فضاءات

ذكريات عن موكب (العباسية الشرقية) في كربلاء المقدسة / جبار موسى آل يحيى

سنويا في (عاشور ومحرم) ينطلق ويتجدد (موكب المناضلين) من ابناء منطقة (العباسية الشرقية) في كربلاء المقدسة. كربلاء الإباء والتضحية والفداء، كربلاء الشهيد الثائر الحسين عليه السلام. الموكب يجدد الولاء لمبادئ الحسين واهدافه التي ثار من اجلها ويجسدها في الموقف من الجريمة ومقارعة الاستعمار واذنابه وظلم الاقطاع والرجعية في ايام النظام الملكي، وليرسخ مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الانسان في الحرية والعيش الكريم ايام ثورة 14 تموز المجيدة. واما دور الموكب في عهد الدكتاتورية والاستبداد والظلم الذي قمع الحريات واوجد المقابر الجماعية و?جن الاحرار، وكذلك منع الزيارات الحسينية وبث الخوف والرعب في جماهير الشعب ومنع الشعارات الوطنية والديمقراطية التي يخاف منها الطاغوت في كل مكان.
ففي هذه الايام العاشورية تتوالى اصوات الوطنيين والمحبين لشعبهم ووطنهم المطالبة باسقاط نظام الدكتاتورية المرعب والمتمثلة (بالردات والهوسات) التي تعبر عن تطلعات واماني الشعب والتي يؤلفها شعراء معروفون بوطنيتهم وينددون بالحكم البوليسي واطلاق السجناء السياسيين من الاساتذة والمعلمين والطلاب والكسبة والعمال. فكان الموكب يسير بين الحرمين وجماهير الزائرين يحيونه ويرحبون به ويرددون ما يقوله، وسلطات النظام الديكتاتوري تنظر بغضب نحو المشتركين. وسمي الموكب العباسية الشرقية بهذا الاسم نسبة الى المنطقة التي ينطلق منها المشتركون من ابنائها وهي المشهورة بالوطنية والثورية يسكنها اصحاب الدخول المحدودة والعمال والفقراء والكسبة الذين لا يملكون من حطام الدنيا شيئا سوى قوة عضلاتهم واحلامهم ووطنيتهم. وكان النظام يطلق على هذا الموكب أسم "موكب الشيوعيين" لانهم يشكلون النسبة الكبرى فيه.
واتذكر عندما كنت طالبا في الثانوية التي تقع في مدخل بغداد واغلب طلابها من الوطنيين فانهم ينتهزون اي مناسبة او حدث وطني ليقوموا بالتظاهر داخل المدرسة. ليعبروا عن شعورهم الوطني. وكان في المدرسة (معلم الرياضة لا اتذكر اسمه) الذي عرف بوطنيته الصادقة مشتركاً مع الطلاب. وكان المحرك لكل الفعاليات والنشاطات الوطنية في المدرسة واهم هذه الفعاليات الاستعداد لموكب العباسية الشرقية وكان يصرف راتبه ويجمع بعض المبالغ البسيطة لشراء قماش للافتات والاعلام ويخطها بيده بالتعاون مع بعض الطلاب ويكتبون عليها الشعارات الثورية الذي لا ندري من اين تأتي واخيرا عرفنا انها تأتي من منظمة كربلاء للحزب الشيوعي العراقي وكان يوصي المشتركين بالانضباط واحترام الاخرين والسير وفق نظام المواكب وعدم التعرض لاحد وكانت شعارات حب الحسين وحب الوطن والدفاع عنه ومطالب سياسية ومهنية ترفع في هذا الموكب المهيب، وترفع شعارات اللعنة على قتلة الحسين(ع) وعلى كل ظالم في الارض.
واتذكر من الزملاء الذين كانوا معي في الصف والمدرسة الراحل محمد علي الخفاجي الشاعر المعروف الذي رحل عنا قبل اكثر من سنة فكان معنا قلبا وقالبا وقد ذكرت له هذه المواقف في احدى جلسات اتحاد الادباء فقال كانت تلك الايام مفعمة بالوطنية والحماس والشباب. فاصبح هذا الموكب تقليدا سنويا وتراثا للحركة الوطنية ولمناضليها. والان وفي كل سنة يتجدد وتزداد اعداد المشاركين فيه، ويرفع شعارات المرحلة وهي مكافحة الفساد وتفعيل قانون الاحزاب ومكافحة الطائفية والتهميش والمطالبة بعقد مؤتمر وطني اوسع لكل من يؤمن بالتغيير والعملية السياسية ووضع حلول ناجحة للمشاكل التي يعاني منها البلد، والعمل على ادخال الخبرة والكفاءة والمهنية في جميع مفاصل العراق من اجل التقدم ودحر الارهاب.