فضاءات

المقهى الثقافي العراقي في لندن يقيم أمسيته تحت ظلال نخلة العراق الباسقة

عبد جعفر
ناهدة الرماح، النخلة العراقية الباسقة، هو عنوان أمسية المقهى الثقافي العراقي في لندن، يوم 22-2-2015 التي أستضاف فيها قامة فنية كبيرة في المسرح والسينما العراقية وذلك في الحديث عن تجربتها وإستذكار رفاق دربها من مبدعي الثقافة العراقية، مع شهادتي الفنانين علي فوزي و فلاح هاشم. ورافقت الأمسية عروض مشاهد من فيلم (من المسؤول؟) الذي يطرح قضية جريئة حول بكارة الفتاة اليلة الزفاف ، وتمثل فيه الرماح شخصية العروس، ومسرحية (النخلة والجيران) التي تمثل فيها دور رديفة زوجة حمادي (العربنجي).
وقالت الكاتبة فيحاء السامرائي في تقديمها أن الرماح أرتبطت بالمسرح بعلاقة حب صوفية، وهي عندما تتحدث عن المسرح وأعمالها كمن يتحدث عن أولاده، وقد جاءت الى المسرح في ظروف إجتماعية صعبة بالنسبة للمرأة في ذلك الوقت، وهي قد واكبت العمل المسرح منذ الخمسينيات بكل نجاحاته وإخفاقاته ولحد الآن.
وأكد الفنان علي فوزي أنه من الصعب الحديث عن ناهدة الرماح، مشيرا الى أنه تعرف عليها من خلال الإعلان عن فيلم (من المسؤول؟) التي كانت بطولته في البصرة في الخمسينيات من القرن الماضي، ولم يتم اللقاء بينهما ألا في عام 1964 ، بعد خروجهما من المعتقل بعد إنقلاب 8 شباط الاسود، إذ كانا معتقلين في المكان نفسه في سجن باب المعظم.
وقد لعب صدور قانون الفرق المسرحية الجديد في عهد عبد الرحمن عارف الى تنشيط الحركة المسرحية وإجازة النشاط للفرق ومنها فرقة المسرح للفن الحديث التي كانا من إعضائها الفاعلين.
وأشار الفنان فلاح هاشم الى أن الفنانة الرماح اقتحمت عالم الفن مسلحة بموهبتها والشحنة العاطفية التي تمتلكها في التعبير عن طاقتها، فهي تملك إستعدادات الممثل الداخلية وأدواته، بالإضافة الى القدرة على التعلم من عمالقة الفن الذين كانت تعمل معهم، ولقد كانت فرقة المسرح الحديث جامعة مهمة لتخريج الفنانين وصقل موهبتهم. وقد ذكر الفنان الراحل قاسم محمد أنه يتمنى أن يكون لدينا عشر ممثلات مثل ناهدة الرماح.
فقلد كانت ناهدة النسبة له عجينة هائلة التكوين، وكان حين يعطي لها الشخصية ينحتها وهي مؤهلة أن تنهض بها.
ومن دخولها باب القاعة بمشهد مسرحي الذي فاجأ الجمهور وهي تردد كلمات رديفة في (النخلة والجيران)، الى حديثها الشيق، أضفت ضيفة المقهى زبائنها المتعة في سرد ذكرياتها وتجربتها وتجربة مجايليها من الفنانين الرواد.
مشيرة الى أنها نشأت من عائلة فقيرة مناضلة، حيث كان أخوها نقابيا وشيوعيا معروفا ، وفتحت عينيها على شعارات الحرية والديمقراطية ومعاداة الإستعمار. وتعرفت على طبيعة إضطهاد النظام أنذاك حين إصطحبها أهلها وهي صغيرة في زيارات لعدد من أقاربها وأسرتها في سجون نقرة السلمان والحلة وغيرها.
وحول علاقتها بالفن، اكدت أنها جاءت من خلال الفرصة التي وفرها لها المخرج عبد الجبار ولي الذي أسس شركة للإفلام، وكان يرغب في مشاركة وجوه جديدة من بنات العوائل الكريمة
وتم اختيارها لتأدية دور البطولة في فيلم (من المسؤول؟)
وقد اشترك أخوها وزوجته وأمها في العمل.
ولقد لقى هذا الفيلم أقبال الناس البسطاء الواسع لأنهم وجدوا أنفسهم فيه.
ثم توالت أعمالها في المسرح حين طلب منها الفنان سامي عبد الحميد أن تمثل في فرقة المسرح الفني الحديث، حيث عرض عليها نصين هما (الرجل الذي تزوج امرأة خرساء) والأخرى شعبية بعنوان (ست دراهم). وبمساعدته ومساعدة الرائد ابراهيم جلال وبقية الزملاء، أستطاعت أن تتعلم الكثير ومعرفة ماهو الفن وماهية التمثيل والالتزام وأحترام العمل وأتجاوز العثرات في العمل.
مؤكدة أنها تعتبر نفسها حاصلة على الدكتوراه من جامعة (فرقة المسرح الفني الحديث) التي أغنتها بالتجربة والوعي المسرحي كثيرا.
وأكدت أن العراق في فترة الخمسينيات شهد نهوضا ثقافيا ملحوظا على كافة الأصعدة في التشكيل والأدب والصحافة، وبرزت أسماء متألقة من الرواد، وكثيرا منهم كان يسهم في ديكور المسرح أو يحضر البروفات. مما عزز الوشائج بين المبدعين.
وبعد ثورة 14 تموز أزدهرت الحركة الفنية والنشاط الثقافية بشكل عام. وما يميز عمل فرفة الفن الحديث أنضمام عناصر نسوية مهمة لها، وهن الفنانات زينب وآزادوهي وزكية خليفة.
وقدمت الفرقة مسرحية (أنا أمك شاكر). ولعب تأسيس مصلحة السينما والمسرح عام 1962 بالعراق بأدارة الفنان يوسف العاني، دورها بتشجيع إنتاج المسرحي. وقد اختارت فرقتها، مسرحية (الخال فانيا) لتشيخوف.
وأعدت الرماح انقلاب شباط الأسود عام 1963 ليس هجوما على الحركة اليسارية والديمقراطية فقط بل كان هجوما شرسا على الثقافة أو الفن وروادها أيضا، أذ ساءت أوضاع الفنانين، وساءت معه حركة المسرح والسينما.
وأوضحت ولكن الوضع تغيير منذ مجيء حكومة عارف الثاني، وسن قانون جديد للفرق المسرحية عام 1966، أذ عاودت الفرق نشاطاتها، وبرزت فرق مهمة بالاضافة الى فرقة المسرح الفني الحديث، وهما فرقتا (مسرح اليوم) و(المسرح الشعبي).
وقدمت فرقة الفني الحديث ثلاث مسرحيات وهي (مسألة شرف) و(عقدة حمار)، و(فوانيس) والتي تم تقديمها في الكويت أيضا، وتلتها في العام الاخر تقديم مسرحية (صورة جديدة).
واكدت أنه في فترة السبعينيات عدت العصر الذهبي للنشاط الثقافي والمسرحي رغم ما رافقها من تضييقات من قبل السلطة. فقد شهدت الفترة نشاطات نوعية لاتحاد الادباء ونقابة الفنانين والشبيبة الديمقراطية. ولم يقتصر النشاط على بغداد فقط بل المحافظات أيضا ومنها البصرة التي قدمت عملها الرائع أوبريت (بيادر خير).
وأضافت وكان لعودة الفنان قاسم محمد من موسكو هو يحمل افكارا جديدة في الاخراج، أذ قدم لنا ثلاث مسرحيات " (الرجل الذي صار كلباً) و(مرض أسنان) و (بانشيتو) التي تفضح اسلوب الانتاج الرأسمالي الذي يسلب انسانية الانسان، ومسرحية (كان يا مكان) و(أنا ضمير المتكلم) التي قدمت أيضا في دمشق.
واشارت الى أن إسناد دور (رديفة) لي في رائعة غائب طعمة فرمان في (النخلة والجيران) أسعدني كثيرا، فلقد كنت أعشق هذا العمل، وكنت أحب جميع شخصياته. وحاولت أن اعطي لشخصية (رديفة) كل ابداعي من تجسيد هذه الشخصية الشعبية الجميلة.
ثم قدمت الفرقة مسرحية (المفتاح) حيث أدخل قاسم محمد لأول مرة الغناء والرقص على المسرح.
وأكدت انه في الوقت نفسه عرض عليها العمل في السينما حيث اشتركت مع الفنانين خليل شوقي وسامي قفطان وغيرهم في فيلم (الظامئون).
وتناولت بعد ذلك الهجمة الشرسة من قبل أجهزة القمع التي واجهها الفنانون خلال السنوات الاخيرة من السبعبينات، مشيرة الى ما تعرضت له فرقة الفني الحديث خلال عرض مسرحية (بيت برنادا ألبا) وهي من إخراج سامي عبد الحميد حيث بدأت السلطات بقطع الكهرباء واعتقال بعض من رواد المسرح، ورغم ذلك فأن المسرحية شهدت إقبالا منقطع النظير، الى أن تم منع عرض المسرحية، وتم مطاردة العديد من إعضائها ممن اضطرهم الى الهروب خارج الوطن وتحمل معاناة الغربة والمنافي وصعوباتها. ورغم المحاولات في المنفى لإحياء النشاطات السابقة، غير أن المسرح في المنفى كان يعاني من الصعوبات من الوضع المالي وبعد المسافات وعدم التفرغ للعمل المسرحي.
وفي ختام هذه الندوة الممتعة طرحت العديد من الاسئلة والنقاشات المهمة مع الجمهور أهمها ما طرحه الكاتب خالد القشطيني الذي اشار الى انه لولا اليسار وبالذات الحزب الشيوعي العراقي، لما نشط المسرح وأندفع العنصر النسوي للمساهمة فيه، موضحا أنه من خلال تجربته في المسرح في الخمسينيات، وكان الحزب يطلع على النصوص المسرحية وفي حالة موافقته، يوجه الجميع من اجل دعمه واسناده.