فضاءات

حوارات في عيدهن / اعداد: وفاء الربيعي

بمناسبة عيد المرأة العالمي، توجهت الجريدة بالسؤال الى عدد من مثقفي شعبنا عن إنطباعاتهم في هذه المناسبة، ولمن يتقدمون بالهدية فيها، فأجابونا مشكورين:

الكاتب والباحث د. عقيل الناصري:

انا شخصياً لا انظر الى هذا اليوم، 8 آذار، كعيد للمرأة.. لان في ذلك اختزالا عميقا لماهية ودور المرأة في المجتمع من جهة، فقد اناطت الطبيعة بالمرأة أهم مهمة أنسانية وهي الحفاظ على الجنس البشري. إن أنجاز هذه المهمة بحد ذاته يجعلنا نعطي المرأة الدور المتميز في الحياة الاجتماعية. إن النظرة الدونية للمرأة ظهرت منذ الهزيمة التاريخية لمجتمع الأمومة وقيام المجتمع الذكوري المقترن بتدني الوعي الاجتماعي بتجلياته الفلسفية والجمالية والحقوقية والسياسية. هذه النظرة لا طبيعية، وإنما هي نتاج للظروف الاجتماعية وماهية المرحلة الحضارية وابعاد تطور القوى المنتجة ومدى تأثيرات الموروث السيسيولوجي. ومن هذا المنطلق علينا جميعاً والنساء خصوصاً، النضال بكل السبل لإلحاق الهزيمة بالنظرة الذكورية القاصرة في ذاتها ومحيطها. بمعنى أن النضال هو يومي ومستمر وفي كل مجالات الحياة: في الأسرة والمجتمع؛ في التشريعات والممارسات؛ في الأبعاد النظرية المجردة وفي الحياة العملية. وبمناسبة العيد .. سأهدي وردة وقبلة لكل إنسانة تعمل من أجل تحقيق المساواتية ليس لما لها بذاتها فحسب، بل بين بني الجنس البشري برمته.. ومن هنا سننطلق إلى ولوج العالم المستقبلي والارتقاء بذاتنا البشرية.

الشاعر والفنان التشكيلي فهد الصكر:

أكيد انني مع أن تنال المرأة قسطا من حقوقها المسلوبة على تفاصيل الدساتير التي كتبت دون أن ترى النور. أجد أن المرأة العراقية ذات وضع وحال أستثنائي في ظل أعنف ظرف تمر به على جغرافية خارطة العالم، وهي قديسة النساء اذا ما قورنت مع الترف الذي تعيشه المرأة في شعوب ودول أخرى. العراقية تجاوزت حقها العاطفي والأنساني لتصبح بلا عواطف أحيانا أزاء ما تعاني من هول كارثة فوضوية بفقد رفيق حياتها ومعيلها تحت حرب ذات وطن يعيش هاجس الموت وكاتم الصوت. باقة ورد لأمي وقد رحلت وهي تحمل حزن أبنائها الأربعة. وأشد بحرارة على يد كل من بقيت شامخة من اجل تحقيق حق مستلب.

الفنان التشكيلي صالح عثمان صالح:

في الثامن من اذار أول ما اتمناه لنساء العراق هو تضامنهن وتكاتفهن كي يكن قوة ﻻيستهان بها، قوة تكون ندا للقوى التي تستضعفهن، تارة بالتقاليد واخرى بالعقائد واﻻعراف اﻻجتماعية، اذا استطاعت المرأة وأنا واثق ان لها القوة والقدرة على اجتراح الصعاب، وفي هذا المجال الوعي هو قاعدة للنهوض في موضوعة الحقوق والمساواة، وﻻ أعتقد ان هناك رجلا واعيا سوف لن يقف الى جانبها ليساعدها ويساندتها في معركة التغيير من أجل اﻻفضل. موضوع التحرر اﻻقتصادي بات معروفاً، المهم التركيز على موضوعة وحدة النساء بغض النظر عن اختلافاتهن، وهنا يبرز دور النخبة النسائية في الحركة االتي ستقود المرأة مع قوى أخرى من أجل حقوقها. ان موضوعة حقوق المرأة والنضال في سبيلها هو نفس مسار المجتمع في سبيل التغيير وبناء المجتمع المدني. اما موضوعة التهنئة، فهي لكل نساء العالم في هذا العيد، وأخص نساء العراق المعذبات بنار الفقر والجهل والتخلف متمنيا لهن اﻻفضل في مسيرتهن الصعبة.. في الثامن من اذار أقدم هدية الى زوجتي وابنتي، كما أقدم التهاني لك ايتها الفنانة الراقية ومن خلالك الى نساء الوطن.

************************************************************

وللنساء كلمة

تعاني المرأة من اقصاء متعمد، وتسن ضدها القوانين المجحفة بحجة العادات والتقاليد في ظل مجتمع تشكل المرأة فيه أغلبية مواطنيه. في كل عام وبمناسبة يوم الثامن من اذار يوم المرأة العالمي، يكتب الكثير من الكتاب والادباء والسياسيين عن هذه المناسبة، وتعاد الكرة في العام الذي يليه دون أن نجد اي تغيير او تحسن في واقع المرأة العراقية. من المسؤول عن ضياع حقوقها وتهميشها ، هل هي النصوص القانونية، ام العادات والتقاليد، ام الواقع السياسي الذي قيد الرجل والمرأة على حد سواء؟ حول ذلك توجهت بسؤالي الى بعض الاخوات الناشطات في ميادين حياتية مختلفة، فكانت لهن هذه الكلمات:

الصحفية والروائية عالية طالب:

عملية تأهيل المرأة وترصين أدواتها وتفعيل دورها والاشادة بهذا الدور، خضعت لمراحل متعددة من الأهمال المقصود وبمشاركة الجميع من الأسرة الى الدولة الى المنظمات والى التعليم الايجابي واخيرا بمساعدة المرأة ذاتها التي أستكانت وقبلت ان تكون حصتها محدودة تقررها " الكوتة " المحسوبة، ولم تعامل على انها نصف المجتمع بل ربما اكثر من النصف حسب الاحصائيات السكانية السابقة. بسبب الحروب الصبيانية السابقة والقتل والتشريد، الديمقراطية غابت عن العراق منذ زمن واليوم لا نكاد نتبين وجودها الحقيقي الفعلي بسبب التشابكات الامنية والمتغيرات السياسية التي تتواتر على مجتمعنا، لكننا لا يمكن ان نرمي الكرة في ملعب المرأة ونحملها كامل المسؤولية باعتبارها ضعيفة الارادة والوعي بل ان المجتمع بمجمله عمل على اضعاف ادواتها وهو يحاول الان ان يلبس لبوس الديمقراطية ولا يدري كيف سيتعامل مع كبر مقاسها عليه. المرأة تعرف كيف تنتهج السلوك الديمقراطي بمشاركة ارادتها الواعية التي افرزت نماذجا متميزة عبر كل المحطات التأريخية التي مرت علينا، وحتى لو سلمنا بمحدودية العدد فأن ذلك لا ينفي التواجد الفاعل والذي من المؤكد انه سيشهد تواترا واطرادا. واعتقد انها بحاجة فعلية الى مساندة الرجل الواعي وليس الرجل الذي يضع العصى في الدولاب وهم ايضا ليسوا بقلة ومتواجدون في كل مكان وزمان، ولكن ان تركن المرأة دائما وتعول على هذه المساندة دون ان تفكر بانها قوة ضاغطة ومهمة سيقيم ادائها المستقبلي بكونه ظلا يبحث عن مساندة فأن لم تأت فأنها ستبقى هامشية ورقما مكملا ليس الا. ان تتساوى المرأة في الحقوق والواجبات وتتحمل المسؤوليات وتتبوأ المناصب واسماع صوتها وخصوصية هذا الصوت ، فانا أعتقد ان هذا يكفله المجتمع المتحضر ، ولابد ان لا ننسى ان المجتمعات المتقدمة الآن لم يكن وضع المرأة فيها سابقا كما هو عليه حاضرا، بل هي ناضلت وكافحت وساندها المجتمع بالتواتر الزمني حتى أصبحت أمراة قادرة على ادارة شؤونها بنفسها وبما يوفره لها مجتمعها من تأمين اجتماعي وصحي واقتصادي وخدمي. المرأة الشرقية لا زالت تعاني الكثير من استلاب الحقوق ولا زالت المواطن  باء بالنسبة للرجل وعلاقة وضعها لا يتحدد فقط بالسياسية والاقتصادية بل له علاقة بالقوانين الوضعية التي لم ترتق الى مستوى القوانين الشرعية التي صانت حق المرأة ولم تفرط به، واتمنى فعلا ان يعاد النظر في الكثير من قوانينا التي تتغاضى عن حق المرأة في الكثير من الأمور الحساسة والتي تتعلق بكينونتها كأنسانة لا تختلف عن الرجل بشيء الا بمفهوم الفصل بالجندر.

الأديبة والإعلامية رؤى زهير شكر:

نرى الكثير من الرجال قد ساند المرأة في مسيرتها ودعمها ونرى الكثير منهم ممن قد طالب بحقوق المرأة في الكثير من المؤتمرات والمهرجانات والندوات ونراهم اول من يصفق لظهور المرأة ويساند وجودها الى جانب الرجل لكن في ذاته، هو الأول ممن يجحف المرأة ويظلمها فحين دخوله داره نراه قد لبس قناعا غير وجهه الذي كان ينادي فيه للمرأة. حينها يتأكد لنا ان وجود النوازع المتخلفة لازالت متشبثة في دواخل الرجل والعادات الشرقية لازالت متمكنة منه وبشدة ولم يتمكن بعد من تشذيبها .. ومن الجانب الأخر نرى أن الواقع السياسي قد مد بجذوره على واقع المرأة ليزيد من همها هما أخر فنجد بعض دوائر دولتنا العظيمة قد يعنف المرأة ويضطهدها على حساب طائفتها او أيديولوجيتها .. فهناك من الدوائر من كان يضطهد المرأة لعدم إنتمائها لحزب الدولة الحاكم واليوم لآنها لا تقع تحت راية أحد الأحزاب المتطرفة والمتشددة بالإضافة الى ان النصوص القانونية اليوم قد تم تسييسها حسب ما يراه الحزب الحاكم ملائما.. هنا قد ضاع حق المرأة في وطن قيل عنه يوما انه كان رمزا للعدل والحق.

الروائية ايناس البدران :

كتب الشاعر الفرنسي اراغون في احدى قصائده قائلاً: المرأة لا الملوك مستقبل العالم! لعله امتد ببصيرته الى ما وراء المنظور مستمدا من موهبته الفذة القدرة على استشراف المستقبل ورؤية اللامرئي. لعل ما يدعم نبوءته ان جميع المجتمعات الامومية تتميز بانها مسالمة لا يشوبها ظلم ولا استغلال ولا اضطهاد جنس لآخر او طبقة اوشريحة اجتماعية لسواها. هكذا عاشت مجتمعات ما قبل التاريخ حين كانت المرأة تتمتع بحقوق متساوية، بل كانت تتبوأ اشرف المراتب السياسية والدينية والاجتماعية، فكانت الحكيمة والكاهنة والاميرة وحتى الآلهة، اذ عدت رمزا للخصب والتجدد والحياة. كان ذلك قبل ان تختل الموازين وينحى الرجل لتفوقه العضلي منحى التملك ويبتكر شتى وسائل الاستعباد والاستغلال تحت مسميات شتى وشعارات براقة ظاهرها النعيم وباطنها الجحيم. تلك الوسائل التي جعلت من قلة مترفة أباطرة واسياد اومن الباقي عبيدا مستغلين وجلهم من النساء. ان واقع المرأة هو انعكاس لواقع المجتمع وان مقياس رقي وتقدم اي مجتمع هو بمقدار ما تحظى به المرأة من حقوق واحترام وقوانين تدعم مكانتها وتمكنها من القيام بأدوارها الانتاجية والانجابية والمجتمعية على افضل وجه، مثلما يستحيل تحقيق اي تنمية مستدامة دون مشاركة المرأة في كافة المجالات بما في ذلك صنع القرار. وما نراه الآن لا يعدو عن كونه محاولات خجلى لا تغني ولا تسمن من جوع فما تكتسبه المرأة بعد سنين طوال من النضال سرعان ما تفقده لتبدأ رحلة سيزيفية اخرى تستنزف طاقاتها وتعيدها الى نقطة الصفر. ما زلنا نفتقر الى العديد من القوانين التي تضمن حقوق المرأة والطفل والى تفعيل البعض الاخر وتبصير المرأة بحقوقها عبر وسائل الاعلام ودعم منظمات المجتمع المدني. هذا ما دعا الشاعر اراغون الى القول " لو وقف جميع رجال الكرة الارضية لمدة خمسين عاما متصلة يعتذرون للنساء عما فعلوه بحقهن على مدى التاريخ البشري لما كان هذا يكفي ". ان المستقبل للمرأة لترمم بشخصيتها الامومية الجميلة خرائبه وترأب صدوعه وتداوي جراحه وتردم الهوة التاريخية التي اوجدتها المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يلتقي مع دراسة صدرت حديثا عن معهد البحوث البريطاني من ان العالم سيصبح بأيد امينة حين تؤول أموره الى المرأة.