فضاءات

عالم عراقي سحرته الخضرة فاخترع منها الكثير / صباح محسن جاسم

جليل كريم احمد الخفاجي عالم وتدريسي عراقي ولد عام 1942، انتمى إلى عالم الصناعة منذ 36 عاما أمضاها في البحوث العلمية والتدريس. وهو عضو دائم في التجمع العالمي لتكنولوجيا الحديد والصلب في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2011.
نال وسام التميّز من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للمرة الخامسة. له ثمان براءات اختراع، ثلاث خارج العراق امريكا، بريطانيا واليابان والخمس الأخرى من داخل العراق. مرشّح لعضوية اللجان التحضيرية لمؤتمرات الأكسدة المتقدمة في الولايات المتحدة الأمريكية. صنّف كعالم كيميائي في العام 2013 «موسوعة علماء الكيمياء في العالم».
له أربعة مؤلفات في صناعة البلاستك وتهيئة السطوح للصناعات النهائية، إضافة إلى اثنين وخمسين بحثا، منها اثنا عشر بحثا خارج العراق.
ومن بين أهم بحوثه «الموسوعة العالمية للغازات».
يرى الخفاجي أن للبحوث العلمية أهمية كبرى في تقدم البلدان.
فقد شغلته صبغة الكلوروفيل وعرف فيها قابليته ليس فقط على امتصاص الأشعة فوق البنفسجية بل استقطابه لأشعة كاما وذلك ما يفيد في حل اشكالات ما تعلن عنه وزارة الصحة من حالات السرطانات التي يعاني منها الأطفال في جنوب العراق بسبب اشعة كاما ومبعثها اليورانيوم المنضّب.
تحدث عن مادة الكلوروفيل «المادة الخضراء المتوفرة على أوراق وسيقان النبات»، الصبغة التي تقاوم الظروف البيئية سيما درجة الحرارة المرتفعة في فصل الصيف والتي تصل في مناطق الى 70 درجة مئوية.
يقول البروفسور جليل: «فكّرت ان الكلوروفيل هذا فيه منفعة فاشتغلت مع الأخ زهير طالب، دكتوراه في هندسة المواد ، حاليا رئيس قسم البوليمرات في كلية الهندسة وحصلنا على نتائج قيمة اذ غالبا ما الجأ إلى البحوث البسيطة الأدوات التي لا تتطلب مواد ومعدات غالية الثمن او يصعب الحصول عليها - اشتغلت بعد تعريض مادة الكلوروفيل للإشعاع مدة ثلاثة أسابيع بدرجة حرارة 120 درجة مئوي خلصت الى نتيجة ان الكلوروفيل مادة رابطة ملدّنة Plasticizer وانها لا تتشقق في حال تعرضها للشمس. وفكرت ان الكلوروفيل يمكنه ايضا امتصاص أشعة كاما المسرطنة.. لكن كيف لي من الحصول على مصدر لهذه الأشعة»؟
وأضاف:»صادف وجود مشروع لدى وزارة التعليم العالي لتطوير الكوادر العراقية في الجامعات الأمريكية فرشحت الى جامعة كاليفورنيا.
كانت فرصة لتفعيل مادة الكلوروفيل حيث لم يتوفر لدي مصدر لأشعة كاما . وقد منحت فرصة شهر لمتابعة بحثي. وفكرت ان أفعّل خضار الكرفس.
فحملت في حقيبة سفري ثلاثين كبسولة من مجفف الكرفس فكنت أعالجه بغسله أولا ثم حلْجه بماكنة فرم اللحم وتجفيفه كي يسهل ادخاله داخل الكبسول.
واشتغلت في مختبرات في جامعة كاليفورنيا وهي من أعرق الجامعات الأمريكية ووصلت الى مرحلة تشعيع الكرفس. اخبروني ينبغي عليّ الاتصال بالعالم النووي الأمريكي البروفسور ميلر. وفعلا بعد ان صار لديه علم باهتمامي واني مقدم على معالجة مادة تفيد في إنقاذ أطفال العراق من تأثير العناصر المشعة المسرطنة، أكد لي ضرورة الحصول على موافقة الحكومة الأمريكية. وقد عرفت ان العالم ميلر «يهودي» يبلغ الثمانين. اتصل بي هاتفيا ليعلمني موافقة الحكومة الأمريكية على استخدام أشعة كاما. وفعلا شغّل المفاعل مدة 24 ساعة. عملت النماذج المطلوبة داخل قناني زجاجية شفافة بغطاء بلاستيكي ابيض اللون بنسبة 50 بالمئة كحول - لإذابة المواد العضوية - و 50 بالمئة ماء - لعزل الأملاح وامتصاصها وكان المحلول بتركيز قليل من الكلوروفيل بلون اخضر مصفر وشرعنا نشعع بفترات زمنية مختلفة ، نصف ساعة وساعتين واربع ساعات ومن ثم 24 ساعة. كان التشعيع بعنصر السيزيوم 137 الباعث لأشعة كاما. بعد ساعتين اختفى لون المحلول مما يعني حصول تغيير فيزيائي. بعدها حصل تكسّر الكلوروفيل. وبعد 24 ساعة من التعرض للأشعة صار لون النماذج بنفسجيا ولاحظت ان التغيير حصل فقط في اللون وان الصلادة بقيت ثابتة. ان صبغة الكلوروفيل تشابه صبغة الهيموغلوبين في الدم. الأولى تحتوي على المغنيسيوم والثانية تحتوي على الحديد.
وعلمنا ان ما تعرضت له النماذج من اشعاع وطوال أسبوعين يكفي لقتل 1440 شخصاً بوزن 75 كيلوغراماً»

وما شأن الشمندر في أمر بحثك الجديد؟

في العراق وفي شماله يهتم الفلاحون بزراعة الشمندر.
وغالبا ما نجد علامات على الطريق تعلن « ازرع بنجرا تحصد ذهبا».
في الموصل بخاصة يزرع البنجر الأبيض لاستخلاص السكّر. هذه المادة ينبغي التفكير بفوائدها. ما يعرف محليا بالشونذر هو من العائلة ذاتها.
جذب اهتمامي الصبغة المركزة المتوفرة في الشونذر. وعرفت لماذا يعتمد الغرب في مشروباته الغذائية على الخمرة الحمراء وهي ذات الصبغة الموجودة في الرمان.
تلك الصبغة هي مادة الأنثوسيانين اذ تتوفر في الشونذر مجاميع هيدروكسيلية تذوب في الماء.
استُخلصت المادة ما نسبته 40 بالمئة بعد عصر ميكانيكي حيث اشتغلت عليه طالبة ماجستير وتم تجريب العصير على الرصاص فمسكت بأيونات الرصاص كذلك امكن تجريبه على الزئبق.
وبالمثل أخذت الورد الجوري الأحمر حيث وجدنا ان صبغته الحمراء تتحسس تجاه الأمطار الحامضية فيتحول لون الصبغة الى اللون القرمزي.
كما رششنا كبريتات النحاس بتراكيز جد ضعيفة وبفترة نصف ساعة لاحظنا بروز بقع سود على بتلات الوردة مما يعني امتصاص الأنثوسيانين للنحاس وترسيبه. وهذا يساعد على ازالة التلوث.
علما ان كل جزيئة انثوسيانين برقم ذرة كاربون ثلاثي تحمل على كتفها جزيئة سكر كلوكوز ولو استخلصت هذه الجزيئة من الكلوكوز لأمكن الاستفادة منه كثيرا في صناعة الأدوية الصيدلانية.
المفيد ان اللجنة العلمية في ديوان الوزارة ترغب بالتعاقد معنا بهذا الجانب.
ومن جانب آخر أبدت الهيأة الاستشارية في مجلس محافظة بابل تبنيها لمشروع معالجة واستخلاص عصير الشونذر الذي اثبت صلاحيته لأكثر من شهرين وذلك من خلال انشاء معمل لذلك. فالمادة سهلة ورخيصة وسهلة الزراعة مجرد تخضع للتنظيف من الأتربة وإزالة الورق وتعصر ويعامل العصير صحيا بعد تخفيف تركيزه بالماء بتعبئته داخل قناني زجاجية مناسبة ويوزع على طلبة المدارس سيما والعصير أصلا يحتوي على سكر حر مما يعطي طاقة للجسم أما الألياف فيستفاد منها كعلف للحيوانات. كما أفضّل ان يكون المعمل حكوميا لكي تبقى موضوعة النوعية قائمة.
لقد تم طرح البحث مؤخرا على اعتبار كونه عاملاً مضاداً للأكسدة او ما يعرف بالعامل المختزل Reducing Agent امام عمداء المجموعة الطبية في العراق وكل ما آمل أن يحظَى باهتمامهم.

هل لمست رد فعل تجاه اهتماماتك البحثية في الخارج؟

أثناء اشتغالنا سمعنا بظهور بحث عن الرصاص من كلية الطب في جامعة كولومبيا بترسيب ذرات الرصاص بواسطة الأنثوسيانين ولكن ليس عبر الصبغة الحمراء.
عام 2012 القيت محاضرات بحثية في نيويورك، اطلنطا وانديانابولس وقد تركز اول بحث على استخدام الماء بدلا من الغاز الطبيعي في صناعة الحديد ، عابرا بذلك اسلوب تخريج الغازات المختزلة بالطريقة الكلاسيكية الملوّثة التي تعتمد على استهلاك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي مع بخار الماء في درجة حرارة الف مئوي مما يطرح سنويا آلاف الأطنان من ثاني اوكسيد الكربون الى الجو لإنتاج مليون طن من الحديد الإسفنجي سنويا كما هو حاصل على سبيل المثال لا الحصر في شركة الحديد والصلب في البصرة التي يصل إنتاجها إلى 1200000 طن. لقد هز اكتشافي التجمّع العلمي سيما موضوع الصناعة الإستراتيجية والمرتبطة بصناعة السيارات وان انشاء مصنع ريادي بهذا الشأن سيفيد في التوجه الى الصناعة النظيفة، إضافة إلى ما يساهم به من العناية بالبيئة آخذين بعين الاعتبار ما يحققه من وفر اقتصادي في الطاقة اللازمة في صناعة الحديد الإسفنجي كون العملية تجرى ضمن حلقة مغلقة.
هذا وقد تفاجأ العلماء لجوابي على تساؤلات البعض حين اطربهم خبر اكتشافي من اني من بابل- العراق. كان مدير احد المكاتب العلمية في نيويورك ينادي عليّ من اقصى القاعة Mr. Babel University)).
بدأ المؤتمر العلمي من يوم الأثنين وانتهى الخميس. في اليوم التالي بعد تقديمي محاضرتي أذيع خبر في القناة التلفزيونية ان الرئيس اوباما سيزور مدينة انديانابولس. هل حقا يعتني رؤساء الدول بأمور البحث والتطوير لما لها من مساس ودور في الشأن الأقتصادي؟ ما دهشت له ان الرئيس اوباما زار المدينة يوم الجمعة خاتمة اعمال المؤتمر وقد ظهر على الشاشة مرددا مرتين عبارته التأكيدية:»على امريكا ان تدخل الطاقة النظيفة في الصناعة عام 2014»!

فيما يخص الجانب البحثي العلمي في العراق ، هل انت متفائل وهل هناك خطوات متقدمة بهذا الخصوص؟

كباحث أرى أن معظمها إعلامية خطابية ولا المس جدية في العمل.. تسمع كلاما لكن جانب التطبيق خلافا لما يقال.

كباحث ومطلع ومتعمق في مجال النشاط الإشعاعي، ما الذي تنصح به لحماية المواطن العراقي من خطر التعرض الأشعاعي؟
أولا رفع كل السكراب وصهره. من ثم الاهتمام في التوعية بأهمية تناول الخضار خاصة في جنوب العراق. يفترض بوزارة الصحة أن تأخذ قرارا بشأن التوعية بأهمية الخضار للطفل على وجه الخصوص.
الطفل لا يميل الى تناول الخضار مثل الكرفس لكن يمكن اعتماد الكبسول الصيدلاني المعبأ بمسحوق الكرفس وتوزيعه على طلبة المدارس.
وهذا مقترح يمكن تفعيله على ارض الواقع.

في مجال الزراعة، عرفت بلاد الرافدين منذ القدم بأرض السواد لكثرة وكثافة الأرض المزروعة. اليوم العراق يشكو من تهديد اراضيه بالتصحر بما نسبته 70 بالمئة.هل للزراعة دور يمكن أن تلعبه في هذا المجال التخصصي؟

طبعا بدليل اننا تحدثنا عن تجارب مهمة حول مواد مثل الكرفس والسبانخ والشمندر والورود وهي كلها قضايا زراعية لذلك يبقى للزراعة الأهمية في حل الكثير من المشاكل.
خاتمة لقائنا الممتع ومحاضرة العالم العراقي البروفسور جليل كريم احمد في شركة الفرات العامة للصناعات الكيمياوية- سدة الهندية والموسومة - استخدام مادة عصير الشمندر كمادة ماسكة لأيونات العناصر الثقيلة السامة ليوم 11أيّار 2014، شارك بعض المحبين والمتابعين لبحوث البروفسور العراقي تناول لقم مسلوق الشونذر معا كعادة قدماء العرب حين كانوا يأكلون ما يعبدون!.