فضاءات

صفحة من تاريخ البعث العفلقي المجرم .. البيان رقم (13) / غريب دوحي

ما أن نجح انقلابيو شباط الرجعي الفاشستي في السـيطرة على مرسلات الإذاعة في أبي غريب حتى توالت بياناتهم تذاع الواحد تلو الآخر، فلقد أذاعوا البيان رقم (1) في الساعة الثامنة والدقيقة العشرين من صباح ذلك اليوم المشؤوم فكان نذيرا بوقوع المأساة الدامية التي بدأت من ذلك اليوم الأسود وحتى يومنا هذا. أما البيان رقم (13) سيئ الصيت فكان اسـتمرارا للتسلسل الرقمي الذي بدأ بالبيان رقم (1) وحتى البيان رقم (18) الذي يعد آخر بياناتهم الانقلابية ففي الوقت الذي كانت فيه طائرات الانقلابيين ودباباتهم تقصف وزارة الدفاع المقر الرسمي للزعيم عبد الكريم قاسم وكانت قيادة الحزب الشيوعي?العراقي وسكرتيرها ســـلام عادل قد وجهت نداءً إلى الشعب العراقي وكوادر الحزب جاء على شكل منشور وزع في شوارع بغداد يدعو الشعب فيه الى حمل السلاح ومقاومة الانقلاب، ومما جاء فيه:
إلى السلاح لسحق المؤامرة، قامت زمرة تافهة من الضباط المتآمرين بمحاولة يائسة للسـيطرة على الإذاعة تمهيدا لإرجاع بلادنا إلى قبضة الاسـتعمار والرجعية فسيطرت على مرســلات الإذاعة في أبي غريب وهي تحاول أن تثير مذبحة بين أبناء الشعب لتنفيذ هدفها السافل الدنيء في السـيطرة على الحكم. أن جماهير شعبنا المجاهد وجماهير جيش 14 تموز ينهضان كرجل واحد لدحر المؤامرة والمتآمرين. إلى الشوارع ياجماهير شعبنا لكنس بلادنا من الخونة المارقين، إلى السلاح للدفاع عن استقلا لنا الوطني ومكاسب 14تموز، إلى تشكيل لجان الدفاع في كل معسكر?وكل محلة وكل مؤسسة، إلى سحق كل محاولة في أي ثكنة. إن الشعب بقيادة القوى الديمقراطية سـيلحق العار بهذه المؤامرة السافلة، فإلى الأمام ... إلى الشوارع.
غير أن البيان لم يرد فيه ذكر للزعيم عبد الكريم قاسم .وعند ظهيرة 8 شـــــباط اصدر الحزب بيانا آخر يدعو فيه الشعب وكوادر الحزب للاستيلاء على الأسلحة من مراكز الشرطة وحملها لضرب المتآمرين وسحقهم دون رحمة.
وهذا نص البيان الثاني :-
إلى السلاح لقمع مؤامرة الاستعمار والرجعية
أيها الشعب العظيم-
ان الخونة المتآمرين محصورون في أبي غريب، إن بعض الزمر تحاول توســيع عملياتها في بعض أنحاء جانب الكرخ، الجماهير الشعبية تسيطر على جميع أنحاء بغداد وسائر بقاع البلاد.
إننا ندعو الجماهير لمهاجمة الجيوب الرجعية وسحقها دون رحمة وعدم الانتظار، إن استقلالنا الوطني أمام خطر مؤكد. إن مكتسبات الثورة أمام خطر مؤكد.
اسحقوا المتآمرين الخونة دون رحمة، اسـتولوا على السلاح من مراكز الشرطة ومن أي مكان وجد فيه. هاجموا المتآمرين عملاء الاستعمار.
إن الخونة يحاولون من الجو قصف معسكر الرشيد ووزارة الدفاع وسائر المعسكرات التي تسيطر عليها جماهير الجنود والضباط المخلصين.
إن الزعيم عبد الكريم والعبدي والمهداوي وسائر الضباط المدافعين عن استقلالنا الوطني يمسكون الآن بدفة قيادة الجيش. إن دحر وسحق المتآمرين هي المهمة العاجلة من أجل صيانة الأستقلال ومن أجل الديمقراطية
الحزم والجرأة والإقدام لصيانة الاستقلال الوطني، مارســوا حقوقكم الديمقراطية كاملة، أن تقليص حقوق الشعب الديمقراطية هي التي أعطت للخونة مجال التآمر .
إلى السلاح، إلى الهجوم في كل اتجاء بغداد والعراق لسحق جيوب عملاء الاستعمار المتآمرين.
بغداد في 8/شباط/ 1963 / الحزب الشيوعي
وقد لبت جماهير الشعب النداء وهاجمت مراكز الشرطة في بغداد وخاصة في مدينة الكاظمية، حيث تم انتزاع أسلحة المركز العام ومركز شرطة النجدة.
وقد أشار البيان الثاني إلى اسم عبد الكريم قاسم والمهداوي والعبدي ووصفهم بأنهم يمسكون بقوة بقيادة الجيش.
البيان المشؤوم
ألهبت النداءات التي وجهها الحزب الشــيوعي جماهير الشعب بكل قواه الوطنية والديمقراطية وجماهير الشعب عامة فقد قاومت هذه الجماهير لانقلاب وهبت أعداد كبيرة من مواطني الثورة والكاظمية والشـاكرية وهي تهتف بحياة الزعيم مرددة عبارة "ماكو زعيم إلا كريم" وطلبوا مـــن الزعيم تزويدهم بالســـلاح لمقاومة الانقلاب غير انه رفض طلبهم محتجا بخشـــيته مــن قيام حرب أهلية، لقد أدرك الانقلابيون خطورة هذا الالتفاف الشعبي حول قيادة ثورة 14 تموز وزعيمها ودور الحزب الشــــيوعي العراقي في تأجيج الشــارع العراقي ضـدهم الأمر الذي قد?يؤدي إلى فشل مؤامرتهم الدنيئة فاصدر ما يسمى بمجلس قيادة الثورة البيان الســيئ الصيت الذي يحمل الرقم (13) وقد أذيع هذا البيان من راديو بغداد يوم الثامن من شباط وجاء فيه :-
نظرا لقيام الشـيوعيين عملاء وشركاء عبد الكريم قاسم في تعاونه بمحاولات يائســة لإحداث البلبلة بين صفوف الشعب وعدم الانصياع للأوامر والتعليمات الرسـمية فقد تقرر تخويل القطعات العسكرية وقوات الشرطة والحرس القومي بإبادة كل من يتصدى للإخلال بالأمن والإرشاد عن الشيوعيين والمطالبة بإبادتهم والقضاء عليهم * انتهى البيان*
وهكذا عكس البيان الطبيعة الدموية والإجرامية لحزب البعث الفاشي فكرا وممارسة فقد كان وصمة عار في جبين كل بعثي، لقد ذهب ضحية هذا البيان خيرة رجال العراق تحت وسائل التعذيب والقتل وفي غياهب السجون والمعتقلات.
وقد كان من ضحايا البيان قادة وكوادر الحزب الشيوعي وفي مقدمتهم سلام عادل، وعلى الرغم من قسوة البيان إلا انه لم يرهب العراقيين الذين قاومــوا الانقلابيين فــي كل مـدن العراق ومنها مدينة الكاظمية كما ذكرت التي كان لها دور مميز في المقاومة البطولية حين تصدوا لسـرايا اللواء الثامن الذي اندفع احد أفواجه لضرب الأهالي الذين كانوا يقاتلون الانقلابيين في مواقع عديدة من المدينة اهمها إعدادية الكاظمية للبنين الأمر الذي نتج عنه استشهاد أعداد من الطلاب واعتقال عدد منهم بالإضافة إلى إعدام عدد مــن المواطنين رمياً بالرصاص، كما أبدت بعض المعسـكرات مقاومة محدودة للانقلابيين مثل معسكر الو شاش في بغداد ومعسكر سعد في بعقوبة.
من المسؤول عن إصدار بيان رقم (13) ؟
بعد مرور أكثر من أربعين عاما على قيام انقلاب شباط الدموي فالجدل متواصل بين الأوساط السياسـية والشعبية في العراق حول الجهة المسـؤولة عن إصدار البيان فهناك من يرى أن ما يسمى (المجلس الوطني لقيادة الثورة) هو الذي أصدره بالتتابع مع البيانات الأولى التي أصدرها منذ قيام الانقلاب، أي انه يحمل التســلســل الرقمي للبيانات التي تصدر عادة بعد كل انقلاب عسـكري والصدفة وحدها هي التي جعلت البيان يحمل رقم (13)، هذا الرقم الذي تتشاءم منه كل شعوب العالم، وهناك من يرى أن رشيد مصلح الذي عين حاكماً عســــــكرياً عاماً هو الذ? أصدره، وبهذا الصدد فقد يكون الاعتماد على الذاكرة من اســـــلم الطرق فالذاكرة أصدق أنباءاً من الكتب، فحين وقع الانقلاب كنت مع صديقي الراحل الشاعر عبد الخالق محمود نراجع دروسنا في احد بساتين البصرة القديمة استعدادا لامتحانات نصف السـنة حين شاهدنا رجلا يركب دراجة هوائية وهو بســير بســرعة جنونية وقد توجه ألينا صارخا بأعلى صوته «انتو كاعدين تقرون وما تدرون شنو صار» وحين استفسرنا منه قال : وقع انقلاب وقتل الزعيم، فنهضنا مسرعين وقد وقع الخبر علينا وقوع الصاعقة حتى وصلنا إلى بيوتنا في محلة القبلة القديمة وبدأنا نستمع من جهاز الراديو الصغير إلى بيانات الانقلاب واذكر أن البيان أذيع يوم 8 شباط ظهرا ومصدره (مجلس قيادة الثورة)
وينفي شامل عبد القادر في كتابه (الاغتيال بالدبابة) وهو يروي أسرار يومي 8و 9شباط كون الحاكم العسكري العام مسؤولاً عن إصدار البيان حيث يقول: تردد أن رشيد مصلح الحاكم العسكري العام هو الذي ذيل البيان باســـــمه وتوقيعه وبعد سيطرة البعثيين على الحكم عام 1968م القوا مسؤولية البيان على عاتقه تقربا من الشيوعيين . ويستطرد قائلا : لم يكن رشيد مصلح موقعا على البيان ولم يصدر عن دائرته بل أصدره المجلس الوطني لقيادة الثورة وتوجد نسخة منه في إحدى مجلدات تاريخ الوزارات العراقية ( 1958 - 1968 )
غير أن حازم جواد يعترف بأن المسؤول عن البيان هو طالب شبيب وليس رشيد مصلح الذي اعدم عام 1970م مـن قبل احمد حســن البكر . وفي مقابلة مع (وائل) نجل رشــيد مصلح مـع إحدى القنوات الفضائية قال: أن والدي لم يصدر هذه البيانات وإنما نسب إليه ظلما وذكر (وائل) أن مشــــادة كلامية حدثت بين والده وبين احمد حســـن البكر وعلى أثرها فقد والدي أعصـابه وبصق في وجه البكر، وبما أن البكر رجل حقود فقد اضمر الشــــر له وحينما أصبح رئيسا للعراق فتش عن تهمة مناسبة لتشويه سمعة رشيد وإعدامه "الاغتيال بالدبابات صفحة 171".
ومهما يكن مــن أمر فان البيان كان ولا يزال وصمة عار في جبين البعث المجرم والذي اثبت أن مهنته الوحيدة هي القتل والموت والدمار .