فضاءات

روائية في المقهى الثقافي العراقي : سلوى جراح تعرض صورتها في ماء ساكن / عبد جعفر

 

 

كانت ندوة متميزة جمعت بين النقد والعرض والحوار الساخن، هي أمسية المقهى الثقافي العراقي في لندن (المذياع والكتابة عن الحياة ومشاغلها) التي أقامها يوم 25-5 2014 في مقره الجديد في منطقة كامدن، والتي أستضاف فيها الروائية سلوى جراح في الحديث عن تجربتها الأدبية والإعلامية، بمناسبة صدور روايتها الخامسة (صورة في ماء ساخن) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت.
ومعروف أن سلوى جراح روائية وإعلامية عملت في إذاعة وتلفزيون بغداد بعد تخرجها من جامعة الحكمة في الزعفرانية في بغداد وحصولها على شهادة البكالوريوس في الأدب الإنكليزي. وفي العام 1977 تركت العراق الى لندن حيث عملت في هيئة الإذاعة البريطانية على مدى 22 عاما وقدمت وأعدت عشرات البرامج الإذاعية ورحلتها مع المذياع ذات خصوصية على المستويين الإبداعي والمهني والحرفي.
صدر لها لحد الآن خمس روايات هي الفصل الخامس 2005، وصخور الشاطئ 2007، و أرق على أرق 2009، و بلا شطآن 2012، و صورة في ماء ساكن 2014.
وفي تقديمه أكد الروائي والفنان برهان شاوي على الرغم من أن معلومات الغلاف لروايتها الأخيرة تشير الى أن سلوى جراح مؤلفة من فلسطين، وترجمة حياة الكاتبة تشير الى أنها من مواليد حيفا في فلسطين وتعلمت وتربت في العراق، وتعيش في لندن منذ أواخر السبعينات حيث عملت على مدى اثنين وعشرين عاما في هيئة الإذاعة البريطانية. ولكن يمكنني القول بأن سلوى جراح في معظم رواياتها هي عراقية بإمتياز، وأنها تقف بجدارة الى جانب الأسماء الروائية المعروفة في السرد الروائي العراقي.
وقال إن جغرافيا الأحداث وتاريخها وملامح أبطالها، وطقس الروائي، كل ذلك عراقي، بل إن هذه الرواية تشكل سجلا وذاكرة للكثير مما مر بهذه البلاد من محن وويلات، وتحلوات عاصفة.
وأشار الى أن رواية (صورة في ماء ساكن) لا تبتعد فيها المؤلفة كثيرا عن عوالمها الأدبية التي رصدتها في روايتها السابقة، وهي عالم الأسرة الحميم، وتفاصيل الطفولة والصبا والشباب، والخطوات الأولى في عالم الأنوثة، وإرتعاشة الشفاه وهي ترسم كلمات الحب الأولى، والإنكسارات الأولى للأحلام بسبب التحولات العنيفة لواقع المجتمع العراقي.
والرواية تتحرك بحرية في حقلين متوازيين، الحقل العاطفي الرومانسي والثاني الحقل الإجتماعي التاريخي، ملتزمة بطرائق سرد متقاربة، حيث جاءت الرواية بما يشبه السرد، أي عن لسان البطلة (بديعة عبدالرحمن الكيال)، الفنانة التشكيلية، التي تستعرض قصة حياتها منذ طفولتها ودخولها الروضة في نهاية الخمسينات، فالمدرسة بكل مراحلها، مع إجتياز الحياة الجامعية يتألق، مرورا بمعاناة ما بعد التخرج، وإنتهاء بمغادرة البلاد الى باريس لتعيش مع زوجها وإبنتيها الشابتين بعد إحتلال العراق وتشكيل حكومة جديدة ونظام جديد.
وقال أنها حكاية طويلة، شيقة، ناعمة، سلسلة في سردها ولغتها، مضيفا لقد دونت الكاتبة في هذه الرواية تحولات عاصفة جرت في المجتمع العراقي، وجسدتها في لوحات ومشاهد تتميز بصفاء أخاذ وسكون شفيف، وبالتالي جاء عنوان الرواية تجسيدا حقيقيا لبنية النص السردية (صورة في ماء ساكن) حقا.
وأكد أن أعمال سلوى الروائية تطرح حكمة مستمدة من تفاصيل الحياة اليومية وهي لا تقولها على لسان الأبطال من خلال الحوارات..ألا ما ندر.. لكن البناء السردي والدرامي للأحداث والتفاصيل الصغيرة يوحي للقاريء بتلك الحكمة الجارحة.. حكمة الحياة وليست حكمة الكتب وجدل الأفكار.
وقال في هذه الرواية أضافت سلوى لرصيدها نصا جميلا، شفافا، تتحرك بين جنباته شخصيات تنبض بالحياة وبالمشاعر الجياشة، وتحتمي بظلال رومانسية حاولت الكاتبة ، بدراية منها أو بعفوية، أن تستخدم تقنيات الظل والضوء للكشف عن ملامح أبطالها، ونجحت في ذلك.
مختتما بالقول أن اعمال سلوى تزين المشهد الروائي العراقي فهي أعمال عراقية بجدارة.
وفي حديثها اشارت سلوى جراح الى أن فكرة كوني عراقية مازالت تلاحقني، فأنا ولدت في فلسطين مدينة حيفا، أذ أنتقل والدي الى العراق عام 1948 وعمل في البصرة وأحب العراق، ومنح الجنسية العراقية عام 1952،
وفي العراق تعملت ونشأت وتزوجت الى أن خرجت الى بريطانيا عام 1977.وعملت في هيئة الاذاعة البريطانية ضمن (الكوتا) العراقية.
وأضافت تعلمت من محيطي كيف أعيش في هذا البلاد وأنتمي اليه، وتعلمت الكثير، وبعد تركي الوظيفة فكرت بالكتابة ولكن لم أتجرأ عن تناول العراق، رغم حبي له، فقلت سأكتب ما في جعبتي عن تجربتي الإعلامية في لندن وتأثير بعض الاصدقاء علي، وذلك في رواية (الفصل الخامس)، ثم كتبت رواية (صخور الشاطئ) عن فلسطين أيام عشرينات القرن الماضي، عن شاب يكبر في زمن الهجرة اليهودية وهويتلمس طريقه في الحياة والعمل.
وبعدها كتبت روايتي (أرق على أرق) عن الفلسطينيين الذين يعيشون في لندن حيث تناولت السلطة الفلسطينية من خلال شخصيات نافذة وسط الجالية العربية.
وتساءلت :لماذا لا أكتب عن العراق؟ وأنا أعرفه وعشت فيه وفيه كل ذكرياتي طفولتي وشبابي وحبي؟
وتجرأت لأول في الكتابة عبر رواية (بلا شطئان) عن عراقيين يعيشون في الغربة من خلال ثلاث نساء وثلاثة رجال.
وتقول أحدى البطلات وأسمها (جمانة) وهي تشبهني فلسطينية وتعرقت.
-أنا اخترت الوطن بملء ارادتي... ولهذا أنا عراقية أكثر منك !
وأضافت في روايتي الأخيرة الخامسة (صورة في ماء ساكن) قلت أن العراق وطني، لأكن شجاعة وأكتب عنه، وذلك من خلال ( بديعة عبد الرحمن الكيال) وهذه أول مرة أكتب بضمير المتكلم (الأنا) ، فهذه الشخصية عاشت سنوات الأولى أيام ثورة 14 تموز رغم أنها لم تفقه منها شيئا. وبعد أن كبرت ودخلت أكاديمية الفنون الجميلة تعرف على الوسط خارج محيطها الإجتماعي وتطور الوعي لديها.
وقرأت مقاطع مختلفة من الرواية عن تلك السنوات.
بعد ذلك أنفتح باب الحوار بين الروائية والعديد من زبائن المقهى وأشترك بالحوار الدكتور برهان شاوي.
وتناول الحوار موضوعات مختلفة منها تحول في شخصية صديق البطلة (بديعة) من مناضل ومقاوم الى مقاول، وموضوعة الأدب النسوي ، وطبيعة السرد والامتاع في العمل.
وأوضحت الكاتبة أنها تميل الى اللغة الواضحة والمفهومة، وهي لا تؤمن بأن هنالك أدب نسوي وأدب رجالي ، والأمر يعتمد على ثقافتنا والتراكم المعرفي لدينا.
وفي ختام هذه الأمسية جرى توقيع لروايتها التي تبرعت بأثمانها لدعم المقهى الثقافي .