فضاءات

القير السومري من ضياء الى وحش ضار

لندن ـ عبد جعفر

ماذا قدم النفط لمنطقتنا وبلادنا غير الحريق والخراب!!
هكذا صرخت مجموعة من الفنانيين التشكيلين، في معرض خاص أقاموه في لندن، عبر إعمال غير مألوفة، أرادت أن ترينا عن كيفية تحول هذه النعمة الى نقمة، أن ترينا هول الكارثة، على حد تعبير الفنان هاني مظهر.
أفتتح المعرض، الذي أقامته جمعية التشكيليين العراقيين، يوم 18 أيلول في صالة فنية في شارع جالتن شمال لندن بأسم معرض (خامات)، وشارك فيه الفنانون د. علاء بشير و باسم مهدي وهاني مظهر و جلال علوان و مريوان جلال و محمدعلي داوود و رائد هوبي و سؤدد النائب و زينة الجواري، بالإضافة الى فنانيين بريطانيين هما أندرو سمث وريشارد جانس.
يركز المعرض في جميع إعماله على حالة واحدة، هي حالة الخراب الشامل، فالأعمال تكمل بعضها البعض، وكأنها من عمل فنان واحد، أذ تشعر الزائر بالصدمة حال دخوله المكان، براميل نفط تسحق إنسانا وتهشم عظامه، براميل أخرى تسحق احلام الطفولة، وأخرى تحول دون أن تمسك الأيادي بالرغيف. وتقف براميل سوداء كأنها جند يهددونك بحراب بنادقهم ويقطعون عليك الطرق، وأخرى ترتفع كطود شامخ وتحته أجساد مطحونة بالعذابات، وعمل لأنسان يعلوه برميل نفط يجثم على صدره، وأخر رؤوس معلقة ويقف امامها برميل كجلاد يحذرنا من الأقتراب، وجسد أخر لا نعرف ما إذا كان ينزف دما أم النفط يأكل روحه قبل جسده؟ أعمال متنوعة تشير الى دم الناس وهو يراق من اجل مادة سوداء تتحول الى نقود في جيوب من يمتلك السيف.
يقول الفنان هاني مظهر:عندما شيّد السومري قبل أربعة آلاف سنة زقورة أور المقيّرة راصفا حجارتها بالنفط ليرتقي الى السماء حيث النور والخير، لم يكن يدري بأن الشر ينام تحت قدميه ليستيقظ بعد عشرين قرنا، وحشا ضاريا مدججا بالمعتقدات والأيديولوجيا والأرقام المرعبة. هناك وضع الإنسان امام خياره الحاسم بين حرائق النفط وضوئه . ولم تكن مصادفة أن يخرج أبو الأنبياء من تلك النار ليجول في أرض الله الواسعة بحثا عن النور! هل قدّرعلى البشر ان يواجهوا هذا القدر بكل تفاصيله الصغيرة، النفط ، الخيار الحاسم بين النار والنور؟ الأن ، بعد اربعة الاف سنة ، نقف على زقورة التاريخ ، تحيط بنا حرائق النفط من كل الجهات ، تلتهم بنيرانها الشرسة الناس والحجارة وأحلامنا التي اطبقنا عليها العين والقلب.
في هذا المعرض - الشاهد على هول الكارثة، نضع جانبا حسابات السياسة وأرقام الاقتصاد وأسعار برميل النفط، جئنا بالبراميل محملة بكل آثام البشر الذين أشعلوا نارها حول أول الأنبياء وتحاصراليوم، بعد أربعة آلاف سنة القليل الذي بقي لنا من أمل.