فضاءات

حسيب سعيد عبيد الزهيري شخصية ديمقراطية في ذمة الخلود / د . سعدي السعدي

كنت في مجلس تأبين احدى الشخصيات المندائية في ستوكهولم، واستمعت إلى كلمة عائلة الفقيد التي أثارت فيّ الرغبة في الكتابة عن جنود مجهولين في الحركة الوطنية العراقية، قدموا قسطاً هاماً من حياتهم من أجل قضية وطن حر وشعب سعيد.
إنه المناضل: حسيب سعيد عبيد الزهيري
وتكريماً لهذا المناضل لا بد من ذكر شيء عنه للتاريخ.
جاء في كلمة العائلة ما يلي:
(ببالغ الحزن والأسى رحل عنا أبونا وصديقنا وروحنا الى جنات الخلد .. بالأمس كنت هنا واليوم راحل عنا .. بالأمس بكيت علينا واليوم نبكي عليك .. سنفتقد يدك الكريمة ولسانك الطيب .. سنفتقد حنان نظراتك وصوتك ..لقد سقانا من عطفه حتى ارتوينا به .. اطعمنا حنينا حتى اتخمنا منه ..كان معلماً لنا قبل ان يكون أباً رحيما عطوفاً علينا يشق الصعاب ويتخطى المتاعب ليوفر لنا أسباب الراحة والنوم الهانئ..
كم كانت حياتك متعبة دون ان تشعرنا بذلك ..وعيت عليك معلما في إحدى المدارس وكنت أنا من بين تلامذتك الصغار ..فكبرنا وكبرت انت فكنت هنا سائقاً {بعد ان تقاعد والدي أتجه إلى مهنة السياقة في الثمانينات من ذلك الوقت} ..
فكبرنا وكبرت انت فكنت هنا مصفياً للذهب {وفي التسعينات اتجه الى مهنة التصفا في شارع النهر} ..
ومن هنا بدأت أحداث الفرقة والغربة ومعاناة الفراق.. بين رحيلنا وتشتتنا .. حين بدأت حياة البعد بعد ان كنا مجتمعين .. حياة الصمت بعد ان كنا مبتسمين.
بعد ان كنت جبلاً صلباً اصبحت قلباً موجوعاً {عندما أجريت عملية كبرى لقلبه} ..
رحلنا الى بلاد الغرب وأصبحت سوريا موطنك..سبع سنين من الأوجاع والآهات والآلام {سبع سنوات مدة اقامته في سوريا وآلامه عندما دخل مرات ومرات الى المستشفى في غيبوبة} ..
فتهافتت عليه الأمراض لتصرعه أرضاً مرات عديدة، فينهض واقفاً شامخاً فعندما نتصل به فكان يقول: اولادي لا تقلقوا علي اني بخير مدام أنتم بخير.
فكان يصارع آلامه حتى يحقق حلمه للوصول الى وطنه الجديد استراليا ليعيش بسلام ما تبقى من عمره في بيت صغير يجمعنا معا مجددا.
بيت تحيطه حديقة صغيرة وأشجار هنا وهناك ويستمتع بأصوات أحفاده.
وهنا تدخل القدر ليقف حاجزا منيعا بينه وبين حلمه البسيط ليبلوه بمرض خبيث كان الأقوى.
ويصارع المرض حينا ويتلاوى مع الموت حينا لمدة سنة.. كان شمعة تذوب يوما بعد يوم وتذوب قلوبنا معها.
وهنا لا بد للقدر ان يضع خاتمة للأحداث الطويلة والمؤلمة.. ان يضع نهاية لقصة رجل عرفه اصدقاؤه ومقربوه طيبة قلبه..)
هذه الكلمات كتبها إبنه مازن حسيب سعيد الزهيري ..
أي رجل هذا الذي يترك بصمات رائعة في حياة أولاده وأحفاده.. فقررت أن أتتبع سيرة هذا الرجل .. فاتصلت ببعض معارفه لأصل إلى الشخص الذي يعرف بعضاً من سيرته الذاتية المجهولة لدى الجميع بعد أن مضى الزمن ولف تاريخه النسيان كما هو حال العديد من المناضلين.. يقول الصديق العزيز غازي عبود الزهيري عن الفقيد التالي:
(كان حسيب سعيد غافل الزهيري أحد أعضاء الحزب الشيوعي العراقي، تعرفت عليه بعد انقلاب شباط الاسود حيث اشترك في انتفاضة الشهيد حسن سريع في 3 تموز 1963. ومن الصدف لم يتمكن جلاوزة البعث الفاشي المجرم من النيل منه حتى انتهى نظام البعث على يد العارفيين (عبد السلام وعبد الرحمن)، حيث ظل يواصل العمل الحزبي حتى سنة 1968، وبعد عودة البعث إلى الحكم مرة أخرى وقيام ما يسمى بالجبهة الوطنية، التقيته شخصياً وعملت معه في إحدى منظمات الحزب .. وبعد فشل الجبهة وبداية هجوم البعث على الحزب الشيوعي مجدداً افترقنا وإلى وقتنا الحالي..).
لهذا المناضل حق علينا ، فسيرة حياته التي سطرها إبنه يبيّن بما لا يقبل الجدل أي إنسان عظيم هذا الذي تلاقفته الحياة من ضيق إلى ضيق لتربية أولاده تربية صالحة دون أن يرتمي في أحضان حزب مجرم ملطخة أياديه بدماء خيرة أبناء الشعب العراقي، حزب النظام البعثي الذي باع الوطن إلى مجرمي العالم من كل حدب وصوب وهاهم القتلة بفضله ينتشرون في كل مكان يشيعون القتل والدمار، في وطن أراد له هذا المناضل أن يكون حراً ولشعبه أن يكون سعيدا.