فضاءات

خصوصية التعددية في بريطانيا .. الجالية العراقية نموذجا / عبد الرزاق الصافي

صدر مؤخرا كتاب «التعددية في المجتمع البريطاني»، مع دراسة ميدانية خاصة بالجالية العراقية في لندن، عن دار الحكمة في العاصمة البريطانية، للباحث العراقي عبد الحسين صالح. وفي معرض التعريف بالكتاب قال الباحث: «إن فكرة التعددية من أكثر المواضيع تداولا في عالمنا المعاصر، الذي يمتاز بالتعقيد والتنوع. فقد جاءت فكرة التعددية بالضد من الأحادية بمختلف صورها، أي ضد فكرة البعد الواحد. وأشار الباحث إلى اعتبار الفكر التعددي فكرا ديمقراطيا متنوعا. وذكر أن: «بريطانيا، التي اختارت النهج الليبرالي الديمقراطي قد انطلقت من منطلق العداء للفكر الأحادي بمختلف أشكاله.
قسم الباحث كتابه إلى بابين: الباب الأول «أصول الفلسفة التعددية»، الذي استغرق ما يزيد على المائتي صفحة، مستعرضا الإطار المنهجي والنظري للدراسة، ومراحل تطور مفهوم التعددية، الذي تحدث فيه عن فلسفة التعددية من خلال ما كتبه العلماء والمفكرون والفلاسفة بدءا من توماس هوبز ونظرية الدولة، مرورا بجون لوك وقانون الفصل بين السلطات، ومونتسكيو ومبدأ فصل السلطات، وروسو والإرادة العامة والهيجيليون اليساريون. وتطرق إلى آثار التعددية الفكرية والسياسية والاجتماعية والفلسفية لدى فلاسفة التنوير والفكر الاشتراكي.
وكرس المؤلف فصلا عن أنواع التعددية: السياسية والثقافية تطرق فيه إلى خصوصية تجربة التعددية في بريطانيا، وأشكال التعددية الثقافية وإشكالياتها وآثارها. ومن ثم تحدث عن مصادر التعددية، وخصص مبحثا عن اليمين المتطرف في أوروبا وفي بريطانيا، وآخر جعل عنوانه «المسلمون في أوروبا» تحدث فيه عن التجربة الألمانية وخصوصية التجربة الفرنسية والإسلام الأوروبي وجدل الاندماج، ومبحثا عن الجالية الإسلامية في بريطانيا استعرض فيه «المظاهر الإسلامية في بريطانيا والعزلة والاندماج والهوية». وختم الباحث الباب الأول بخلاصة كثف فيها ما ورد فيه من مباحث وآراء.
أما الباب الثاني الذي استغرق ما يزيد على المائتين وستين صفحة فقد جعله بعنوان «الجالية العراقية في لندن»، واستعرض في فصله الأول العلاقات بين بريطانيا والعراق والاحتلال البريطاني للعراق والوجود العراقي في بريطانيا. وكرس الفصل الثاني لـ«الدراسة الميدانية الخاصة بالجالية العراقية في لندن»، وقسمه إلى عدة مباحث.. المبحث الأول: خصائص عينة البحث من حيث الجنس والعمر والعمل والمستوى التعليمي والحالة المدنية والديانة والإقامة. وتحدث في المبحث الثاني عن الهجرة إلى بريطانيا ودوافعها وموقف الجهات الرسمية البريطانية. وتحدث في المبحث الثالث عن الجالية العراقية من حيث التنوع الثقافي والرغبة في الاندماج وقيم العلمانية والتمييز في المجتمع البريطاني وأسباب التطرف والتوافق بين الإسلام والثقافات الأخرى، وهل يمكن للمسلمين أن يكونوا مواطنين غربيين، والموقف من المتطرفين.أما المبحث الرابع فقد كرسه الباحث للحديث عن التعددية الثقافية والسياسية. وتحدث فيه عن مبدأ الاختلاف والتعارض والإيمان بمبدأ التسامح ومساهمة التعددية الثقافية في الحوار والتسامح، وعن التحسس من الآخر المختلف، وتساءل: هل أخفقت سياسة التعددية الثقافية؟ وتحدث عن التعددية باعتبارها أحد أهم مقومات السلم الاجتماعي، وهل أن تقاطع الثقافات يهز الاستقرار والسلم الاجتماعي، ومساهمة التنوع الثقافي في الحد من حالات التطرف والمساهمة في خدمة الوسط الثقافي. وتطرق إلى موقف الأحزاب البريطانية تجاه مبدأ التعددية، ومساهمة النظام السياسي في التوازن بين مختلف الجاليات، وركز على الاستفادة من التجربة البريطانية باعتبارها تجربة ناجحة ومميزة عن باقي الدول الأخرى، وأشار إلى أن النسبة الأكبر ممن شملهم الاستبيان الذي أعده الباحث، وهي نحو 44.5 في المائة أكدوا إمكانية الاستفادة من التجربة البريطانية في عالمنا العربي والإسلامي المعاصر.وجعل الباحث عنوان المبحث الخامس هو الاندماج. وتحدث فيه عن الاندماج بالثقافة البريطانية، ومدى هذا الاندماج في العينة التي استفتاها بالمجتمع البريطاني، وأسباب عدم الاندماج، ومقارنة سياسة الاندماج في فرنسا وبريطانيا، وعملية الاندماج وعلاقتها بأجيال الهجرة وعوامل الاندماج الاجتماعي ودور العمل وتعلم اللغة الإنجليزية وتدريس الأديان والحصول على الجنسية البريطانية في عملية الاندماج الاجتماعي.وخصص الباحث العراقي عبد الحسين صالح المبحث السابع من الباب الثاني الذي خصصه للجالية العراقية في لندن لنشاطات أبناء الجالية ومراكز نشاطاتهم الثقافية والاجتماعية وعلاقة ذلك بحجم الجالية العراقية ومراكزها ومساهمة هذه المراكز في عملية التوعية. وكرس الباحث المبحث الثامن لعلاقات الصداقة مع البريطانيين، وطبيعة العلاقة مع الجار البريطاني. أما المحور التاسع وهو الأخير فقد خصصه الباحث للديانة والتردد على أماكن العبادة وطبيعة الالتزام الديني ومدى حرية ممارسة الطقوس الدينية. وتحدث بعد الخاتمة عن نتائج الدراسة العامة ونتائج الدراسة الميدانية الخاصة بالجالية العراقية. وأشفع ذلك بتقديم توصيات موجهة إلى أفراد الجالية العراقية، وتوصيات أخرى للسلطات الرسمية البريطانية، وكذلك توصيات موجهة إلى المؤسسات الرسمية والشعبية في العراق، استمدها من حصيلة الاستبيان والبحث الأكاديمي والطريقة العلمية في تناول الموضوع. ولتعظيم الفائدة من البحث نشر الباحث نماذج من الاستبيان وكذلك تعريفا بالبحث باللغة الإنجليزية.وختاما يمكن القول بثقة: إن هذا البحث الجاد، الذي هو أطروحة دكتوراه قدمت إلى الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن، جدير بالتقدير وباللقب العلمي الذي يستحقه، فقد سد فراغا في المكتبة العربية في هذا المجال الحيوي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن صحيفة «الشرق الاوسط» اللندنية.