فضاءات

الاعلام الأنصاري / مزهر بن مدلول

على الرغم من الظروف العسكرية المشحونة بالمخاطر، و بالرغم من الظروف المناخية والتضاريس الوعرة وشح الإمكانات، فأنّ الذي لايمكن الجدال فيه، هو انّ الانصار الشيوعيين العراقيين لم يتوقفوا يوما في بحثهم عن كل ما يحقق تنمية العقل والروح ويخفف من وطأة الحياة البدائية، وخاصة في ما يتعلق بالثقافة والمعرفة والجمال، فلم يشكل العمل العسكري اهتماما وحيدا للأنصار على الرغم من أهميته القصوى، بل كانت هناك ميادين كثيرة جعلوها ضمن سلّم أولوياتهم وبذلوا مساعٍ كبيرة من اجل انجازها. فبالأضافة الى الفعاليات الرياضية والموسيقية والندوات الثقافية والعروض المسرحية، فقد اهتم الأنصار في الكتابة الصحفية واخترعوا وسائل مختلفة من اجل تحقيق ذلك، فكانت مجلة (النصير الثقافي) اول مجلة دفترية تصدر في منطقة بهدينان عام 1980، وتضمن عددها الاول بالاضافة الى الشعر والقصة والاقتصاد والشأن العسكري، تعريفا بالمجلة، كتبته هيئة تحريرها، والذي جاء فيه: ((انطلاقا من مبادىء وسياسة حزبنا في ضرورة تطوير الوعي الثقافي لاعضائه وجماهيره يأتي عدد مجلتنا (النصير الثقافي) الخاص بالانصار الشيوعيين ليساهم بتواضع في هذا المجال، ان صدور هذا العدد من المجلة ليس الاّ فاتحة عهد لمساهمة كافة الرفاق في تطويرها ودفعها باتجاه ممارسة دورها كوسيلة هامة وفعالة من وسائل اعلام وثقافة حزبنا الثورية الجديدة....).
كما صدرت في شباط من نفس السنة جريدة (نهج الانصار، ريبازي بيشمه مركة) والتي تحولت في عام 1982 لتكون جريدة يصدرها (المكتب العسكري المركزي) وباللغتين العربية والكردية، وصدرت كذلك عن (منظمة اقليم كردستان) جريدة (ريكَاي كردستان) في عام 1980 وباللغتين العربية والكردية ايضا، وبعد ذلك توالى ظهور النشرات والمجلات والجداريات في مختلف الأماكن من كَرميان وسوران وبهدينان بما في ذلك السرايا والفصائل التي تتجول بين القرى والقصبات.
بذل حزبنا الشيوعي العراقي جهودا كبيرة في سبيل نشر سياسته وفضح سياسة النظام الدكتاتوري المقبور، ومن اجل تحقيق ذلك الهدف وصلت الى كردستان في عام 1980 اول آلة طابعة مع رونيو، كما دخلت في نفس العام ايضا (اذاعة صوت الشعب العراقي)، ثم تكثفت الجهود حتى لم يعد هناك مكان في كردستان الا وفيه نشرة او صحيفة او جدارية، واستطاعت هذه النشرات والدفاترالصحفية ان تعبر عن اراء وافكار الانصار في جميع المجالات السياسية والحزبية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، بالاضافة الى انها فجرت الطاقات الابداعية الكامنة لديهم، فكتبوا في النقد الادبي والمسرحي وألفوا القصائد والنصوص الادبية المتنوعة والرسم والكاركاتير.
ومن المجلات والصحف الانصارية الاخرى مجلة (الجبل الابيض)، والتي جاء في افتتاحيتها: (مرة اخرى نفر من الانصار في (كَلي رمانة) يناقشون اصدار مجلة تحوي ماتجود به اقلامهم، فخرجت بخط اليد وعلى ورق الدفاتر المدرسية، وبنسختين فقط وكانت تحمل بين صفحاتها بشائر طاقات ابداعية..).
أما مجلة (هرور) فكتبت: (اذا كان لابد ان نحمل السلاح، ونجوب ذرى وطننا الحبيب كي نضع شعار حزبنا موضع التطبيق، فلابد ايضا ان يكون على الاقل من بديل لتلك المكتبات التي كنّا نمتلكها، وتلك الصحف التي كنّا نطلع عليها، وبديلنا هذا هو محاولة لكي نكتب ونتبادل الافكار وننقل ماهو ضروري ومفيد)، وكتبت ايضا: ( كنا نريد ل(لهرور) ان تكون نشرة جدارية، لكننا لم نجد الجدار الذي نضعها عليه، فكتبناها في دفتر مدرسي!..).
وجاء في "مجلة قنديل": ( انها تتوخى خلق اجواء ثقافية وادبية ودفع رفاق السرية للمساهمة في الكتابة تطويرا لامكانياتهم وبالتالي صب كل الجهود في خدمة صحافتنا الحزبية وتطويرها..). كما صدرت في السليمانية جريدة " ريكاي بيشمركه" وفي الفصيل المستقل في بهدينان مجلة " المسيرة ".
وهكذا كانت بقية المجلات والجرائد والجداريات وعددها بالعشرات تستجيب لحاجات النصير المتعطش للقراءة ومتابعة المستجدات السياسية والثقافية، كما كانت ميدانا واسعا للتعبير عن طموحات الانصار واحلامهم في وطن تسوده العدالة والحرية والعيش الكريم، اضافة الى انها كانت صفحات مهمة لتسجيل الذكريات واليوميات الانصارية والتي نحن اليوم بحاجة لها كوثائق تؤرشف تاريخ هذه الحركة النبيلة وهذه التجربة الفريدة التي خاضها حزبنا الشيوعي العراقي في مواجهة اعتى سلطة قمعية عرفها تاريخ العراق.