فضاءات

رسام الحياة بالكلمات في ضيافة المقهى الثقافي العراقي في لندن / عبد جعفر

في أمسية رافقها البوح والإستماع لصوت الشعر،إحتفل زبائن المقهى الثقافي العراقي في لندن يوم 18-1-2014 بإستضافة رسام الحياة بالكلمات الشاعر هاشم شفيق في أول أمسية شعرية للمقهى في العام الجديد. وضيف المقهى هو أحد شعراء سبعينيات القرن الماضي المهمين، وصدر له العشرات من الدواوين والكتب الأخرى، ويعد ديوانه الأول (قصائد أليفة) بداية تأسيس حضوره المؤثر في الساحة الشعرية، غادر الوطن عام 1978 متجها الى مناف عديدة منها فرنسا، وسوريا، ولبنان وكان أخرها بريطانيا حيث استقر بها منذ بداية التسعينيات.
وأشار الفنان فيصل لعيبي في تقديمه الى أن هاشم شفيق مشغول بالطبيعة والحياة والكون والأشياء البسيطة التي لا ننتبه إليها، مانحا إياها الشخصية والكينونة، فتويج الزهرة مثلا نراه مختلفا في تناول الشاعر وتعبيره وحديثه عنه، مضيفا ان شعر هاشم هادئ وتحسه حميميا وداخليا وبعيدا عن الضوضاء.
ثم قدم الشاعرعددا من قصائده ، ومنها (السياب في لندن) حيث يكشف فيها كيف يتلبسنا ألم السياب..ألم الشاعر، لنصبح مثله نتكئ على وهم يجمع اشلاءنا ، فيصبح الزمن والمكان زئبقا يصعب مسكه، يشهد على الضياع.
فبعد إرتحالي الطويل،
تيقنت
أن دثاري زجاج
فلم يقني
برد الشوارع
أو قرًّ
تلك المدائن،
نمت هنالك
تحتي رمال
وفوقي شظايا
انتهيت الى كسر
من مرايا،
أحطت كياني بها
فحياتي بدت في النثير تعيش،
وكنت مشظى تماما،
كسيرا يطقطق ضلعي،
تئز عظامي
اذا ما مست الريح
طرف ردائي،
يخشخش جلدي
يضيء
للمسة ثلج،
لهذا اتكائي على الوهم
كان سلاما لقلبي
وليس هنالك
غير العصا من سبيل
يقود حطامي.
وفي لوحة (الوطن يقيم في المنفى) لايرسم الشاعر وجعنا فقط بل يخلده بالذاكرة لزمن يأبى أن يرحل.
مهاجرون/
تركوا وراءهم أنسامهم
وأصيافهم
وشجرات الطفولة/
تركوا وراءهم الحارات
وحانات المدينة
والمقاهي الليلية/
حملوا فوق أكتافهم
سماء قراهم
وبعض سواق
وبساتين صغيرة/
وضعوا في حقائبهم
تذكارات
قطعا من ظلال/
روائح من جبل/
نتفا من ضفاف نهرية/
كسرا من حكايات/
رقى خضراء/
قوالب خريط/
بساط قيلولة/
صور أئمة وقديسين/
ورحلوا الى حيث/
يقيم الوطن في المنفى.
وفي قصيدة (حيببتي) يرسم هاشم عشقه كعالم للنور والضياء بخطوط بارزة ملونة كتعويذة للخلاص من العتمة يغالب فيها أسئلته المحيرة.
وقعت في شباك الزبرجد،
وقعت في كمين الزمرد/
أهذا هو فخ الضياء؟
ملتبسة بالنور/
ولا أعرف هل هي
متوجة به
أم مكبلة؟
وأن حاولت تخليصها
هل سأصاب بالضوء
أنا المعتم دائما
وتحدث الشاعربعد حواره مع زبائن المقهى، عن بداياته وتجربته الشعرية وأثر الغربة والمنفى عليه، مؤكدا أنه بدأ الكتابة الشعرية في الرابعة عشر من عمره متأثرا بالشاعرين أحمد صافي النجفي ومحسن الكاظمي، ثم أغنى تجربته في قراءة الشعراء القدامى من (أبو تمام) والمتنبي وغيرهم ولحقه بعد إنتباه الى الشعر الحديث في قراءة نزار قباني والسياب الذي وجد شعره قريبا الى القلب ثم التفت الى قراءة سعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر ويوسف الصائغ.
موضحا أنه تلازم مع مجايليه واصدقائه الشاعرين في منطقته -بغداد الجديدة- زهير الجيزاني وخليل الأسدي في كتابة الشعر، حيث أصبحوا مهوسين في القراءة والكتابة ليل ونهار رغم أنهم لم ينشروا نتاجاتهم، وديدنهم قراءة شعرهم لبعضهم البعض.
وعلى أثر تعرفه على شعر (رامبو)، أنقلبت حياته رأسا على عقب، أذ أثر فيه كثيرا، حتى أن سفره الى باريس في أواخر السبعينيات كانت بسبب رامبو.
واشار الى أن أول قصيدة نشرها في طريق الشعب، ثم توالى النشر مع زملائه الأخرين في هذه الجريدة التي تمثل اليسار.
موضحا أن اليسار شكل له هوية شخصية ولمجايليه من الشعراء الشباب، أذ فتح عيونهم، كما يقول، على معرفة أسباب الفقر وطبيعة الصراع الطبقي. مؤكدا أن إختيارهم اليسار هو إختيار صحيح فهو بعيد عن التزمت ولعب دورا مهما في تحديد مسارهم الثقافي المناهض للفاشية.
وتناول ما تعرض له من عسف على أيدي اجهزة القمع. ولتجنب اعتقاله وأجباره أن يكون من ابواق النظام، أضطر الى الهروب شتاء 1978 الى باريس بمساعدة عدد من إصدقائه، وفي منفاه عاش ظروفا غاية في الصعوبة يحتال على الحياة وعلى الزمن وأجهزة قمع السفارة العراقية انذاك، ولكنه لم ينج من اعتداءات أزلامها من حملة كواتم الصوت والأسلحة البيضاء.
ويذكر أن مسرة هذا اللقاء أمتدت حتى بعد إنتهاء الأمسية، أذ ظل زبائن المقهى في القاعة يتبادلون الأحاديث ويحرصون على أخذ الصور التذكارية مع ضيفهم.