن يحدث طفرات نوعية في بنية المجتمع العراقي، هذا في داخل الوطن، أما عراقيو المهجر، فهمتهم هي الأصعب لأنهم بعيدون عن الوطن وانشغالهم الرئيس بلم جمع الشتات العراقي الذي تفرق تواجدهم مئات الكيلومترات بحيث يعود من العسير القيام بالمهمة على الوجه الأكمل، ثم تطغى حالة تنوع القناعات والانتماءات والافكار وحتى آحيانا طغيان الضغائن وعدم تحرر الانسان من حفريات قوية بداخله، تكون مبعث شك وتهاون ويأس وعدم رضا وغيرها من الامراض المجتمعية المنقولة في بلد لا يعرف مثل هذه المثالب، فكيف والحال هذه يتسنى لنا العمل لجمع كل هذا التبعثر الكياني والثقافي؟
ناهيكم عن العوز المزمن في الامكانيات لمنظمتنا في المغرب على سبيل التعميم، واسرد لكم هذه الحالة التي تظهر الخطين المتناقضين بين ما نسعى اليه وما يفكر به القيمون على هذه المنظمات تطبيقا لقوانين لا يصدقها عاقل:
حين هيأنا ملف الجمعية قبل سنوات وكلفنا السيد رئيس الجمعية بمراجعة الدوائر المختصة في بغداد باعتماد الجمعية كإحدى منظمات المجتمع المدني والاعتراف بها، كان الجواب الغريب آن علينا أن نبحث عن جمعية في بغداد لنمثلها في المغرب.
طيب ما علاقة جمعية موجودة في المغرب وتعمل على التراب المغربي وتمثل عراقيي المهجر هنا ولا علاقة لها بداخل الوطن من حيث التسيير والارتباط بالجالية وكل نشاطها مركز هنا في المغرب، ليطالبونا بالبحث عن جمعية داخل العراق والانخراط فيها لنكون تابعين لها في المملكة المغربية، ما علاقتنا بمنظمة تعمل في داحل العراق لنكون فرعا لها في المغرب، هل من تفسير لهذا الطلسم العصي على الفهم والتفكيك؟ وبالتالي حرمنا من الدعم المادي والقانوني في الوقت الذي نعتبر أنفسنا سفراء حقيقيين لبلدنا في المغرب وحضورنا القوي معروف هناك وغير معترف به وطننا الأم. المطلوب حل هذا الالتباس ومراجعة القانون المنظم لتأسيس الجمعيات.
إن العراقيين المقيمين في المغرب منذ اواسط السبعينات وقبلها، هم الجيل الأول من المهاجرين، لأسباب متعددة من أهمها الهروب من الملاحقات القمعية للنظام الفاشي المنهار أواسط السبعينات والتي بلغت ذروتها نهاية السبعينات، بالإضافة الى وجود أفراد آخرين لأسباب اقتصادية او دراسية وغيرها، واليوم وقد وصلنا الى الجيل الثالث الذي لا يعرف عن الوطن غير الأسم، فقد ولد وتربى وترعرع ودرس في المغرب، ومهمة الحفاظ على انتمائهم العراقي تواجه صعوبات عدة وهذا امر طبيعي، لكن تشبث العوائل العراقية بوطنها رغم بعد المسافات وضعف حبل المودة مع الاهل والاحبة لأسباب درجنا عليها، دفعهم لتربية أبنائهم على ذات القيم العراقية النبيلة، ولعبت جمعيتنا منذ تأسيسها دورا رياديا في تقريب هذه الاجيال فيما بينهم وبناء علاقات مودة بين هؤلاء الشباب وبمساعدة العوائل طبعا، واليوم بهم شوق لزيارة الوطن لكن العائق المزمن هو عدم حصولهم على جواز السفر لعدم وجود ما يسمى بالمنظومة في المغرب، فبقي معظمهم محاصرين، لأن المغرب لا يمنح الجنسية لمن يولد هنا من أبوين غير مغربيين. أتدركون اذا حجم المعاناة، زد على ذلك موضوعة المنح الدراسية. فأبناء العراقيين الذين يدرسون هنا لا يحصلون على منح دراسية وتتكفل العائلة وحدها رغم ضائقتها المالية اعباء الدراسة المرهقة، علما ان جمعيتنا سعت مع السلطات المغربية لحصول هؤلاء الطلبة على منح لا تتعدى ال80 دولار شهريا فقط لا غير. اننا لا يمكن آن نفي هذا الموضوع حقه من الدراسة والبحث عن المعالجات والعقبات التي تواجهنا، لأنه شائك حقا، لكننا نأمل آن تلتفت الدولة العراقية متمثلة بالوزارة الوصية ودوائرها المختصة بوضع الحلول الناجعة لحل هذه الاشكالات المستعصية.

لم يبق لنا الا ان ندرج هذه المبادئ المهمة التي تضمنتها مقالة الاستاذ الفاضل احمد عبد الأمير الأنباري لأهميتها والتي يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تتبناها لما لها من دور كبير وخطير لتكون منهاج عمل يتم السهر على تطبيقه لكيلا لا تكون مثل هذه الملتقيات مجرد بهرجة اعلامية ونحن موقنين أن هناك حرصا وسعيا حقيقيين لتفعيل ودعم ومباركة الفعل النبيل لهذه المنظمات، وهذه المبادئ هي:
1ـ تعريف المجتمع بمزايا الخيار الديمقراطي.
2ـ الدفاع عن الديمقراطية، بفعل العلاقات التأثيرية المتبادلة بين الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني، البيئة الطبيعية لوجودها والمؤاتية لترسيخها وتطورها.
3ـ التثقيف بشأن القواعد الحاكمة والراعية للممارسة الديمقراطية واهمية سيادة القانون واقامة دولة المؤسسات.
4ـ التعريف بمبادئ حقوق الانسان وضرورة احترامها والدفاع عنها.
5ـ نشر ثقافة التنوع.
6ـ نشر ثقافة الحوار والبناء والتفاوض سبيلا لحل النزاعات.
7ـ نشر ثقافة القبول بالآخر الذي نختلف معه.
8ـ نشر ثقافة الوحدة الوطنية وتوحيد الولاءات القبلية والعشائرية تحت راية الولاء للوطن.(ونبذ كل انواع المناطقية والطائفية والتعصب الديني والمذهبي)
9ـ العمل على فضح الممارسات الخاطئة في مؤسسات الدولة، بما فيها الفساد الاداري والمالي.
10ـ التعريف بأهمية الحفاظ على المكتسبات التي تحققت والعمل على تصويب الأخطاء التي رافقتها.
وأخيرا نأمل صادقين أن تجد ملفاتنا المعلقة هذه الآذان الوطنية الصادقة، خدمة للصالح العام.

*المسؤول الاعلامي لجمعية الرافدين في المغرب