فضاءات

في الحلة .. عائلة تعيش تحت الجسر! / طارق حسين

قصة حقيقية تحكي مأساة عائلة عراقية بعد ان عانت شظف العيش فضاقت بها ارض البلد، الرحيل للسكن تحت جسر في مدينة الحلة وهو (جسر الهنود) ظنا منها بعدم عائديته للعراق، والبطل الرئيس فيها امرأة لم تزل على قيد الحياة !
كان يمكن لها ان تأخذ حقها في الحياة، مثلها مثل الأخريات (المسعدات) على حد وصفها، لولا غياب العدالة، والمساواة بين ابناء البلد.

حكايتي مع الزمن

تقول ( رباب ) التي بلغت عقدها السادس، وهي أم لابنتين، وأربعة أولاد، تتراوح أعمارهم بين الخامسة والخامسة عشر.
«قبل اكثر من ثلاثين عاما، تزوجت من رجل فقير كان يعمل سائقا في بلدية الحلة، ولم يكن راتبه الشهري كافيا لعيشنا، خاصة بعد ان أصبح لنا ابناء، ما اضطر زوجي لترك الوظيفة والعمل في السوق، على امل تحسين وضعنا المعيشي، لكنه أصيب بمرض عضال ولم يعد قادرا على مواصلة العمل.

يافرحة مادامت

وتتابع رباب حكايتها « بعد 2003، فرحنا كثيرا لان الحال سوف يتغير ونعيش حياة كريمة، خاصة وان الحكومة اصدرت قراراً يسمح بعودة الموظف المنقطع عن الخدمة بغض النظر عن الأسباب، لكننا الوحيدون من بين الالاف لم نستفد من القرار، ركضنا بين الدوائر لعودة زوجي للوظيفة جاءت بدون فايدة لان ماعدنا واسطة من الاحزاب في الحكومة - وبدلا من ذلك خطفه الموت لنبقى دون معيل ولامورد شهري بعينينا.

على درب اليمرون!

وقد أوضحت رباب بلغة لا تخلو من السخرية عن اختيارها هذا المكان بقولها «انه المكان الوحيد الذي يمنحنا الأمان، حيث الناس، وحركة السيارات، وزحمة السوق، ولعدم عائديته لأية جهة حكومية يمكن لها ان تخلينا منه بالقوة, وهو أولا وأخيرا جسر الهنود وليس جسر العراقيين»!
وتضيف قائلة: لا املك المال كي استطيع دفع ايجار بيت ، فالايجارات مرتفعة جدا ، وانا لا املك قوت يومي واولادي فكيف استطيع دفع الايجار؟
حديث هذه المرأة المسكينة كان مشتتا لشعورها بالضعف وهي تعيل ستة اولاد، في بلد لم يؤمن مصدر عيش لها ولعائلتها، فهي لم تشمل واي من أفراد أسرتها بقانون شبكة الحماية الاجتماعية، رغم حاجتها الماسة له لكونها ارملة والمعيلة الوحيدة لعائلتها، ولم تستلم مفردات الحصة التموينية بسبب احتراق المستمسكات الأربعة) في حادث مأساوي تعرضت له قبل مجيئها هي وعائلتها الى هذا المكان، وقد تعبت من كثرة المراجعات لشمولها براتب الرعاية الاجتماعية او الحصول على المستمسكات الاربعة التي تضمن لها الحصول على مفردات البطاقة التموينية.
عند مغادرتي هذه العائلة في مقر اقامتها تحت الجسر، تساءلت مع نفسي: لو لم يقضم الفساد نصف ميزانية العراق، ولو تم توزيع الثروة بشكل عادل بين جميع ابناء الشعب، هل ستواجه رباب وممن هم على شاكلتها مثل هذا المصير الذي لا يليق بإنسانية الإنسان؟