فضاءات

امسية تأبينية في كوبنهاكن لشاعر (الغلابة) / مزهر بن مدلول

 

 

 

يابهية وخبرينا.. على اللى جتل ياسين
فى الصحرا وفى المدينة .. اليوم دا ومن سنين
ناس تمشى.. وناس تجينا.. واحنا متبعترين
ولا صارى ع السفينة.. ولا مربط للهجين
والدنيا بتجرى بينا.. واحنا متوخرين
يابهية ولململينا..............
ليس غريبا ان تعين (المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر) التابعة الى الامم المتحدة في العام 2007 الشاعر (احمد فؤاد نجم) سفيرا للفقراء، كما هو ليس غريبا ان تمنح مؤسسة الامير (كلاوس) للثقافة والتنمية الهولندية جائزتها الكبرى له، فقد جسّد شاعر العامية المصرية الشهير البساطة والعفوية بمفرداته الشعبية الغاضبة، كما جسدها في حياته الخاصة والعامة، حتى تحولت تلك البساطة الى سلوك وموقف وجودي وملهم ابداع بالنسبة له.
لقد عُرف الشاعر (احمد فؤاد نجم) بقصائده الوطنية الكثيرة، التي تميزت بالحس النقدي الساخر وطالت السلطات والحكومات والمترفين، مما جعلت الشاعر (نجم) عرضة للاعتقال والسجن لمرات عديدة، لكنه، ورغم ان مياه كثيرة جرت تحت الجسر، بقي الشاعر هو هو، وبقيت في عروقه تجري دماء الفقراء والفلاحين والمضطهدين، حتى استحق بجدارة لقب شاعر (الغلابة).
وتقديرا لهذا الصوت الاستثنائي في منطقتنا، وبالتعاون بين تيار الديمقراطيين العراقيين في الدانمارك والرابطة المصرية، والبيت الفلسطيني والملتقى الثقافي العربي ومؤسسة عرب دانمارك للإعلام، أُقيم مساء يوم الخميس 13/ 2/ 2014 حفل تأبيني للشاعر (احمد فؤاد نجم).

حضر الاحتفال جمهور غير قليل من ابناء الجالية العراقية والجاليات العربية الاخرى، وشارك في احياء الامسية مجموعة من الفنانين والمبدعين العراقيين والعرب، منهم (الفنان الكبير كوكب حمزة والفنان الفلسطيني طارق الحاج والفنان نسيم الدقم والفنان المسرحي حيدر ابو حيدر والفنان محمد الشال).

في بداية الحفل، رحب عريف الحفل بالحاضرين مستذكرا الشاعر الراحل ببعض الكلمات والمقاطع الشعرية الجميلة، وبعدها قدّم السيدة (بلقيس القس) من البيت الفلسطيني لتلقي كلمة منظمي هذا الاحتفال البهي، قالت السيدة بلقيس: (كنا طلابا في جامعة القدس نتسابق على اقتناء ديوان شعر جديد لاحمد فؤاد نجم، او الحصول على كاسيت تسجيل بصوت الشيخ امام، كنا نعرف انه يتحدث بلساننا وانه يريد ان يوصل صوتنا الى العالم، ولم نكن ندرك انذاك، بان العمال والفلاحين والطلاب في بغداد وبيروت ودمشق والجزائر والقاهرة، كانوا مثلنا يبحثون عن مايروي ظمأهم، فكانت كلمات (نجم) محفورة على جدار كل زنزانة وجدار كل بيت).

ثم اعتلى منصة القاعة، صديق الشاعر الراحل، الفنان (كوكب حمزة)، مستذكرا بعض اللقاءات التي جرت بينهما، لكن الدموع السخية منعته من ان يكمل مشواره في الكلام، فاستمع الجمهور الى اغنية الفنانة المغربية ( اسماء منور) التي لحن لها الفنان (كوكب حمزة) اغنية ( دموع إيزيس ) وهي من كلمات الشاعر الراحل.

بعد ذلك كانت كلمة تيار الديمقراطيين العراقيين التي القاها الاستاذ (هاشم مطر) المنسق العام للتيار في الدانمارك، والتي قال فيها: (اي جرح اصابك نجم فهو جرحنا نحن، واي كلام قلته فهو لنا، واي شجىً تفتقت قريحتك عنه هو حزننا، فقد قاربت بين مصابين، واحد هناك في حوض نيلك النجاشي الاسمر، وحوضين في ارض السواد هما دجلة والفرات، وما السواد الاّ عزاء ورثاء، لكن اشعارك يانجم تطلق فينا روحا من حماس كتلك الاهازيج في ساحة التحرير مقاما للمناضلين الاشداء من اجل مصر ديمقراطية حرة، لتبقى رائدة على مر السنين، فيكون العراق نظيرا لها بعراقته وابنائه الشجعان الرافضين لكل انواع العسف والمظالم.
ثم اردف قائلا: واذ نتذكر اليوم النجم فؤاد ونحفل بتأبينه، فاننا في العراق نؤبن كذلك فؤاد، هو فؤاد سالم، فنان العراق الكبير ومغنيه الرائع، الذي قاوم مع الشرفاء كافة صنوف العسف والمظالم وغنى لبلاده اجمل الاغاني، رحل فؤاد عن مصر ورحل فؤاد عن العراق، فما اجمل الفؤادين وما افدح الخسارتين.
كما توجه الاستاذ (مطر) في كلمته الى المثقفين قائلا: (اما لمثقفينا وخصوصا نحن في حفل تأبين شاعر كبير، نقول ان لهم خيارا واحدا، بأن يشحذوا الكلمة والصوت، بالفعل والممارسة، بخلق وعي ديمقراطي مناسب، من اجل مجتمع مدني علماني متنور، وهو على اقل تقدير دورهم المرتقب).

بعد ذلك، كان للفنان د. سليم والفنان المسرحي حيدر ابو حيدر، مساهمة جميلة، هي عبارة عن تلوين غنائي وشعري وبمختلف اللهجات، فاضافت مشاركتهما الى الاحتفال، نكهة ممتعة في حلم استرجاع التاريخ الكفاحي للشعوب من اجل الحرية والعدالة.

شكّل الشاعر احمد فؤاد نجم مع ربيبه الفنان الشيخ امام، حالة عربية بامتياز، وذلك لما تمتعت بها اغانيهما من قدرة هائلة على النفاذ الى الاعماق، وما امتلكته من معانٍ مرهفة، استطاعت ان تقبض على الوجدان وتحرك السكون في اوقات مختلفة، حيث عبرت بطريقة مباشرة عن احاسيس الشعوب وتاريخها المثخن بالجراح والمآسي.
هما مين واحنا مين.. هما الأمرا والسلاطين
هما المال والحكم معاهم.. واحنا الفقرا المحكومين
حزر فزر شغل مخك.. شوف مين فينا بيحكم مين
احنا مين وهما مين.......................
هذه الاغنية وغيرها من الاغاني الكثيرة، ساهم في ادائها بهذه المناسبة، عازف العود الفنان الفلسطيني (طارق الحاج) ومجموعته الغنائية، التي الهبت حماس الحاضرين، الذين راحوا يرددون بصوت عالٍ اغنيات الشيخ امام وكلمات احمد فؤاد نجم.