فضاءات

الناشطة طليعة كوهاري: حقوق المرأة تتحقق بارتقاء وعيها ونضالها / كمال يلدو


لا شك بأن الفترة التي شهدت صدور قوانين عصرية تضمن للمرأة حقوقها ومشاركتها الرجل في بناء المجتمع، اقترنت بمشاركة فاعلة من قبلها على صعيد تنظيماتها النسوية ومساهماتها الفعالة وأنغمارها في العلم والمعرفة، فيما اثبتت الوقائع بأن اكبر الهجمات على المكتسبات التي حققتها المرأة، اقترنت بضعف منظماتها النسوية وانحسار مشاركتها، وأرتفاع نسبة الأمية في صفوفها وأنتشار الأفكار الظلامية التي فسحت المجال لتصاعد نفوذ العقلية الذكورية المتخلفة والتي وجدت تطبيقاتها بالدعوة لحجز المرأة في البيت ، والمطالبة بأن تكون مهمتها في المطبخ وأنجاب الأطفال، دون الألتفات لحاجاتها ?لأنسانية في الثقافة والعمل وأمتلاك شخصيتها المستقلة، ومشاركتها الرجل في جميع جوانب العمل والحياة.
إن ما يحدث في عراق اليوم يمثل خطرا كبيرا ليس على منجزات المرأة فقط، بل على وجودها الأنساني وكينونتها، خاصة اولئك اللواتي وقعت مدنهن بيد الميليشيات او تنظيم داعش الأرهابي فأضطررن للهجرة والنزوح، او ممن وقعن أسيرات بيد المجاميع الأرهابية وأصبحن إماءً لرغبات وشذوذ مجموعة من قطاع الطرق والقتلة، كل هذا يجري في العام ٢٠١٥ وكأن الزمن يخطو للوراء، رغم مرور ٤٠ عاما على النداء الذي اطلقته الأمم المتحدة عام ١٩٧٥ بأعتبار العصر عصر النهوض بواقع المرأة وتطويره.
بهذا تفتتح الناشطة " طليعة كوهاري" حديثها عشية الأحتفال باليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار وتكمل القول:
لايختلف اثنان بأن المرأة العراقية تعيش كوارث مزمنة، اما تلك التي ورثتها من حروب وأرهاب النظام البائد وما ترتب عليه من بؤس وشقاء لحق بها وبأوضاعها الأنسانية والأجتماعية والحياتية، متمثلة بالفقر والتخلف والأمية والترمل والعنوسة وحتى ارتفاع نسب الطلاق، أو ما جرى بعد ٢٠٠٣ والذي تمثل بصعود تيارات (تتخذ من الدين شعارا) سعت على مدى سني حكمها لتشريع اكثر القوانين رجعية ، أو بافراغ قسم من القوانين من محتواها أو بمصادرة المنجزات التي ضمنت (بعض) الحقوق التي حصلت عليها المرأة نتيجة لنضالاتها وتضحياتها لعشرات السن?ن. يأتي هذا في وقت تزداد فيه الأمية بين النساء وتجري محاربة تعليمهن على قدم وساق، و تشجيع عملية تعدد الزوجات، لابل وطرح مشاريع (طائفية) لتنظيم حياة الأسرة العراقية، بعد أن كانت تتمتع بأرقى قانون ذلك الذي سن عام ١٩٥٩.
اما عن الأسباب فأنها تعزيها الى عدة عوامل: يمكن ان يكون أهمها متمثلا بالتغيير الذي جرى على بنية المجتمع العراقي من جراء الحروب، والحصار وهجرة الشباب وجعل العراق ساحة تصفية الحسابات الأقليمية، ونشاط المنظمات الأرهابية والميليشيات وبقايا النظام المقبور، ناهيك عن المافيات والعصابات، وثانيا: من الضعف الذي اصاب الحركة الوطنية العراقية جراء الأرهاب وانحسار عمل المنظمات النسوية العراقية المدنية وطليعتها "رابطة المرأة العراقية" والمنظمات الشبابية والطلابية وحتى المهنية التي كانت تلعب دورا رياديا فيها، وثالثا: يت?ثل بالضعف والوهن الذي اصاب نساء العراق وعزوف بعضهن (بسبب الظروف) من المشاركة الفعالة، والتعلم، ومحو الأمية أوالأضطلاع بدور وطني أكبر يفرض نفسه على المشهد السياسي العام، فيما جرت أكبر عملية التفاف على المرأة تمثلت بصعود مجموعة من النساء للبرلمان تحت باب (الكوتا النسائية) فيما بعضهن لا يمثلن أدنى درجة من تمثيل مصالح المرأة ، ناهيك عن الدفاع عن حقوقها ومطالبها المشروعة.
تنحدر السيدة طليعة إلياس كوهاري من عائلة وطنية دفعت ثمنا غاليا لمبادئها ، تمثل أول الأمر بإستشهاد والدها بعد انقلاب شباط ١٩٦٣ وهي لم تبلغ سوى أربع سنوات، فيما تحملت والدتها (المرحومة نعمي أيوب رمّو)عبء تربية العائلة ومقاومة الصعاب وأرهاب السلطات، وهذا صلّب عود الأم اكثر ودفعها لأكمال مسيرة الراحل زوجها، فرّبت ابناءها وبناتها على حب الوطن والشعب والأفكار السامية وكانت مثالا ملهما للوطنية الخالصة الى جانب حنان الأمومة العظيم.
وتكمل السيدة طليعة: ربما كان للفطرة والجو العام تأثير على حملي للأفكار الوطنية أول الأمر، لكن بعد تجربتي الحياتية، فقد اضحى قراري مقرونا بوعي فكري وطبقي ونضج كامل، وهذا منحني فرصة الأنغمار بالعمل الوطني اكثر بعد فهم واستيعاب حقوقي وواجباتي، ويزيدني قوة وطاقة للحديث وسط مجتماعاتنا ( في تنظيم التيار المدني بكندا وبين صفوف الجالية العراقية والأهل) عن ضرورة الثقافة، والعلم والمعرف ة وعدم الركون بإنتظار الأنجازات، بل العمل عليها بلا كلل او ملل. بهذه الطريقة تحقق المرأة العراقية والكندية والأمريكية وكل نساء?العالم احلامهن في انظمة مدنية ديمقراطية ومجتمعات تساوي بين مكوناتها في الحقوق والواجبات ونضمن طفولة سعيدة لنواة المجتمعات القادمة.
وتختم حديثها بحزمة من الآمال والأماني:
أُقدم أحر التهاني للمرأة العراقية العاملة والمكافحة والصبورة، للنساء المهجرات والمسبيات، لأخواتي اللواتي يعملن في ظروف صعبة ويتحملن كل انواع المشقات، للمرأة العربية وكل نساء العالم ، وأن يمضين قدما بنضالهن الباسل من أجل تحقيق العدالة والمساواة، ومن اجل الدولة المدنية وإقرار دستور يحميهن من الظلم والتمييز والأضطهاد.