فضاءات

تعقيب على الحلقة 5 من انصاريات لناظم ختاري / كفاح جمعة كنجي

لابد ان احييك اخي وصديقي العزيز ناظم لاستمرارك تدوين الذكريات الممتدة لأكثر من 33 عاما . (حلقتك الخامسة من انصاريات) عن حكاية وصول اول مفرزة للأنصار الى مناطقنا ،مناطق الايزيديين في دشت الموصل ،و ذلك في اوج قوة مخابرات وأمن نظام صد ام ووحشية البعث البغيضين. اتذكر جيدا حين وصل ذلك الشاب المليء بالحيوية وهو جندي مكلف بزيه العسكري لمنزلنا في الموصل- الموصل الجديدة.
وبعد 33 عاما على تلك الايام الصعبة والخالدة ، وقفت امام عين الشخص من جديد في دوغات في احتفال (يوم الشهيد الشيوعي) حين اعتلى المنصة كعريف في شهر شباط من هذا العام 2013 كان (سمكومراد عبو)** هو هو لم يتغير شيء من جوهره. واعترف بانني لم اكن لا تعرف عليه لولا استفساري عنه من الشخص الذي بجانبي، وبانتهاء الحفل اقتربت منه وسألته إن يعرفني؟؟ اجاب بلا . وحين أججت ذاكرته لواقعه الحادثة التي دونتها يا ناظم من( انصاريات الحلقة 5) شبكني بقوة وشبكته وعانقته بدوري للحظات طويلة كان لقاءاً رائعا حقا.
بالعودة للموضوع كانت اول مفرزة انصارية وصلت للمنطقة وكانت بدون سلاح. ومع وصول( سمكو مراد عبو )**لمنزلنا وهو يحمل البريد والصور عرفته رغم انني التقيه لأول مرة ، حيث كنا في اعدادية صناعة الموصل - قسم الميكانيك معا ،لكن حينها لم تكن لدينا صلات شخصية او حزبية ، تأكدت من ملامح وجهه انه كان معنا في الاعدادية وقد سأل هو بدوره والدي إن كُنت في تلك الاعدادية ام لا؟ اثناء احضاري له الماء .ابلغنا سمكو بان صباح-باسل يريد النزول لعدة ايام وانه بانتظارنا اليوم .

كان الثامن عشر من تموز من العام 1980 بالتحديد .واتفقت مع سمكو بعد مغادرته المنزل لوحده ان التقيه في كراج البلديات في راس الجسر القديم في الثامنة مساءا ،وهناك استقلينا سيارة اجرة خصوصي الى دوغات وعند المفرق المؤدي لدوغات طلبنا من السائق التوقف واخبرناه برغبتنا في قطع ما تبقى من الطريق سيراً على الاقدام، و عاد هو بأدراجه نحو الموصل.
فرش الظلام عتمته للتو ،نزلنا باتجاه القنطرة التي تربط جهتي الشارع ،كان ناظم في اعلى الوادي الذي يشق القنطرة تماما وصباح وابو خلدون ابتعدا قليلا اسفل الوادي وبعد ان تأكدوا اننا الاشخاص الذين هم بانتظارهم اطمئنوا وتقربوا عانقناهم بحرارة واتجهنا بعيدا عن الشارع، وعاد سمكو الى قريته دوغات.
امضينا وفيCant Dugate_(كَ نت دوغات-هضاب دوغات) تلك الليلة الشديدة الحرارة معا دون اي قطرة ماء وقد عاتبتهم بشدة على قدومهم هكذا بدون اي قطعة سلاح.. وكنت قد جلبت معي بعض الخضروات وقليلا من الاكل كي لا يجلب الانتباه، ووضعت سكينا صغيرا مع الخضروات كانت (سلاحنا) الوحيد تلك الليلة .
تناقشنا خلال الليل في امور عديدة منها اعادة تنظيم اتحاد الطلبة العام ، وتنظيمات الحزب في جامعة الموصل .
وفي تلك الليلة تأكدت منهم حول استشهاد اول شهيدين في حركة الانصار( ابو فالنتينا -خليل سمو، وابو سمرة -كواش خدر) وهما من بلدتي بحزاني التي تحملت كثيرا من بطش الدكتاتورية والحكومات المتعاقبة على البلد قبلها كما حال العراق بأكمله.
اتفقت معهم على ان ارسل لهم سيارة حال عودتي للموصل على ان يبقوا في اماكنهم.
لم انام تلك الليلة وفي الرابعة صباحاً وقبل بزوغ الفجر قررت ان اعود الى الشارع كي لا يراني احد واثناء توجهي باتجاه الشارع بالقرب من القنطرة كانت سيارة من نوع لادنكروز التي تستخدمها اجهزة الامن قادمة من القوش ومن حسن الحظ حال رؤيتي للسيارة كنت اسفل الوادي وبرغم قربي الشديد من الشارع استطعت أن الجأ لالتواء في الوادي لا يمكن للمارين على الشارع رؤية من فيه .حبست انفاسي كثيرا لدقائق حتى تمر بسلام.
على الشارع احسست بالاطمئنان اكثر وانا جاهز لأي سؤال رغم اني ازور المنطقة لأول مرة ولا اعرف احدا فيها معرفة شخصية على الاطلاق.
قدمت سيارة بيكاب يستقلها شخصان ورفعت يدي فتوقفت السيارة فعلا ، وبعد القائي التحية عليهم قلت انا ذاهب الى الموصل هل بالامكان ان أأتي معكم رجاءا ؟؟سألني السائق ماذا تفعل في هذا العراء وفي هذه الساعة من الفجر؟؟ اجبته والله يا أخي انتظرت سيارة الطماطة التي اشتريت حمولتها ولم يأت صاحبنا على موعده لذلك سأعود معكم .. ولو وجٌه لي أي سؤال آخر كأن من السائق؟ واي سيارة؟ واي فلاح هو؟ ومن اي قرية؟؟ لكانت الامور (اِنلاست) لأني لا أمتلك اي اجابة لها ،قال زين ( آخذ منك ربع دينار)! اجبته على الفور ماكو مشكلة وقفزت الى حوض البيكب كالعصفور ولم اسالهم عن ماء للشرب برغم العطش الذي هدني، لكي لا أجلب انتباههم وقلت مع نفسي لو اعطوني ماء مهما كانت كميته لشربته لشدة عطشي وذلك سيجلب انتباههم وعلّي تَحمل العطش الساعة القادمة ايضا .ومررنا بسيطرة تلكيف بسلام رغم وجود حَرسين أحدهم شرطي امن والاخر انضباط عسكري..ولم أتعرض لأي سؤال.
وفي منطقة المجموعة وبالقرب من جامعة الموصل ولتمويه السائق طلبت منه التوقف للنزول .واستجاب لطلبي وقدمت له ربع دينار الذي طلبه واثنائها سألني من اين انا ؟نظرت اليه وقلت انا من الرشيدية ،لكن ملامح وجهه توحي لي بانه لا يصدق اي كلمة قلتها له .
كانت الساعة بحدود السادسة صباحا ومن هناك توجهت مشيا على الاقدام لمنطقة النبي يونس حيث يسكن عمي ابو رحاب1 .وضعت راسي تحت سنبور الماء(الحنفية) لدقائق حتى امتلت بطني بالماء.
اوضحت في نفس اليوم وبعد ساعتين من وصولي كل شيء لوالدي( ابو باسل ) لأنه هو من سيقرر التالي او القادم .
لم تكن الخيارات مفتوحة امامنا فالحفاظ على سرية المهمة هي أولى من اي شيء لذلك لجأ والدي الى صديقنا ابو علي( سيد قنبر)2 لكونه سائق تاكسي وهو محط ثقتنا بلا حدود. في ظرف كذاك حيث اجهزة الامن والاستخبارات في اوج قوتها وعظمتها ،ومازلنا نتحدث عن فترة سبقت اندلاع الحرب العراقية الايرانية من العام 1980 بثلاثة شهور.
اتجه ابو علي وعمي ابو رحاب الى تلك المنطقة واعتقد انني كنت قد اتفقت مع ابو خلدون وصباح على اشارة ستصدر من السيارة حين وصولها ككلمة سر.
نقلا الى مكان آمن في اسكي كلك ومن جميل الصدف لدى وصولهم ومع اول دخولهم فاجأتهم صورة لينين من تلفزيون بغداد تفترش الشاشة حيث تنقل محطات التلفزيون افتتاح دورة الالعاب الاولمبية في موسكو في 19.07من العام 1980.
امضيا عدة ايام ثم عادا الى مجموعتهما الانصارية الاولى بعد ان اوصلهم ابو علي سيد قنبر الى المكان الذي اختاروه .والتقيت صباح لاحقا بعد ثلاث سنوات في ملى جبرا في منزل المرحوم خلف خرما .واخيراً ارجو يا ناظم قد اضفت شيئا مهما لمذكراتك مع تحياتي الصادقة.
حزيران.2013
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------
1-ابو رحاب ..(الياس حجي كنجي) اصغر اعمامي. موظف في دائرة الاحوال المدنية - نينوى استدعي عام 1993 لمديرية الامن العامة -الموصل وقدمت له قهوه وتوفي بسكتة قلبية بعد اسبوع من ذك الاستدعاء لذا احاطت الشكوك بدس السم المميت له في تلك القهوة اثناء الاستدعاء.
2- ابو علي سيد قنبر صديق عائلتنا منذ العام 1970 ويعمل قصاب وسائق تاكسي عين الوقت وهو من الاخوة الشبك ..لم يكن سياسيا قط في حياته استشهد شخصان من عائلته في اول عمل ارهابي في الموصل وفي اليوم التالي دخل ارهابي انتحاري آخر لمجلس فاتحة الشهيدان فاستشهد ثمانية من اقاربهم ،وفي آخر تفجير ارهابي في منطقة الخزنة -برطلة استشهد ابو علي مع ما تبقى من افراد عائلته داخل منزلهم حين انهار سقف المنزل على رؤوسهم وهم يغطون في نوم الفجر بفعل الانفجار الارهابي. بلغ مجموع من استشهد من عائلة ابو علي سيد قنبر في الاعمال الارهابية اكثر من ثلاثين فردا .
**سمكو مراد عبو صديق عزيز مرشح حالي لانتخابات مجلس محافظة نينوى ادعو الناخبين ان يصوتوا له فهو يستحق ان يكون ممثل للشعب في مجلس محافظة نينوى.