فضاءات

سيرة شيوعي.. محسن ملا علي / ماجد قاسم جابر

محسن ملا علي لايختلف كثيرا عن الشيوعيين الذين كتبوا مذكراتهم اوتحدثوا عنها انهم من عشاق الحياة تملؤهم العاطفة، يميلون الى الحرية والتعايش السلمي بين الطوائف والقوميات والمذاهب، رقيقي الاحساس ساعين لاقامة دوله مدنية، محاربين استغلال الانسان لاخيه الانسان حالمين باقامة دولة العدالة الاجتماعية لازالة الفوارق الطبقية ليسوا نادمين على ما فاتهم في الحياة. لو اعطيتهم عمراً جديداً لانتسبوا من جديد الى الحزب الشيوعي العراقي لاكمال النضال ولد (محسن ملا علي)بمدينة البصرة في 1/ 7/1930وهو اخ المناضل والشخصية الشيوعية المعروفة (سلطان ملا علي ) .
منذ صباه كان ملتصقا بالحركة العمالية في مدينته البصرة كان مولعا بتاسيس نقابات عمالية قادرة على النهوض بالواقع المتردي لحياة الالاف من ابنائها وتقويتهم ورص صفوفهم لمواجهة حكومات الحكم الملكي من اجل بناء غد عراقي وطني مشرق. الا ان الحكومات كانت تقف بخندق المعاداة لدور هذه الطبقة في البناء والرقي والعيش برفاهية ولو بالشيء البسيط حيث بدأ الحس الوطني لديه يتفاعل مع الاحداث اليومية.
وفي تلك الفترة مابين 1947- 1948 ابان صدور( وعد بلفور) كان في الصف الثالث المتوسط في (ثانوية البصرة) حاليا الاعدادية المركزية حيث بدأ الطلاب يشعرون بالغضب اتجاه حكوماتهم مما مهد لخروج مئات من الطلبة منددة بـ ( وعد بالفور). وكانت وثبة كانون 1948 حافزاً آخر له للانضمام الى حزب (التحرر الوطني) واجهة الحزب الشيوعي العراقي لكون الاخير غير مجاز للعمل ولرغبته الشديدة بالانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي ولما يتمتع به وعائلته واخيه الاكبر (حسين ملا علي) الذي انتمى الى حزب الشعب سنة 1945 .
محسن ملا علي حاليا يبلغ الـ (84) سنة وهو يروي و يسهب ويمتع الاخرين كأن الايام تعيد نفسها والتاريخ يعيد بهجته بان الشيوعيين لن يتخلوا عن دورهم في جميع المحن وهو يسلسل الايام بالتواريخ والشواهد ولكي لا ينسى او يبخس حق احد رفاقه انه في بعض المواقف كان الجندي المجهول لدوره الكبير وخصوصا في انقلاب 8 شباط الاسود 1963 عندما كان في منطقة الكاظمية /بغداد حيث ساهم في قيادة التظاهرة التي احتلت مركز شرطة الكاظمية.
كان مندفعا الى حد كبير لحبه لوطنه وشعبه. شارك في اغلب التظاهرات التي يقودها الحزب الشيوعي العراقي من اجل الخلاص من الحكم الملكي والقضاء على الرجعية والمطالبة بالحريات والتنظيم النقابي وتحسين اجور العمال كما شارك في التظاهرة التي كانت تنادي باطلاق سراح قيادة الحزب الشيوعي العراقي (فهد وصارم وحازم) الذين تم اعتقالهم سنة 1947 وقد تصدت الشرطة لهذه التظاهرة .
سنه 1949 عمل في مصلحة الموانىء العراقية (المسفن البحري) بصفة كاتب وبنفس الفترة انخرط بالتنظيمات العمالية وساهم بتكوين خليتين كانتا تضمان (الشهيد عبد الصمد وادي وعبادي حسين وعلي سبهان وعودة عبود) .
في 14 / شباط /1949 تم اصدار الاحكام الجائرة بتصفية قيادة الحزب (فهد وصارم وحازم) واثارت الاحكام الشيوعيين واصدقاءهم ولكنها لم تثن عزيمتهم في مواصلة النضال مما زادهم نشاطا وبدأ العمل بسرية تامة وللمحافظة على التنظيمات القاعدية حتى مجيء (بهاء الدين نوري) ليقود الحزب اواسط 1949 . ثم توالت الاعتقالات، ابرزها هذه المرة القاء القبض على القيادي (زكي وطبان) ومسؤول اللجنة المحلية في البصرة (يحيى صالح) حيث بقيت التنظيمات الحزبية مبعثرة مما جعل كل رفيق يقود الخلايا التي معه لحين مجيء(ناصر عبود)الى محلية البصرة حيث ربط التنظيمات مع بعضها الى ان تم استقرار التنظيم بشكل جيد وبدأ العمل بالتوسع. وفي تلك الفترة كانت عملية توزيع الجريدة (جريدة الحزب القاعدة) تتم بشكل سري وهي مستنسخة باليد.
في سنة 1951خرجت في البصرة تظاهرات واضرابات منها اضراب عمال النفط الذي دام (13) يوماً وبدأ عمال الموانىء بالتحرك حيث يذكر (محسن ملا علي) بانه قدم لائحة بمطالب الى ادارة الموانىء (الذي كان مسؤولها بريطاني الجنسية) تشمل هذه المطالب (زيادة اجور العمال وسيارات نقل العمال وبدلات للعمل وغيرها) ولكن ادارة الموانىء بوقتها لم تستجب لها بل قامت بفصله من العمل وعلى اثر هذه الاضرابات والمظاهرات والتحشدات العمالية شنت السلطة حملة اعتقالات واسعة طالت اكثر من (20) شخصا حيث كان (محسن مله علي) بينهم وقد تم نقل المعتقلين الى التحقيقات الجنائية / بغداد وبعد مرور (21) يوماً من اعتقالهم تم اطلاق سراحهم من بغداد الا (ناصر عبود) تم سجنه.
لقد زاد المفرج عنهم عزماً واصراراً على إكمال المسيرة لتحقيق اهدافهم النبيلة اكثر من أي وقت مضى. وبدأ النشاط في الموانىء بتكوين اللجان النقابية وذلك للتهيئة لإضراب جديد. كانوا يجتمعون في نقابة الميكانيك وهي النقابة الوحيدة المجازة في البصرة يقود الاجتماعات محسن ملا علي على الرغم من كونه مفصولا من مصلحة الموانىء الا ان صلته بالحزب الشيوعي العراقي والعمل النقابي كانت مستمرة وبصورة سرية حتى جاءت الفرصة المناسبة للاضراب عندما تم توزيع (سلفة) العيد للموظفين فقط دون العمال حيث تم اضراب العمال من معمل (المسفن البحري) وثم امتد الى باقي معامل الموانىء كافة. اطلقت الشرطة الرصاص مما اسفر عن جرح (24) شخصاً وكان اثنان منهم حالتهما خطيرة. وفي اليوم الثاني شارك رفاق من الحزب الشيوعي العراقي اسنادا للعمال المضربين لكن الشرطة تصدت لهم كما قامت باطلاق الرصاص ايضا و قتلت (3) ثلاثة عمال (نشرت تفاصيل الاضراب في جريدة طريق الشعب ومجلة الغد البصرية بعد السقوط الصدامي في 2003) وفي اليوم الثالث من الاضراب قامت ادارة الموانىء بتلبية مطالب العمال وكان منها ارجاع المفصولين وعلى اثرها تمت إعادة (محسن ملا علي) الى عمله في 14/10/1952لكن دائرة الامن لم تكن مرتاحة من عودته لنشاطه المستمر وان عودته دامت فقط (20) يوماً حيث فصل من العمل مرة ثانية في 5/11/1952لتبعده عن العمال.
في انتفاضة تشرين 1952 كانت البصرة سباقة في تاييدها فقد خرجت التظاهرات وكان (محسن ملا علي) قائداً لبعض منها حيث يروي لنا حادثة بانه تخلص من الشرطة التي القت القبض عليه بواسطة خلع (سترته) حيث افلت من الشرطي الماسك بها من ناحية (الردن) وذهب راكضا بأزقة شارع المطاعم في منطقة العشار وهم يركضون وراءه ويفتشون عن صاحب (السترة) وقد اختفى عن الانظار لمدة تزيد عن شهر متنقلاً في بيوت اقاربه حتى جاءه تبليغ من الحزب بالذهاب الى قضاء الفاو لاستلام المسؤولية الحزبية هذه المرة وخلال وجوده هناك تم اضراب عمال (الحفارات) التابعة لموانىء الفاو للمطالبه بتحسين الارزاق (وجبات الطعام التي تقدم اليهم)وزيادة اجورهم ومن ابرز قادة الاضراب (عبد الوهاب عبد الرزاق وحافظ علي عطاس ويعقوب راشد) وفي يوم، كان يجلس في احدى المقاهي سمع من المذياع بالحكم غيابيا عليه لمدة ثلاث سنوات وبعد اسبوع صدر حكم اخر غيابيا لمدة سنة بذلك يكون المجموع اربع سنوات حكم غيابيا , وخلال فترة وجوده في مدينة الفاو زاره الرفيق (خضير عباس) مشرفا وبعدها زاره الرفيق (سلام عادل) مشرفا لمراقبة الوضع التنظيمي في المدينة و خلال فترة تواجد (محسن ملا علي) في الفاو فانه نجح باقامة صلة مع الرفاق في الكويت حيث ارسلوا له طابعة كان التنظيم بحاجة اليها وخلال لقائه مع الرفيق (سلام عادل) شرح له وضعه بكونه من عمال الموانىء وانه محكوم عليه باربع سنوات غيابيا وان الخطر قريب منه وطلب تغيير مكانه خارج البصرة ففضل الرفيق الخالد (سلام عادل) بان يذهب الى الكويت بعد ايام جاء بديل عنه الرفيق (زياد الخفاجي) وسافر(محسن ملا علي) الى الكويت .
في ايلول 1953 ذهب الى الكويت عند وصوله تم الاتصال بجميع الشيوعيين العراقيين هناك وتولى مسؤولية التنظيم واصبح همزة الوصل للعراقيين المسافرين عبر الكويت. كثير من الرفاق زاروه في الكويت منهم (عطشان الازيرجاوي) والرفيق (سلام عادل) الذي بقي معه خمسة ايام حيث سافر الى بريطانيا لحضور مؤتمر الحزب الشيوعي البريطاني. ومن نشاطاته في الكويت نجح بالاتصال باتحاد نقابات العمال العالمي واتحاد الشبيية العالمي.
- في اب 1954 تم اختيار (محسن ملا علي) كمرشح الحزب الشيوعي العراقي للاشتراك بورشة عمل حول العمل النقابي اذ سافرالى لبنان وكانت صلته مع الرفيق (صوايا صوايا) عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني وبعد مرور شهر سافروا الى ايطاليا على متن باخرة وكان الوفد يضم (15) رفيقا من العراق وفلسطين ولبنان وسوريا وهم (توفيق الحريري والمحامي دانيال نعمه من سوريا وكان من اعضاء اللجنة المركزية) و(عربي عواد من فلسطين) الذي اصبح عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني اما الوفد من العراق فتكون (محسن ملا علي وعسكر لعيبي). اما المحاضرون كانوا (وزير الصناعة ورفاق من هنغاريا ورفيقه من ايطاليا والرفيق اسكندري سكرتير حزب توده) وتكللت المحاضرات بعض الدروس في الاقتصاد السياسي والفلسفة الماركسية اضافة الى النقابات دامت الورشة ثلاثة اشهر).
- في حزيران 1955 شارك في مهرجان الشبيبة والطلبة العالمي (عقد في وارشو) وكان مسؤول الوفد الى دمشق وعند وصولهم الى هناك تعرف على الرفيق الشهيد (صفاء الحافظ) منسق الوفد العراقي المشارك بـ (100) شخصا .
في حزيران 1956 القت السلطات في الكويت القبض عليه ومن معه حيث دام توقيفه لمدة شهرعلى ذلك تم تسفيره ومن معه وتسليمهم الى السلطات العراقية عن طريق سفوان وبعدها سفروا الى بغداد ومن هناك تم اطلاق سراح ستة اشخاص حيث بقي بالسجن مع الرفيق عبد الوهاب طاهر في مديرية التحقيقات الجنائية في بغداد (الامن العام) وبعد اسبوع سلم الى سجن يغداد ومنه الى سجن بعقوبة وفيه تعرض الى اشد انواع التعذيب وخلال وجوده في السجن حكم عليه مرة ثالثة بتهمة مشاركته في مهرجان وارشو (سنة ونصف) ليصبح مجموع محكومياته (خمس سنوات ونصف) وبقي بالسجن حتى ثورة تموز المجيدة 1958وبعد مرور شهر من الثورة تم اطلاق سراحه من السجن وعودته لعمله في مصلحة الموانىء العراقية واستلم التنظيم الحزبي (المسفن) اول الامر وثم العمل بالتنظيم النقابي في الموانىء والبصرة بصورة عامة. في تلك الفترة كان الصراع بين القوى القومية والقوى الديمقراطية في مقدمتهم الحزب الشيوعي العراقي على اشده .
- في 6/ كانون الثاني /1959 وهو اول عيد للجيش العراقي تحتفل به الجماهير العراقية مع جيشها الذي قام بثورته ضد الحكم الملكي حيث قامت الوفود من اطياف الشعب بتقديم الهدايا للجيش اما عمال الموانىء فقد اتفقوا على اهداء رتبة (اللواء) الى الشهيد عبد الكريم قاسم بمناسبة ترفيعه لهذه الرتبة وكانت مصنوعة من الذهب حيث تم تشكيل وفد من (22) شخصاً وكان (محسن ملا علي) يقود الوفد وقد التقى بالزعيم في وزارة الدفاع وقام بتسليم الهدية اليه معبرين عن ارتياحهم الى شخصه الكريم وما قام به من بطولة وتضحية من اجل الشعب لكن هذه الاوضاع ايضا لم تدم طويلا حيث يذكر (محسن ملا علي) بعد مرور عام واحد من الثورة وخاصة بعد تظاهرة الاول من ايار بدأ عبد الكريم قاسم بمحاربة الحزب الشيوعي العراقي وبدأت التهم الكيدية على نشطاء الحزب مما اصابت احدى هذه التهم (محسن ملا علي) وعلى اثرها فصل في اوائل 1960 من العمل حيث كان في وقتها عضو اللجنة المحلية في البصرة وقد صدر امر القاء القبض عليه وحسب توجيهات الحزب سافر الى بغداد ونسب الى اللجنة المحلية العمالية وانيطت به مسؤولية عمال البناء والنقل والخياطة ومشرفا على التنظيم النقابي لغاية 8 شباط الاسود 1963 وقد خرجت تظاهرات في كل العراق منددة بالانقلاب وهنا يذكر محسن ملا علي بانه كان متواجدا في الكاظمية اذ شارك في تظاهرتها وكانت تسير من باب الدروازة الى خزان الماء وترجع مرة ثانية بدون هدف معين سوى التنديد بالمؤامرة حتى التقى بالرفيق (حمدي ايوب) كان عضوا في منطقية بغداد للحزب طلب منه ان يقود التظاهرة واحتلال مركز الشرطة الذي كان بالقرب من ساحة باب الدروازة لكونه غير معروف من قبل جماهير الكاظمية وقد تقدم التظاهرة مع الرفيق (مدالله الراوي) كان سجينا معه في بعقوبة واخبره بالامر باحتلال المركز حيث قاد المظاهرة الى داخل مركز الشرطة وتمت السيطرة عليه دون مقاومة (هذه الحادثة تم ذكرها في جريدة طريق الشعب العدد 154 في 3 نيسان 2007 من قبل الرفيق حسن احمد (ابو انس) تحدث فيها عن مقاومة مدينة الكاظمية وتحديدا عندما كان محسن ملا علي يفاوض بتسليم مركز الشرطة بدون مقاومة وبعد مرور شهر ونصف من تاريخ المؤامرة تم القاء القبض عليه من قبل رجال الامن وبقي معتقل لاكثر من سنتين ونصف .
هذا جزء يسير من ذكرياته وانه لازال متدفقاً بالحيوية والاندفاع بالرغم من كبر سنه مدافعا عن حزبه وعن نضال الطبقة العاملة العراقية واتحاد النقابات حالما بغد افضل .
في سنة 2003 بعد سقوط النظام البعثي الصدامي انضم محسن ملا علي ومنذ الساعات الاولى الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي والى الاتحاد العام للنقابات الممثل الشرعي للعمال وبالنظر الى تقدمه بالسن قدم استقاله من الاتحاد العام للنقابات لكي يفسح المجال لقيادات شابة تواصل المشوار في الاتحاد ولكنه مازل مساندا مشجعا لهذا الاتحاد ومتواصلا مع اصدقائه بين الحين والاخر وله الامل الكبير بانتصار الطبقة العاملة في البناء والتقدم وكذلك متواصلا مع حزبه الذي انتمى اليه من كل جوارحه في امل الوصول مع الشعب الى السعادة والحرية مبديا عزمه في البقاء مناضلا مع كل المخلصين في الحزب الذي قضى اكثر عمره فيه .
مني الف تحية واجلال الى شخص محسن ملا علي.