فضاءات

مافيات كبيرة تدير مهنة التسوّل.. والحكومة عاجزة / أحمد حسن الياسري

محمد صبي يبلغ من العمر 8 سنوات، يقف على قارعة الطريق في تقاطع بغداد الجديدة مع صبية آخرين بعمره، يقومون بتنظيف زجاج السيارات المتوقفة في إشارة المرور، مقابل ألف دينار عراقي أو أكثر، يعطيها السائقون أو الركاب عطفاً عليهم.
وهذا الفعل هو نوع من أنواع التسول، التي انتشرت في مدن بغداد مؤخراً.
يقول محمد أن "الحجية"، المرأة التي ترعاه، اشترته من والده، قبل سنوات أربع، وأسكنتهم بيتاً من صفيح، يقع في منطقة معسكر الرشيد جنوب شرقي العاصمة بغداد، مع عدد من الصبية والنساء.
ويضيف لـ"طريق الشعب" أن سيارة نوع (كية حمل)، يقودها عبوسي، تأتي صباح كل يوم، إلى مسكنهم، فتأخذهم وتوزعهم (الصبية والنساء) على تقاطعات بغداد لممارسة التسول.
محمد الذي قال إن "الحجية" تخصص لهم وجبة واحدة يومياً بعد عودتهم مساء، أشار إلى أنه يذهب إلى أصحاب المطاعم الذين يعرفونه، ليأكل عندهم وجبة طعام مجانية، عندما يشعر بالجوع أوقات الظهيرة.
وأوضح محمد أن ما يجنيه من عمله اليومي الشاق، يسلمه إلى "الحجية" مساءً، ولا يأخذ منه شيئا، لأنها (أي الحجية) توفر له المنام والمأكل "بلاش".
ومثل محمد العديد من الأطفال ينتشرون في شوارع بغداد، وسط صمت حكومي عن أوضاعهم.
وبإمكان المتجول في شوارع بغداد هذه الأيام رؤية متسولين من الجنسين ومن مختلف الأعمار، وهم يطرقون نوافذ السيارات طلبا للمساعدة، أو يقدمون على مسح زجاج السيارات دون استئذان، للحصول على مبلغ زهيد.
وثمة من هؤلاء من يقف على أبواب المحال التجارية متربصا بالمتبضعين، ومنهم من يتسلل إلى المكاتب الحكومية والأهلية أو المؤسسات التعليمية، للحصول على "رزقه".
لجنة الرعاية الاجتماعية النيابية، أكدت وجود مافيات تستغل العوائل الفقيرة عبر استخدام الأطفال والنساء لممارسة التسول.
وقالت عضو اللجنة زينب عبد علي السهلاني، في حديث لـ"طريق الشعب"، أن لجنتها "لم تعد إحصائية عن أعداد المتسولين"، مشيرة إلى أن" ذلك من اختصاص وزارتي الداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية".
واتصلت "طريق الشعب" بوزارتي التخطيط والتعاون الإنمائي والعمل والشؤون الاجتماعية على اعتبارهما معنيتين بشكل مباشر بحصر أعداد المتسولين، ولكنهما رفضتا الإدلاء بأية معلومات.
وبينت السهلاني أن" التسول بات مرتبطا بشبكات عديدة، وأصبحت مهنة، وبالتالي هي ظاهرة إجرامية يجب مكافحتها"، موضحة أنه "ما اتخذ من إجراءات من قبل الجهات المعنية بحق المتسولين ضعيفة ولا ترتقي إلى المستوى المطلوب".
وعلى الرغم من مناقشة موضوع التسول من قبل الكثير من الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، وإعداد خطط للحد من الظاهرة على اقل تقدير، لكن المتتبع لهذه الظاهرة يجد انها في اتساع مستمر يثير في النفوس الرعب والخوف من مستقبل مجهول للمجتمع.
وبدورها، قالت عضو لجنة حقوق الإنسان النيابية، أزهار الشيخلي، في تصريح لـ"طريق الشعب"، "نلاحظ تزايد عدد المتسولين في الفترة الاخيرة حتى أصبحت ظاهرة خطرة تهدد المجتمع"، مشيرة إلى ان لجنتها اقترحت قبل فترة وضع الأطفال المتسولين في ملجأ الأيتام، الا أن اهلهم رفضوا ذلك على اعتبار هم مسؤولون عنهم.
وأوضحت الشيخلي أن معلومات وردتها تفيد بان المتسولين ينتشرون بأوقات محددة، وينسحبون منها أيضا بوقت معين وبالتالي هذا دليل على وجود شبكات وراء ممارسة التسول"، مبينة ان "هذه الوقائع جميعها تشكل أفعالا جريمة، فضلا عن أن التسول في حد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون".
وأكدت عضو لجنة حقوق الإنسان أن" الأجهزة التنفيذية مقصرة تجاه الحد من هذه الظاهرة"، داعية وزارة الداخلية والجهات المعنية إلى التعاون مع لجنتها ووزارة حقوق الإنسان من أجل وضع خطط لتقليص هذه الظاهرة".
وأشارت إلى انه " بحسب معلوماتي هناك دراسات قام بها مختصون في علم الاجتماع حول التسول وخرجت الدراسة بضرورة وضع إجراءات عملية تقضي بان تكون هناك وحدات مختصة من الشرطة بمتابعة الأشخاص الذين يستغلون الأطفال والأحداث وحتى النساء الكبيرات في السن، وشددت على ضرورة المتابعة الدقيقة لهم من اجل وضع اليد على الرؤوس الكبيرة التي تقف وراء هذه الظاهرة".
يذكر ان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رفعت قبل أيام مستوى تنسيقها مع وزارة الداخلية لمكافحة التسول في بغداد والمحافظات.
وقال وزير العمل والشؤون الاجتماعية نصّار الربيعي في تصريح صحفي ان "الوزارة اتفقت مع وزارة الداخلية علىمكافحة التسول في بغداد والمحافظات من خلال تشكيل فرق مشتركة لتعقب المافيات التي تنشر المتسولين في الشوارع والاماكن العامة"، مضيفا أن "هناك مافيات تقوم بتجنيد هؤلاء المتسولين وهذا هو عمل وزارة الداخلية في ملاحقة هؤلاء وهو خرج عن إطار وزارة العمل".
وأوضح الربيعي أن "وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قررت توفير دور للمشردين والمتسولين"، مبينا ان" هناك اجتماعات دورية في المحافظات مع وزارة الداخلية وممثلين من مختلف الوزارات ولكن هذه الظاهرة عالمية ولا يمكن التخلص منها بشكل نهائي"، منوها بأن" التسول بات ظاهرة مستشرية في الشارع العراقي غير مشمولة بالرعاية الحكومية".
وتشير دراسات لهذه الظاهرة الى ان نحو 95 في المئة من ممارسي التسول هم من الاطفال الذين يمارسونه تحت إمرة جماعات يعرفون بـ"المقاولين" الذين يرغمونهم على التسول تحت غطاء بيع كتيبات دينية او الحلوى والمناديل الورقية في الشوارع ومفترق الطرقات.
ويُرجع مختصون بمتابعة الظواهر الاجتماعية السلبية اسباب انتشار ظاهرة ممارسة الاطفال للتسول، وخصوصا بعد العام 2003 الى تزايد حالات الطلاق التي تؤدي الى تفكك الاسرة وبقائها دون معيل.
ويرى مختصون ايضا ضرورة اعداد دراسات ميدانية وتقارير عن المتسولين تستخدم كقاعدة بيانات للاستفادة منها في تحديد حجم الظاهرة وموثقة بالارقام ، اضافة الى ادراج موازنة خاصة ضمن الموازنة العامة للبلاد تخصص لإعادة تأهيل هؤلاء المتسولين وجعلهم أفرادا منتجين يستطيعون إعانة أنفسهم والمساهمة في بناء البلد ، فضلا عن جعل المسؤولية مشتركة بين المواطن والدولة في الحد من الظاهرة ، من خلال توعية الناس عبر وسائل الإعلام بان الدولة لم تترك هؤلاء المتسولين ولديها برامج محددة لرعايتهم لان ذلك سيدفع الكثير من المواطنين الى عدم?التعاطف مع المتسول وبالتالي فان ذلك سيدفع المتسول الى البحث عن مصدر رزق كريم .