فضاءات

صلاح كوري .. مناضل من معدن خاص

ديترويت ـ طريق الشعبقليلون من النشطاء العراقيين أو العرب، من الذين مروا بمدينة "ديترويت" في بداية عقد الثمانينات، لم يتعرفوا شخصيا، او يسـمعوا بأسم السيد (صلاح كوري)، هذا العراقي الأصيل الذي وضع نفسه بمواجهة المخابرات العراقية والأمريكية سوية، عشية تشكيل تجمع للعراقيين الوطنيين المناوئين للنظام الدكتاتوري البائد. يومها كانت الحاجة تدعو لشخص ذي مواصفات مهمة، منها ان يكون حاملا للجنسية الأمريكية، عارفا بالقانون الأمريكي وخفاياه، متحدثاً لبقاً باللغة الأنكليزية، والأهم من كل هذا وذاك، ان يكون شجاعا، فكان "صلاح" رجل الساعة والمهمة الصعبة، وقد أداها بنجاح وألق.
ولد صلاح كوري (كمـال نعمـو القس كوركيس)، في منطقة "العوينة" ببغداد، ودرس في مدرسة "الطاهرة" التي كانت واقعة في "عكد النصارى"، ثم التحق بـ "اعدادية النضال" في منطقة السنك. كان نشطا في "اتحاد الطلبة العام" فلفت اليه الأنظار، مما دفع بالسلطة الى التربص به، اثر تنامي الهجمة الرجعية على الشيوعيين وأصدقائهم، بغية القاء القبض عليه في العام 1961، مما دفع بعائلته، وهو الشاب اليافع، الى إبعاده خارج العراق ومن ثم ترتيب أوراق هجرته للولايات المتحدة.
سكن وما يزال في مدينة ديترويت وعمل في المحال التجارية المنتشرة والمملوكة من قبل العراقيين، وحينما حانت ساعة التحاقة بالخدمة الألزامية في الجيش الأمريكي، رفض الإلتحاق بالحرب الدائرة آنذاك في فيتنام، في موقف أممي، لأنه كان يعي ان هذه الحرب غير عادلة. التحق في صفوف "الحزب الشيوعي الأمريكي" و"مجلس السلم الأمريكي" منذ أواخر السبعينات، وظل نشطا ومدافعا أمينا عن الحقوق المدنية للسود والأقليات الأخرى، عن العمال ونقاباتهم الوطنية، وضد القوانين الرجعية ، كما وتحسب له مشاركاته الكثيرة في حملات التبرعات للأغراض الإنسانية، او في تأدية العمل الطوعي.
ساهم في توحيد العراقيين الوافدين في أواخر السبعينات، في إطار "رابطة التقدميين الديمقراطيين العراقيين" والتي تحولت لاحقا الى "الأتحاد الديمقراطي العراقي". كما ويحسب له إصدار صحيفة يسارية تقدمية ناقدة لنظام صدام والبعث بأسم "صوت الأحرار"، ثم تلاها بصحيفة حملت اسم "صوت الأتحاد" وصار شعارها (من اجل جالية حرة كريمة)، وكانت الصحف توزع باليد في مراكز تجمع الجالية، كما وترسل للعوائل بالبريد، وكانت توزع على عدة ولايات وبعض العواصم العالمية. ولأن القوانيين الأمريكية تشترط أن يكون هناك مالكً للصحيفة، بادر السيد صلاح كوري الى وضع إسمه وعنوانه في صدر الصحيفة، كما تصدى للبعث ونظامه في الإعلام الأمريكي، هو والمرحوم صائب شونية. وبسبب مواقفه هذه دفع أثماناً غالية، فقد هدده الشقاة وشتموه وطاردوه، كما لم تكف (هيئة التحقيق الفيدرالية) عن طرق بابه وفي اوقات مختلفة، او تفتيش الدار اثناء غيابه، ومضايقة الزوار الذين يزورونه! غير إن ذلك لم يزده الا عزما وأصرارا على العمل في توسيع قواعد "الأتحاد الديمقراطي" داخل مشيكان وخارجها.
إقترن السيد صلاح كوري بالزميلة (سميرة ســامي زنكلو)، والتي تنحدر هي ايضا من عائلة وطنية، وتنشط في مجال حقوق الأنسان، وأنجبت له أميرتين جميلتين هما "ســلفيا" و "ساندرا". لم تكن عملية الحفاظ على التوازن فيما بين متطلبات العمل الوطني والحياة سهلة، خاصة حينما يتعلق الأمر بالعمل ايضا ولساعات طويلة، ومن ثم الأيفاء بالإلتزامات العائلية ضمن الأسرة، ورغم إن الغلبة كانت دائماً للإلتزامات السياسية، فإن ما يسّر عليه الأمر مصداقيته وحسن حديثه وإيمانه الكبير بدوره في محاربة الأنظمة القمعية من اجل تحقيق مجتمعات العدالة الأنسانية، وحياته البسيطة الخالية من المظاهر المزيفة.
ورغم سعادته الغامرة عشية الإطاحة بالنظام الدكتاتوري فإن فرحته لم تكتمل بسبب حدوث التغيير بأيادي استعمارية، وهو ما تسبب في كل الحريق الذي يعيشه الوطن. "صلاح كوري" مازال يشارك في النشاطات الوطنية العراقية والأمريكية لليوم، بلا كلل او ملل، يتطلع بشوق عارم (ومنذ 53 عاما) لليوم الذي يستطيع فيه ان يزور العراق بصحبة زوجته وبناته، وتفقد اماكن صباه وشبابه، رغم كل ما شابها من خراب وتغيير، لكنها تبقى دائما في القلب، ويبقى اهلها الطيبون، اساس نضالنا الوطني، من اجل وضع نهاية للحقبة الطائفية التي مزقت البلاد والعباد، من اجل ان تعود البسمة لوجوه الأطفال والبنات الحلوات، وكل الناس، حتى تشرق شمس الحرية من جديد، ويرفل الناس بـ "وطن حر وشعب سعيد".