فضاءات

حبيب حنونا : يد في الهندسة والرسم والشعر.. وثانية في التاريخ / كمال يلدو

منذ طفولته، كان مسحورا بالتلال المنتشرة في مدينته الجميلة "كرمليس أو كرمليش" وظل يسأل، وهو يلتقط قطع الفخار المبعثرة هنا وهناك: يا ترى لمن تعود هذه، ومن كان يسكن هنا؟ وتأخذ الحياة مجراها، وينغمر الفتى بالدراسة والعائلة والأهتمام بمصادر المعيشة، لكن الهاجس بقى عالقا هناك.. عميقا داخل الروح التي تبحث عن اجابات تريحها من القلق.
ولد الأستاذ حبيب حنونا عام 1943 وأنهى الدراسة الأبتدائية في "مدرسة كرمليس"، ثم متوسطة "ام الربيعين" في الموصل وإنتقل الى بغداد فأكمل الثانوية في "الجعفرية المسائية" عام 1960. بعدها إلتحق بمعهد اللغات العالي لدراسة اللغة الأنكليزية والألمانية، وسافر الى ألمانيا الغربية لدراسة الهندسة المعمارية، لكنه عاد ليلتحق بجامعة الحكمة ببغداد لدراسة الهندسة المدنية، والتي أكملها عام 1971. في الجامعة برزت العديد من مواهبه في الرسـم والأدب والشعر والمسرح، إضافة الى البحث العلمي. وبعد تخرجه عمل مع بعض الشركات ثم أسس شركة هندسية للمقاولات العامة خاصة به قبل أن يغادر العراق مع عائلته الى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1991.

عن أي من مواهبك نبدأ الحديث؟

أرغب ان ابدأ بالحديث عن الرسم، فقد بدأت منذ كنت في الصف الخامس الأبتدائي، ونمت هذه الموهبة معي وتطورت عبر عدة سنوات من الممارسة، أنجزت خلالها أكثر من خمسين لوحة زيتية وعشرات اللوحات التخطيطية والمائية والرسم على الزجاج. ومن أهم لوحاتي الزيتية هي لوحة " الأم " و لوحة " على الجلجلة " وهذه الأخيرة، هي لوحة كبيرة أنجزتها خلال وجودي في جامعة الحكمة وأهديتها الى كنيسة الجامعة، وعند تأميم الجامعة 1968 سرقت ولازالت مفقودة. اما آخر اللوحات التي لم تكتمل فهي ، بورتريت لي ولزوجتي العزيزة.

ولكن كانت عندك محاولات شعرية أيضاً، أليس كذلك؟

نعم واعتز بها كثيرا، اذ بدأت هوايتي منذ اوائل الستينات من القرن الماضي، وقد جمعت معظم قصائدي في ديوان أسميته "أنين الجراح " لكنه للأسف لم يطبع، وبقي مخطوطا، إلا أن قصائده نشرت في العديد من المجلات (منها مجلة ألف باء ) والجرائد العراقية أنذاك وبث قسم منها من إذاعة لندن العربية.

وماذا عن هواية السفر؟

زرت معظم بلدان اوروبا الشرقية والغربية ولمرات عديدة، من أجل السياحة والأطلاع وزيارة متاحفها والبحث عن المصادرالتاريخية، وفي عام 1984 قمت في جولة حول العالم إستغرقت ثمانين يوما " حول العالم في 80 يوما " سافرت من الكويت غربا و أتيتها شرقا ، وما زال السفر مشروعا قائما الجأ اليه كلما سنحت ظروفي، فهو مشروع لا يمل منه ابدا.

وماهي قصتك مع التأريخ؟

محبتي للتاريخ نابعة من محبتي للوطن، فهو مثوى الأباء والأجداد، وهو المكان الذي إذا ما فارقناه يبقى قلبنا فيه نابضا، اما التاريخ فهو مدرسة إنسانية عظيمة، نستقي منها الدروس والعبر، وهنيئا لمن يتعلم في رحابها. "كرمليس" مسقط رأسي، هي بلدة تاريخية عريقة في القدم. ومنذ أن كنت صغيرا كنت أجوب حقولها وأرتقي تلالها القريبة، فيدهشني أن تكون تلك التلال والكثبان المحيطة بالبلدة مليئة ببقايا الأواني الفخارية، والقطع الأثرية، فنشأت لدي رغبة شديدة في البحث عن خبايا هذه التلال الأثرية، ومن هنا بدأت مسيرتي مع التاريخ وأنا في العقد الثاني من عمري. في بغداد واظبت على زيارة المتحف إسبوعيا. كنت اتصفح كتب الآثاريين والمؤرخين والمخطوطات ذات العلاقة بتاريخ العراق عموما و بلداتنا في سهل نينوى خصوصا، وأدون وأسجل المعلومات التاريخية، وخلال ترددي المستمر على المتحف منذ أواخر خمسينات وستينات القرن الماضي تعرفت على العديد من الآثاريين و البحاثة أمثال الدكتور فؤاد سفر و البحاثة المؤرخ كوركيس عواد الذي شجعني كثيرا للقيام بالبحوث التاريخية ودراسة اللغة المسمارية الأكدية. ومن دواعي الفخر ان يكون أول مؤلفاتي هو كتاب "تاريخ كرمليس" الذي طبعته عام 1988 و نال إستحسان كل من طالعه أو إقتناه. ان ما يسعدني أكثر ان يصبح هذا الكتاب، مرجعا قيما للعديد من الباحثين والمؤرخين العراقيين والأجانب. ان عشقي للتأريخ دفعني ان ابحث في اللغة ايضا، فدرست اللغة المسمارية - الأكدية ومفرداتها الموروثة في "لغة السورث" وألفت فيها كتابا أسميته " السورث و الأكدية "، والذي إستغرق البحث فيه قرابة العشر سنوات ( 1977/ 1987)، ثم قدمته في عام 1987 الى الأب الدكتور يوسف حبي عميد كلية بابل لمراجعته وإبداء رأيه فيه، وكنت أنوي تقديمه لنيل شهادة الدكتوراة، الا ان هجرتي مع عائلتي الى الولايات المتحدة حال دون ذلك. ويضيف الأستاذ حنونا لا ابالغ ان قلت لك بأني قرأت طوال حياتي آلاف الكتب، وبشتى اللغات، ولا ادعّي بأني استوعبتها جميعها، الا ان نسبة كبيرة منها صنعـت (حبيب حنونا) الجالس معك، وانا مدين للكتّاب والمؤلفين العظام الذين اناروا دورب الملايين مثلما اناروا دروب المعرفة عندي، فأنا مؤمن بالمثل القائل (أن يزخر بيتك بالكتب خير من أن تمتلئ محفظتك بالنقود)، وبالمثل الأنكليزي القائل "الكتاب الجيد هو صديق حميم". ولهذا، فقد جمعت من الأصدقاء الحميمين عددا كبيرا، تبرعت بقسم منها قبل مغادرتي العراق الى كلية بابل، بما فيها (22) مخطوطة، بالخط الأرامي الشرقي، يرجع تاريخ بعضها الى ثلاثمائة عام أو يزيد، والقسم الآخر الى مكتبة مار أدي في كرمليس.

وما هي أبرز إنجازاتك؟

محصلة مؤلفاتي لحد يومنا هذا هي التالية :
1- "تاريخ كرمليس" بغداد 1988 ساعد في إعداده و كتابة فصوله الأجتماعية الأستاذ بهنام سليمان متي
2- "كنيسة المشرق في سهل نينوى" ساندياكو 1992
3- "لمحات من تاريخ كلدو وآثور" ساندياكو 1994
4- "الكلدان و المسألة القومية" ديترويت 2004
5- "سفر الخروج الكلداني" ديترويت 2013 وهو بحث أكاديمي مطروح للمناقشة لمنحه شهادة أكايدمية في الدراسات العليا
الكتب المخطوطة :
1- " السورث و الأكدية " بغداد 1990
2- "سهل نينوى" ديترويت 2003
3- "ديموغرافية الكلدان" 2004 منشور على حلقات في كرملش نت".
واضاف: من حسن حظي ان اكون الآن (متقاعدا) وأملك وقتا جيدا احاول توزيعه بالعدالة بين زوجتي والعائلة والأحفاد، وبين ممارسة هواياتي ونشاطاتي الأخرى التي تمدني بالحيوية الدائمة. فأنا شخصيا اعـّد نفسي كاتباً وباحثاً في تاريخ بلاد ما بين النهرين، ولي العديد من الكتب المطبوعة والمخطوطة وعشرات المقالات التاريخية منشورة في العديد من المجلات ( صوت الأمة، الكلمة، فينوس، المنتدى، كلدان ديترويت تايمس وغيرها) والمواقع الألكترونية ( عنكاوة، كرملش نت، باقوفا، عين نوني، ويكيبيديا) كما وأني متواصل جيد مع الكثيرين عبرموقع (كرملش نت) والذي اديره منذ تأسيسه عام 2010 . ولمن يرغب تصفح الموقع، يستطيع عبر http://www.karemlash.net

وماذا عن فلسفتك؟

الاستقامة في العمل والأمانة والصدق في التعامل مع الآخر والأستمتاع في الحياة، لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، كن متفائلا دائما، لا تنظرالى نفسك في القمة فيراك الناس صغيرا، كن متواضعا فتكبر في عيون الناس، لا تجادل الجاهل فيغلبك، كلنا تلاميذ في مدرسة الحياة لم ولن نبلغ الكمال أبدا.

وما هو رأيك بالوعي الوطني للجالية؟

الظلم والأضطهاد الذي مارسه حكام العراق ضد أبناء أمتنا في العصر الحديث، كمجزرة سميل ومجزرة صوريا والأعدامات على يد البعث وأخيراً نكرانه لحقوقنا القومية بقرارهم سيئ الصيت الذي ألغوا فيه قومية مسيحيي العراق من الكلدان والآشوريين والسريان وإعتبارهم عربا، ترك اثره على جيل كبير، غيبت عنه ابسط مقومات المعرفة فصار يعتبر نفسه (عربيا) لأنهم هكذا لقنوه، وفي الجهة المقابلة فأني اعيب على بعض الأخوة الذين تأخذهم الحماسة احيانا الى موقع التطرف والكلام غير الموزون عندما يكون الحديث عن القومية وعن العراق. انا اؤمن بالثقافة والعلم، وأعتبرهما اكبر اداة لتطور اي مجتمع او قوم، وحتى تزدهر قوميتنا او شعبنا او جاليتنا، لا بد من الثقافة والعلم، عند ذاك سيتوصلون الى حقيقة الأمور دون تشنج. ان الفرص موجودة، والحرية موجودة، وكل ما تحتاجه الناس هو الأندفاع والثقة بالنفس، وهذه المسؤولية يجب ان تكون تضامنية بين ابناء الجالية ومؤسساتها وأحزابها وجمعياتها، من اجل ان نكون حقا في خدمة الجالية".