فضاءات

اللغة الكردية ومشروع توحيدها على طاولة زبائن المقهى الثقافي العراقي في لندن/ عبد جعفر- لندن

استضاف المقهى الثقافي العراقي في لندن المهندس والباحث محمد توفيق علي يوم 23-3 للحديث عن اللغة الكردية وانحدارها وتشعب لهجاتها ومشروع توحيدها.
وفي بداية الأمسية رحب الفنان فيصل لعيبي بأسم زبائن المقهى بالمحاضر، مشيرا الى أهمية هذا الموضوع كمدخل لمعرفة ثقافة المجتمع الكردي، مهئنا أياهم بعيد نوروز، موضحا أن ضيف المقهى معروف بأهتمامه في علم اللغة (اللسانيات)، والترجمة باللغات العربية والانكليزية والكردية (السورانية).
ويذكر أن الاستاذ محمد توفيق حاصل على ماجستير في علم اللسانيات، وله عدد من المؤلفات منها (عبدالله كوران شاعر كردستان الخالد) ومقالات في السياسة والأدب ، وله أيضا ترجمات في علم اللغة والسياسية والادب والتاريخ منها كتاب (دراسات في اللهجات الكردية) من تأليف البروفيسور د.ن مكنزي، و(الشعر العراقي اليوم)، و(براءة .. الى أطفال كردستان) للراحل هادي العلوي، و(منعطف الطريق : أدب الإغتراب ..هموم ومعاناة المثقفين المنفيين)، و(الشاي الحلو أبو الهيل) عن كتاب رحلة في كردستان العراق من تأليف الحقوقية البريطانية (تيريزا ثورنهل) صدر في لندن في كانون الأول 1996. و مذكرات ضابط إستخبارات الزعيم الراحل مصطفى البارزاني بعنوان (موجز لأحداث ثورة أيلول).
في محاضرته أوضح الاستاذ محمد توفيق التي رافقها بالرسوم التوضحية أن الثقافة هي مجموع الأجوبة للأسئلة والمشاكل التي تظهر في مجتمع ما والتي تتغلّف بغلاف لغة ذلك المجتمع، كما يقول آرمسترونغ، وبعبارة أخرى، اللّغة بمثابة المرآة التي تعكس ثقافة المجتمع المعني. وأعتبر اللّغة الرمز الوحيد والأهم للقومية، إذ تعبّر بشكل واضح عن السمات الخاصة للمجموعة البشرية. واشار الى أن وجود أنواع من اللغات وهي:
لغة الكلام(فيرناكولر) التي تعرّفها المنظمة الدولية للأطفال (هي لغة الأم) لمجموعة بشرية تخضع اجتماعيا أو سياسيا لمجموعة أخرى تتكلم لغة أخرى.
و اللّغة المشتركة(لينغوا فرانكوا): هي لغة أجنية مشتركة ليست بلغة الأم أي لمجموعتين ناطقتين بلغتين مختلفتين فيما بينها.
ولغة الأرض ( كتونوليكت) مثل اللهجات الكردية المختلفة في كردستان الكبرى.
وأشار الى الوظائف الاجتماعية لاستعمال اللغة في ظروف تعدد اللغات، أو اللهجات، والتي تتحدد في:
1- التعبير 2- الاتصال 3- التوحيد 4- الإنفصال 5- المشاركة.
وتتجلى وظيفتا التوحيد والإنفصال في التغيير الجاري على اللغة الكردية. إن حركة التغيير تبدع في تأدية هذه الوظيفة من بين الوظائف الخمس.
وفي حديثه عن وظيفة المشاركة للغة، أكد انه يشترط في إنجاح حركة تغيير اللغة الكردية أن تكون شاملة موحدة لغويا. . أي تتطلب المشاركة الفعالة للفئات الثقافية- الاقتصادية واللهجات المحلية المختلفة. أو بعبارة أخرى، يشترط على اللغة القومية أو الرسمية أن تتبنى لهجة تفهمها أكثرية الناطقين بالكردية.
وفي تناوله أصل اللغة الكردية وعلاقتها العضوية بغيرها
أوضح أنها من شجرة عائلة اللغات الهندو-أوربية. مشيرا الى أن الشعب الكردي ينتمي أثنيا إلى الشعوب الإيرانية، كما تنتمي لغته إلى اللغات الإيرانية، التي تنتمي بدورها إلى الهندو- إيرانية التي تنحدر بدورها من نواة الهندو- أوروبية . على الرغم من أن الاتجاهات الجغرافية نسبية، كون تصنيف اللغة الموصوفة بها قد لا يتطابق مع الموقع الجغرافي الحالي للناطقين بها. وخير مثال على ذلك إنتماء الكردية والبلوجية إلى مجموعة اللغات الإيرانية الغربية الشمالية من حيث التطور الزمني. فبينما تقع كردستان في أقصى الشمال الغربي لبلاد الشعوب الإيرانية، نلاحظ أن بلوجستان تقع في أقصى الجنوب الشرقي لها وعلى الحدود مع شبه القارة الهندية. ويستنتج من ذلك انحدار الكرد من بلوجستان أو البلوج من كردستان أو انحدار الشعبين من بلد آخر. ويدّعي البعض بأنه آسيا الوسطى و البعض الآخر بأنه ما وراء القفقاس، ولكنني أترك هذا الأمر للمؤرخين. وفي الوقت الذي تقع أوسيتيا بين جورجيا وروسيا، أي في أقصى الشمال الغربي من المنطقة المعنية، الا أن لغتها تصنّف ضمن مجموعة اللغات الإيرانية الشرقية الشمالية. فتصنيف اللورية مع الفارسية والتاجيكية ضمن مجموعة اللغات الإيرانية الغربية الجنوبية. وتقسّم اللورية بدورها إلى اللورية الصغرى (الفيلية) و اللورية الكبرى (البختيارية). والفيلية تقرّ بانتمائها إلى الكردية على صعيد العراق، على أقل تقدير. أما البختيارية فأنها أكبر الظن تقرّ بانتمائها إلى شعب لوري وموطنه لورستان. ونعلم أيضا، يوجد اختلاف مذهبي- طائفي بين اللور والكرد وتشابه بينهم والفرس. ومن الناحية الجغرافية، تقع لورستان في جنوب شرق كردستان على الحدود المتاخمة لبلاد فارس. أما الناطقون باللغات الإيرانية الأخرى، فأنهم يمتدون من ما وراء القفقاس إلى الصين عبر أفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى مثل طاجيكستان.
وحول تصنيف اللهجات الكردية جغرافيا واثنوغرافيا ، اشار الى دراسة البروفيسور مكنزي الذي صنف الگورانية ضمن اللهجات الجنوبية للّغة الكردية، لكنه يعتقد أي مكنزي، بانتماء الگوران إلى الشعب التاتي أو الطاجيكي وبأن عشائر الزنگنه والجبارية والطالبانية كانت عشائر گورانية تم صهرها لغويا تحت تأثير إمارة بابان في السليمانية لغاية القرن التاسع عشر. يؤيده في هذا بعض المستشرقين الآخرين مثل الأستاذة الفرنسية جويس بلاو. أما المؤلفون الكرد، فهم يخالفون ذلك كليا. ومنهم معروف خزندار . ولعل أدق تقسيم علمي للمجموعات الاثنوغرافية التي يتكون منها الكرد هو ما قام به المؤرخ الكردي الأمير شرف خان البدليسي(1543-1603) الذي قال:"إن الشعب الكردي أربعة فروع كبيرة، تختلف لهجات لغتهم وسحنتها وآدابها. أولهم(كرمانج) وثانيهم(لر) وثالثهم(كلهر) ورابعهم(گوران)". ولكنه يتفق مع مكنزي في الصهر اللغوي لعشائر الزنكنه والجبارية والطالبانية وانتمائها إلى الكوران بالأصل ويضيف إليها عشائر البيبان والشوان.
وترى الباحثة جويس بلاو إن الكوران والزازا(الدوملي) والهورامي والباجلاني والشبك والسارلي أقواما إيرانية غير كردية وكذلك الأمر بالنسبة للغاتها الإيرانية الشمالية الغربية. وتقسم اللغة الكردية إلى لهجات جغرافية وهي 1- الشمالية أو الكرمانجية ولها ثلاث لغات أدبية. 2- الوسطى التي تقسم بدورها إلى السورانية في الغرب والكردية في الشرق ولها لغة أدبية واحدة.3- الجنوبية التي تشمل لهجات مختلفة غير متجانسة في جنوب كردستان الإيرانية وليس لها لغة أدبية مشتركة. وتتطرق المؤلفة إلى فشل محاولة الكتابة بالأحرف الرومانية والى دور الصحافة في القرن العشرين في تطوير اللغة الكردية. أما بصدد تغيير اللغة الكردية، فتقول بأن الفضل في تكريد اللغة بإخراج جميع التركيبات والمفردات الدخيلة يعود إلى كتاب الحقبة 1920-1960 وتخص بالذكر المرحومين الأديب إبراهيم أحمد و توفيق وهبي وادموندز ومينورسكي كروّاد لهذه المدرسة اللغوية.
وحول تحديد الظاهرة اللّغوية اكد المحاضر إن ثمة عامل جديد يهدد نقاوة اللهجات هو انتشار لهجة السليمانية (الرسمية) في جميع أنحاء منطقة المصدر و منطقة أربيل المجاورة. ومع ذلك فأنه يمكن التمييز بين اللهجات النقية من هذه النصوص اللغوية.
وتناول الباحث ايضا موضوع تركيب الجملة المفيدة في اللغة الكردية، موضحا أن كون لهجة السليمانية تتمتّع بحصّة الأسد. ولكن اتّخاذ ذلك معيارا لتبنّيها لغة رسمية يعني وجوب تبنّي لهجة الناطقين في مسقط رأس شكسبير اللغة الرسمية في الانجليزية.
موضحا إن السلطة السياسية تحدّد مكانة اللّغة أو اللّهجة وليس بالعكس. إن التعصّب بنقاوة اللّغة والذي يؤدّي الى التطهير اللّغوي قد يرمز الى النزعة العرقية. إن التطهير اللّغوي إجراء تضليلي قد يكون متوقعا كردّ فعل للشوفينية اللّغوية من الآخرين والإبادة الجماعية، ولكن لا يجوز تبريره أبدا. إن المفارقة هي أنه سوف يؤدّي الى الانتحار اللّغوي. بما أن المكانة الاجتماعية للّغة ترتبط بالمكانة السياسية للناطقين بها، فأن السورانية أكثر تطورا حاليا وعلى المدى القريب في الكتابة بالأبجدية العربية. وبما أن تطور اللّغة يرتبط بأبجدية الكتابة، فانّ الكرمانجية أكثر تطورا حاليا وعلى المدى البعيد في الكتابة بالأبجدية الرومانية. إن الارتباط بين اللّغة والأبجدية يجعل كتابة السورانية بالأبجدية الرومانية وكتابة الكرمانجية(تركيا) بالأبجدية العربية تبدو غريبة وأشبه بكتابة المفردات العربية بالأبجدية الانجليزية والعكس بالعكس. وعلى الصعيد الاثنوغرافي، فانّ الكرمانجية أقرب الى بارزان، الرمز الروحي للقومية الكردية. وعلى الصعيد الثقافي، فانّ السورانية أقرب الى السليمانية، الرمز الأدبي لها. وعلى الصعيد الإداري، فانّ أربيل(هه ولير) هي العاصمة الفعلية للإقليم والواقعة في وسط كردستان العراق وحلقة الوصل بين بادينان وسوران. وعلى صعيد الزعامات، فانّ ثلاثة أجيال متعاقبة من آل بارزان المستقرّة في سوران احتفظت بلهجتها الكرمانجية ولكنّها تخاطب الشعب الكردي بمزيج معتدل من السورانية ومطعّمة بقليل من المصطلحات الجديدة. أنها مبادرة طوعية مباركة والوحيدة من نوعها التي تستحق وصفها كلغة كردية موحّدة، إذ تفهمها أكثرية الناطقين باللّهجات المختلفة. تجدر الإشارة الى أن الغرض من إدلاء هذه الملاحظة اللّغوية ليس تبنّي السياسة الحزبية للزعامة البارزانية ولا اعتماد لهجة عشيرة بارزان معيارا للغة كردية مشتركة. وإذا استنتجنا من تحليلنا الموضوعي اعتماد لهجة عشيرة السورجية أو البرادوستية أو غيرها معيارا للغة كردية مشتركة، فلا يجوز رفضها لأسباب سياسية بحتة، كون زعمائها سبق وأن كانوا في خدمة الحكومات العراقية المتعاقبة. ولهذا ينبغي فصل السياسة عن اللّغة، شأنها في ذلك شأن فصل الدين عن السياسة في إدارة الدولة العلمانية المنشودة.
واثارت هذه الندوة المهمة أسئلة ومداخلات عديدة من زبائن المقهى، مما أضفى عليها طابعا من الحيوية.